216
قال : فأطرق (3) (صلى الله عليه وآله وسلم) هنيئةً (4) قال (5) : ياعبّاس أتأخذُ تراثَ رسولِ اللّهِ وتنجزُ عداتِه (6) وتؤدّي دينَه ؟ فقال : بأبي أنت واُمّي أنا شيخٌ كبير كثيرُ العيال ، قليلُ المال ، من يطيقُك وأنت تباري الريح . فقال رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أما إنّي سأُعطيها من يأخذُ بحقِّها (7) ، ثمّ قال :
ياعلي : ياأخا محمّد ، أَتُنْجِز عداةَ محمّد ، وتقضي دينَه ، وتأخذُ تراثَه (8) ؟
قال : نعم بأبي أنتَ واُمّي .
قال : فنظرتُ إليه حتّى نَزَع خاتَمه من إصبعِه فقال : تختَّمْ بهذا في حياتي .
= بالسخاء .
(3) يقال : أطرق الرجل : إذا سكت ولم يتكلّم ، وأطرق رأسه : أي أَمالَهُ وأسكَنه ، وأَطرق الرجل : أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض
(1).
ولعلّ الأنسب هنا هو المعنى الأوّل .
(4) هنيئة أي وقتاً .
(5) في الكافي : « ثمّ قال » .
(6) التراث هو الميراث ، والعدات جمع عدة هي الوعد في الخير .
(7) في الكافي : « مَنْ يأخذها بحقّها » أي مَنْ يأخذ هذه المواريث بالإستحقاق ويقوم بلوازمها .
(8) في التعبير بأخ محمّد ، ثمّ تقديم إنجاز العداة وقضاء الدين ، دون أخذ التراث ، لطف لا يخفى .
1 ـ مجمع البحرين : ص439 .
217
قال: فنظرتُ إلى الخاتَم حينَ وَضعَهُ عليٌ (عليه السلام) في إصبعِه اليُمنى (9).
فصاح رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يابلال : عَلَيَّ بالمغفِر (10) ، والدّرعِ (11) ، والرايةِ (12) ، وسيفي ذي الفقار (13) ، وعمامتي السَّحاب (14) ،
(9) في الكافي : « فتمنّيتُ من جميع ما ترك الخاتم » وهذا كلام العبّاس وتمنّيه .
(10) المِغفر ـ بكسر الميم ـ : زردٌ ينسج من الدروع على قدر الرأس يُلبس تحت القلنسوة .
(11) الدِرع ـ بكسر الدال ـ : وجمعه دروع وأدرع ودراع : قميص من زرد الحديد يُلبس وقاية من سلاح العدو .
(12) الراية هو العَلَم الكبير يتولاّها صاحب الحرب ، ويقاتل عليها ، وإليها تميل المقاتلة .
(13) وهو سيف رسول الله الذي نزل به جبرئيل من السماء ، وأعطاه رسول الله علياً سلام الله عليهما وآلهما الكرام يوم اُحد فما زال يقاتل به حتّى سُمع دويّ من السماء : لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي
(1) وفي حديث أحمد بن عبدالله قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن ذي الفقار سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أين هو ؟ فقال : هبط به جبرئيل (عليه السلام) من السماء ، وكان حليته من فضّة ، وهو عندي
(2).
(14) كان اسم عمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السحاب ، وكان لأغلب مختصّاته أسماء لشرافتها .
ورد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألبس علياً في غزوة الخندق درعه ذات الفضول ، وأعطاه =
1 ـ بحار الأنوار : ج20 ، ص71 ، ب11 ، ح7 .
2 ـ بحار الأنوار : ج42 ، ص65 ، ب118 ، ح8 .
218
والبُرد (15) ، والأبرقَة (16) ، والقضيب (17) ( يقالُ له : الممشُوق ) فواللّهِ ما رأيتُها قبلَ ساعتي تَيك ـ يعني الأبرقة ـ (18) ، كادَتْ تخطَفُ الأبصار ، فإذا هي من أبرُقِ الجنَّة .
فقال : ياعلي : إنّ جبرئيل أتاني بها فقالَ : يامحمَّد ! إجعلْها في حلقةِ الدِّرع واستوفِر بها (19) مكانَ المنِطَقة .
ثمّ دعا بزَوجَي نعال عربيَّيْن أحدُهما : مخصوفة والاُخرى غيرُ مخصوفة (20) ، والقميصَ الذي اُسرِىَ به فيه ،
سيفه ذا الفقار ، وعمّمه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار ـ أي أدوار ـ ثمّ قال له : تقدّم ، فقال لما ذهب : « اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه » كما يستفاد من حديث البحار
(1).
(15) البُرد ـ بضمّ الباء وسكون الراء ـ : نوع من الثياب والأكسية المعروفة .
(16) الأبرقة : شُقةٌ يشدّ بها الوسط مكان المنطقة ، سمّيت بها لبريقها ، أو لكونها ذات لونين ، لأنّه يطلق على كلّ ما فيه سواد وبياض أبرق .
(17) القضيب هو الغصن المقطوع من الشجر مأخوذ من القضب بمعنى القطع ، والقضيب يراد به العصا .
(18) في الكافي قبل قوله كادت : « فجيء بشقّة » .
(19) في الكافي : « واستذفر بها » من الإستذفار بمعنى شدّ الوسط .
(20) في الكافي : « والآخر غير مخصوف » والمخصوف هو المرقوع وخصف النعل ترقيعه .
1 ـ بحار الأنوار : ج20 ، ص203 .
219
والقميصَ الذي خَرَج فيه يومَ أُحُد ، والقلانِسَ الثلاث : قلنسوةَ السَّفَر ، وقلنسوةَ العيدَين ، وقلنسوةً كان يلبسُها ويقعدُ مع أصحابه .
ثمّ قال رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يابلال : عَليَّ بالبغلتَين : الشّهباء والدُلدُل (21) ،
والناقتَين : العضباء والصهباء (22) ، والفرسَين : الجَناح (23) ، الذي كان يُوقفُ ببابِ مسجدِ رسولِ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لحوائجِ الناس (24) ،
(21) يقال : دَلْدَلَ في الأرض أي ذهب ومرّ ، ويسمّى به البغل لهذه المناسبة .
(22) في الكافي : « والقصوى » .
(23) ويُسمّى ذو الجناح أيضاً وكان من جياد خيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتقل إلى سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام) وكان معه في يوم عاشوراء .
ولمّا صُرِعَ الإمام الحسين (عليه السلام) جعل الفرس يحامي عنه ويَثِبُ على الفارس من العدوّ فيخبطه عن سرجه ويدوسه ، حتّى قتل الفرس أربعين رجلا ولم يقدروا عليه ، فصاح ابن سعد عليه اللعنة : ويلكم تباعدوا عنه ودعوه لننظر ما يصنع ، فتباعدوا عنه ، فلمّا أمن الطلب جعل يتخطّى القتلى ويطلب الحسين (عليه السلام) ، حتّى إذا وصل إليه جعل يشمّ رائحته ، ويقبّله بفمّه ، ويمرغ ناصيته عليه ، وهو مع ذلك يصهل ويبكي بكاء الثكلى حتّى أعجب كلّ من حضر ، ثمّ انفتل يطلب خيمة النساء إلى آخر قضيّته التي تراها منقولة عن أمالي الصدوق ، والمناقب لابن شهر آشوب ، ومدينة المعاجز للسيّد البحراني ، والمنتخب للطريحي في المعالي
(1).
(24) في الكافي : « لحوائج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) » .
1 ـ معالي السبطين : ج2 ، ص19 .
220
يَبعثُ رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الرجلَ في حاجتِه فيركبُه ، وحيزُوم وهو الذي يقولُ أَقْدِمْ حيزُوم (25) ، والحمار اليَعفور .
ثمّ قال : ياعلي : اقبِضْها في حياتي حتّى لا ينازُعك فيها أحدٌ بَعدي .
ثمّ قال أبو عبدِاللّه (26) (عليه السلام) : إنّ أوّلَ شيء مات من الدواب حمارَه اليعفُور، تُوفّي ساعةَ قُبِض رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قَطَع خِطامَه (27) ، ثمّ مرَّ يركض حتّى وافى بئرَ بني حطَمة (28) بُقبا (29) ، فرمى بنفسِه فيها فكانَت قبرَه .
ثمّ قال أبو عبدِاللّه (عليه السلام) : إنّ يَعفُور كَلَّمَ رسولُ اللّه (30) (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : بأبي أنتَ وأُمّي إنَّ أبي حدّثَني عن أبيه عن جدِّهِ : ...
(25) أي يقول له حينما يريده : أَقْدِمْ حيزوم فيجيب ويقبل .
(26) في الكافي : « فذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) » إنّ أوّل شيء مات الخ .
(27) الخِطام ـ بكسر الخاء ـ : هو الزمام أو ما يقاد به الدابّة .
(28) في الكافي : بني خطمة ، وخطمة ـ بفتح الخاء وسكون الطاء ـ : حيٌ من الأنصار .
(29) قُبا ـ بضمّ القاف والقصر ـ : إسم قرية في جنوب غربي المدينة المنورة ، تبعد عنها أربع كيلومترات ، وبها مسجد التقوى المعروف بمسجد قُبا ، وهو المسجد الذي أُسّس على التقوى من أوّل يوم .
(30) لا عجب في تكلّم الحيوان أو معرفته نسبه بإقدار الله تعالى وقدرته ، خصوصاً مع سيّد الرسل وأفضل الأنبياء صلوات الله عليه وآله .
كما يقرّب هذا الأمر نظيره القرآني وهو تكلّم الهدهد والنملة لسليمان النبي (عليه السلام)بكلام الحكمة ومنطق العبرة .
221
أنّه كانَ مع نوح في السفينةِ ، فنظَر إليه يَوماً نوحٌ (عليه السلام) ومسَحَ يدَه على وجهِه ، ثمّ قال : يُخرجُ من صِلب هذا الحمار حمارٌ يركبه سيّدُ النبيّين وخاتُمهم .
والحمدُ للّهِ الذي جَعَلني (31) ذلكَ الحمار (32) .
(31) هذا الكلام ليعفور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
(32) علل الشرائع : ص166 ، ب131 ، ح1 ، وجاء في اُصول الكافي : ج1 ، ص236 ، ح9 ، مع إختلاف يسير ، وبحار الأنوار : ج22 ، ص456 ، ب1 ، ح3 ، والمستدرك : ج8 ، ص269 ، ب13 ، ح4 ، المسلسل 9418 .
222
5
التُحَف : روى الشيخ المحدّث الفقيه أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني الحلبي (1) في تحف العقول (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّته لأمير المؤمنين (عليه السلام) (3) :
(1) وهو من أعاظم علماء الشيعة ومن معاصري الشيخ الصدوق ، ومن رواة الثقة الجليل محمّد بن همام الكاتب البغدادي ، كما تلاحظ جلالة قدره في الروضات
(1).
(2) وهو كتاب شريف قلّما سمح الدهر بمثله ، حتّى أنّ شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب
(2).
(3) سيأتي ذكر المصادر في آخرها ، واعلم انّ هذه الوصيّة وان جاءت مرسلة في التحف ، لكن نقلت مسندة عن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) فيما جاء منها في المحاسن .
فقد رواها أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن حمّاد بن عمرو النصيبي ، عن السري ابن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن آبائه ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
(3) بل أفاد المحقّق =
1 ـ روضات الجنّات : ج2 ، ص289 ، ط اسماعيليان قم .
2 ـ الكنى والألقاب : ج1 ، ص318 ، والذريعة : ج3 ، ص400 .
3 ـ المحاسن : ص13 ، باب10 ، ح47 .
223
ياعلي : إنَّ من اليقينِ (4) أن لا تُرضي أحداً بسَخَطِ اللّه ،
= الغفاري في الهامش : أنّ جميع ما روى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الكتاب كانت موجودة في كتب الفريقين ، رووها بأسانيدهم المعنعنة عن مشيخة العلم والحديث ، ولذلك لم نتعرّض لتخريجها من كتب الأصحاب .
هذا مع ما أفاده شيخ الإسلام المجلسي في مقدّمة البحار من أنّ أكثر هذا الكتاب في المواعظ والاُصول المعلومة التي لا نحتاج فيها إلى سند
(1).
(4) اليقين في اللغة هو العلم وزوال الشكّ
(2).
وفي بيان العلماء كالمحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف ، اليقين هو الإعتقاد الجازم المطابق الثابت الذي لا يمكن زواله .
وله مراتب ثلاثة : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحقّ اليقين .
والفرق بينها ينكشف بمثال اليقين بالنار .
فانّ علم اليقين بالنار هو مشاهدة نورها أو دخانها ، وعين اليقين بها هو مشاهدة جرمها، وحقّ اليقين بها هو الإحتراق فيها
(3).
وقد جاء في الأحاديث الشريفة بيان فضله وحدّه وعلامته ، وأنّ حدّ اليقين هو أن لا يخاف مع الله أحداً ، بل يعرف أنّ الله هو مدبّر أمره وأنّه هو الضارّ النافع كما تلاحظ ذلك في بابه
(4).
وفي الحديث الثاني من هذا الباب ورد مضمون هذه الوصيّة الشريفة .
1 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص29 .
2 ـ مجمع البحرين : ص574 .
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص142 ـ 143 .
4 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص57 .
224
ولا تَحمِد أحداً بما آتاكَ اللّه ، ولا تَذُمَّ أحداً على ما لم يُؤتِكَ اللّه (5) ، فإنّ الرزقَ لا يجرُّه حِرصُ حريص ولا تصرفُه كراهةُ كارِه (6) ، انّ اللّهَ بحكُمه وَفضله جعل الرَّوْحَ (7) والفَرَحَ في اليقينِ والرضا (8) ، وجعلَ الهَمَّ والحُزنَ في الشكِّ والسَخَط (9) .
(5) فعلامة وجود اليقين بالله هو العلم بأنّ الله تعالى مالك ضرّه ونفعه ، ومقسّم رزقه على طبق مصلحته ، وأنّه يوصله إليه ويرزقه كيف يشاء .
ولازم هذا الإعتقاد أن لا يُرضي الناس بسخط الله ولا يوافقهم في معصية الله طلباً للرزق ، ولا يحمدهم تزلّفاً لرزق ساقه الله إليه ، ولا يذُمَّهم على ترك صلتهم ما دام كون الرزق من الله تعالى .
(6) أي الرزق المقدّر المقسوم فإنّه لا يحتاج في وصوله للإنسان إلى حرص ، كما لا يمنع عن وصوله كراهة كاره أو حاسد .
فانّ العبد لو كان في جُحر مخبّأ لأتاه رزقه ، ولم تخطئه قسمته .
نعم لله تعالى الفضل والجود والكرم ، فيسأل الله تعالى الزيادة من فضله والمزيد من رزقه .
(7) الرَّوح ـ بفتح الراء ـ : هي الراحة والإستراحة والرحمة ، وسكون القلب .
(8) فإذا حصل في قلبه اليقين كانت ثمرته الرضا والراحة .
(9) فإذا لم يُحرز اليقين بل كان في شكّ وعدم إطمئنان النفس ، وفي سخط وعدم رضا القلب كانت ثمرتهما الهمّ والإهتمام وإضطراب النفس في تحصيل الرزق ، والحزن والجزع عند فواته .
وفي الحديث العلوي الشريف : « لا يجد أحد طعم الإيمان حتّى يعلم أنّ ما =
225
ياعلي : إنّه لا فَقر أشدُّ من الجَهل (10) ، ولا مالَ أعودُ من العَقل ، ولا وحدةَ أوحشُ من العُجب (11) ، ولا مُظاهرةَ أحسنُ من المُشاوَرة (12) ، ولا عقلَ كالتدبير ، ولا حَسَب كحُسنِ الخُلُق (13) ، ولا عبادةَ كالتفكّر (14) .
= أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه »
(1).
(10) وردت هذه الفقرة في وصيّة الفقيه المتقدّمة الكبيرة فلاحظها مع بيانها .
(11) أي إعجاب المرء بنفسه ، فانّه يدعو إلى أن يرى الإنسان نفسه فوق الآخرين ومتفرّداً عن الباقين ، فيحسّ بالوحدة والوحشة .
قال المحدّث القمّي : (العُجب إستعظام العمل الصالح وإستكثاره والإبتهاج له والإدلال به ، وأن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير . وامّا السرور به مع التواضع له تعالى والشكر له على التوفيق لذلك فهو حسن ممدوح)
(2).
(12) في المحاسن : « ولا مظاهرة أوثق من المشاورة » .
(13) في المحاسن جاء قبله : « ولا ورع كالكفّ » .
(14) أي التفكّر في آيات الله ونعمه وآلاءه ، وقد جعل الله تعالى التفكّر من أوصاف اُولي الألباب من قوله عزّ اسمه :
( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا )(3) وقد جاء مدحه في أحاديثنا الكريمة التي عقد لها باب مستقل .
منها حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( التفكّر يدعو إلى البرّ والعمل به ) . =
1 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص57 ، ح4 .
2 ـ سفينة البحار : ج6 ، ص152 .
3 ـ سورة آل عمران : الآية 191 .
226
ياعلي : آفةُ الحديثِ الكذب (15) ، وآفةُ العلِم النسيان ، وآفةُ العبادِة الفَتْرَة ، وآفةُ السّماحةِ المَنّ (16) ، وآفةُ الشّجاعةِ البَغي (17) ، وآفةُ الجمالِ الخُيَلاء ،
= ومنها حديثه فيما أوصى به الإمام الحسن (عليه السلام) : ( لا عبادة كالتفكّر في صنعة الله عزّوجلّ ) .
ومنها ما رواه الصيقل قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : تفكّر ساعة خير من قيام ليلة ؟
قال : نعم ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : تفكّر ساعة خير من قيام ليلة .
قلت : كيف يتفكّر ؟
قال : يمرّ بالدور الخربة فيقول : أين بانوكِ ؟ أين ساكنوكِ ؟ ما لكِ لا تتكلّمين
(1)؟
(15) أغلب هذه الفقرة أيضاً ورد في وصيّة الفقيه المتقدّمة فراجع .
(16) السماحة هو الجود والبذل في العسر واليسر
(2).
وآفته المنّ بأن يمنّ على من جاد عليه . ويقول له مثلا : ألم أعطك ؟ ألم اُحسن إليك ؟ وزاد بعده في المحاسن : « وآفة الظرف الصلف » أي أنّ آفة الظرافة في الكلام هي الصلافة والعنف .
(17) الشجاعة هي شدّة القلب عند البأس ، وآفتها البغي أي الفساد والظلم فإنّ مكرمة الشجاعة ينبغي أن تكون مع العدل والإنصاف ، كما كانت في الأولياء المتّقين الهداة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين .
1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص314 ، ب80 ، الأحاديث 5 و11 و16 .
2 ـ سفينة البحار : ج4 ، ص268 .
227
وآفةُ الحَسَبِ الفَخر (18) .
ياعلي : عليك بالصِّدقِ (19) ولا تَخْرج من فيكَ كِذبةٌ أَبداً ، ولا تجترأَنَّ على خيانة أبَداً (20) ،
(18) الحسب هي الشرافة بالآباء ، وآفته هي المفاخرة والمباهاة بها .
وزاد هنا في المحاسن قوله :
« ياعلي : إنّك لا تزال بخير ما حفظت وصيّتي ، أنت مع الحقّ والحق معك » .
(19) الصدق في الكلام هو مطابقته للواقع ، والصدق في الوعد هو الوفاء به .
والصادق حقّاً هو من يصدق في دين الله نيّةً وقولا وعملا
(1).
وقد عقد ثقة الإسلام الكليني باباً في الحثّ على الصدق وأداء الأمانة ، وذكر أحاديث أنّ الله عزّوجلّ لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر ، وأنّ من صَدَقَ لسانه زكى عمله ، وأنّ علياً (عليه السلام) إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصدق الحديث وأداء الأمانة فلاحظ
(2).
(20) الخيانة هي مخالفة الحقّ بنقض العهد في السرّ ، وهي نقيض الأمانة
(3).
فكلّ ما كان نقضاً للعهد سرّاً فهي خيانة سواء أكان في الدين أم في المال أم في الأهل أم في غيرها .
وقد عقد العلاّمة المجلسي في ذمّها باباً من الأحاديث منها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « من خان أمانةً في الدنيا ، ولم يردّها إلى أهلها ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي ، ويلقى الله وهو عليه غضبان » و « الأمانة تجلب الغنا ، والخيانة تجلب الفقر » =
1 ـ مجمع البحرين : ص437 .
2 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص104 .
3 ـ مجمع البحرين : ص556 .
228
والخوفِ من اللّهِ كأنّكَ تراه (21) ، وابذِلْ مالَكَ ونفسَك دونَ دينِك (22) ، وعليكَ بمحاسنِ الأخلاقِ فاركبْها (23) ، وعليكَ بمساوىءِ الأخلاقِ فاجتنْبها .
ياعلي : أحبُّ العملِ إلى اللّهِ ثلاثُ خصال : من أتى اللّهَ بما افتَرضَ عليه فهو من أعبدِ الناس ، ومن وَرِعَ عن محارِم اللّهِ فهو من أورعِ الناس ،
= و « ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله »
(1).
(21) ومبدأ الخوف من الله تعالى هو معرفة عظمة الخالق ووعيده ، وتصوّر أهوال البرزخ والقيامة ، وإدراك قهره وعقابه .
فيلزم الخوف من الله تعالى خوف من يشاهده بعينه ، وإن كانت هذه الرؤية مستحيلة ، إلاّ أنّ رؤية الله تكون بالقلوب ولم تره العيون بمشاهدة الأبصار بل رأته القلوب بحقائق الإيمان وفي حديث إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : « ياإسحاق خف الله كأنّك تراه ، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك ، وإنْ كنتَ ترى أنّه لا يراك فقد كفرت ، وإنْ كنتَ تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية فقد جَعلْتَهُ من أهون الناظرين عليك »
(2).
(22) فإنّ بقاء الدين يُفدّى بالنفس والنفيس والمال والمنال ، فيُبذل المال والنفس في سبيل الدين .
(23) يقال : رَكبَ الأمر أي فعله ـ وهذا أمر بإتيان المحاسن الأخلاقية ـ وما بعده أمرٌ باجتناب المساويء الأخلاقية .
1 ـ بحار الأنوار : ج75 ، ص170 ، باب 58 ، الأحاديث .
2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص355 ، باب 59 ، ح2 .