202
والجهادِ في سبيلِ اللّهِ ، فما أنتَ قائلٌ ياعلي (29) ؟
فقال علي (عليه السلام) : بأبي أنت واُمّي أرجو بكرامةِ اللّه لكَ ومنزلتِه عندَك ونعمتِه عليك ، أن يعينَني ربّي ويثبّتَني ، فلا ألقاكَ بين يَدَي اللّهِ مُقصِّراً ولا مُتوانياً ولا مُفرّطاً ولا أمعِزُ وجَهك (30) ، وقاهُ وجهي ووجوهُ آبائي واُمّهاتي بل تجدُني بأبي أنت وأُمّي مستمرّاً (31) متّبِعاً لوصيتِك ومنهاجِك وطريقِك ما دمتُ حيّاً حتّى أقدمُ بها عليكَ ، ثمّ الأوّلُ فالأوّلُ من وُلدي ، لا مُقصّرِينَ ولا مُفرّطين .
قال علي (عليه السلام) : ثمّ انكببتُ على وجهِه وعلى صدرِه (32) وأنا أقول : وا وحشتاه بعدَك بأبي أنتَ وأُمّي ، ووحشةِ ابنتِك وبَنيك (33) بل وأطْوَلَ غمّي بعدَك ياأخي (34) انقَطَعَتْ من منزلي أخبارُ السماء ، وفقدتُ بعدَك جبرئيل وميكائيل ، فلا أحسُّ أثَراً ولا أسمعُ حسّاً ،
(29) في الخصائص : فما أنت صانع ياعلي ؟
(30) يقال : تمعَّز وجهه أي تقبّض ، وفي الخصائص : ولا اصفّر وجهك .
(31) في المصدر : مشمّراً ، أي متهيّئاً وماضياً فيها .
(32) في الخصائص : ثمّ أغمى صلّى الله عليه فانكببت على صدره ووجهه . واعلم انّه كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يُغمى عليه كما يأتي التصريح به ثمّ يفيق ، من أثر السمّ الذي هما سمّتاه كما تلاحظه في حديث البحار : ج28 ، ص20 ، ب1 ، ح28 .
(33) في الخصائص : وإبنيك .
(34) تعبيره (عليه السلام) ومخاطبته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاُخوّة يشعر بغاية التلهّف في ساعات الوداع .
203
فأغمى عليه طويلا ثمّ أفاقَ (صلى الله عليه وآله وسلم) . قال أبو الحسن (عليه السلام) : فقلتُ لأبي : فما كان بعد إفاقتِه ؟ قال : دَخَل عليه النساءُ يبكين وإرتفعَت الأصواتُ وضَجَّ الناسُ بالبابِ من المهاجرينَ والأنصار .
فبينا هم كذلك إذ نُودي : أينَ عليٌّ ؟ فأقبلَ حتّى دَخَل عليه .
قال علي (عليه السلام) : فانكببتُ عليه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
ياأخي : إفهَمْ فَهّمَكَ اللّهُ وسدَّدكَ وأرشدَكَ ووفّقكَ وأعانكَ وغفر ذنَبك ورفعَ ذِكركَ ، إعلم ياأخي إنّ القومَ سيُشغلهُم عنّي ما يُشغلُهم (35) ، فإنّما مَثَلُكَ في الاُمّة مَثَلُ الكعبةِ نَصَبها اللّهُ للناسِ عَلَماً ، وإنّما تُؤتى من كلِّ فجّ عميق ونأي سحيق ولا تَأتي .
وإنّما أنتَ عَلَمُ الهُدى ، ونورُ الدين وهو نورُ اللّهِ ياأخي .
والذي بعثني بالحقِّ لقد قدّمتُ إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتُهم رجلا رجلا ما افترضَ اللّهُ عليهم من حقِّك وألزَمَهُم من طاعتِك ، وكلٌّ أجابَ وسلّمَ إليكَ الأمر (36) وإنّي لأعلمُ خلافَ قولهم .
فإذا قُبضتُ ، وفرغتَ من جميع ما أُوصيك به (37) وغيّبتَني في قبري، فالزم بيتَك واجمعِ القرآنَ على تأليفِه ، والفرائضَ والأحكامَ على تنزيلِه ، ثمّ امضِ على غير لائمة
(35) في الخصائص : سيشغلهم عنّي ما يريدون من عرض الدنيا وهم عليَّ واردون فلا يشغلك عنّي ما شغلهم .
(36) في الأصل : فكلٌ أجاب إليك وسلّم الأمر لك وإنّي لأعرف خلاف قولهم .
(37) في الخصائص : ما وصيّتك به .
204
على ما أمرتُك به (38) . وعليك بالصَّبرِ على ما ينزلُ بك وبها حتّى تَقْدِموا عليَّ (39) (40) .
د ) وفي هذه الوصايا أيضاً :
« ... أما واللّهِ ياعلي ليَرجِعَنّ أكثرُ هؤلاء كفّاراً يضربُ بعضُهم رقابَ بعض ، وما بينك وبين أن ترى ذلك إلاّ أن يغيبَ عنك شخصي » (41) .
هـ ) ... ياعلي : من شاقَّكَ من نسائي وأصحابي فقد عصاني (42) ،
ومن عصاني فقد عصى اللّهَ ، وأنا منهم بريء فاَبرأْ منهم .
فقال علي (عليه السلام) : نعم قد فعلت (43) . فقال : اللّهمّ إشهد .
ياعلي : إنّ القوم يأتمرونَ بعدي ، يظلمونَ ويبيّتون على ذلك ، ومن بيَّتَ على ذلك (44) فأنا منهم بريء ، وفيهم نزلت : ( بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ...
(38) في الخصائص : ثمّ أمض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به .
(39) في الخصائص : وعليك بالصبر على ما ينزل بك حتّى تقدم عليّ .
(40) الطرف : ص25 ـ 27 . وبحار الأنوار : ج22 ، ص482، ب1 ، ح30 .
(41) بحار الأنوار : ج22 ، ص487 ، ب1 ، ح32 .
(42) «شاقّوا الله ورسوله » أي حاربوه وخانوا دينه وطاعته . (مجمع البحرين : ص436) .
(43) في المصدر : فقال علي : فقلت : نعم .
(44) يقال : بيّت فلان أمره : أي فكّر فيه ليلا وقدّره .
205
وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ ) (45) (46) .
و ) ... ياعلي : إصبِر على ظُلمِ الظالمين ، فإنّ الكفر (47) يقبلُ ، والردّةُ، والنفاقُ مع الأوّلِ منهم ، ثمّ الثاني وهو شرٌّ منه وأظلم ، ثمّ الثالث ، ثمّ يجتمع لكَ شيعةٌ تقاتل بهم الناكثينَ والقاسطينَ والمتّبعينَ المضلّين ، واقْنُتْ عليهم (48) هم الأحزابُ وشيعتُهم .
ياعلي : إنّ فلانةَ وفلانةَ ستشاقّانَك (49) وتُبغضانَك (50) بَعدي ، وتخرجُ فلانةُ عليكَ في عساكرِ ] عسكر [ الحديد ، وتخلّف (51)
الاُخرى تجمعُ إليها الجموع ، هما في الأمر سَواء ، فما أنتَ صانعٌ ياعلي ؟ قال : يارسولَ اللّه إن فَعَلَتا ذلك تلوتُ عليهما كتابَ اللّهِ وهو الحجّةُ فيما بيني وبينهما ، فإن قَبِلَتا وإلاّ خبّرتُهما (52) بالسُنّةِ وما يجب عليهما من طاعتي وحقّي المفروض عليهما ،
(45) سورة النساء : الآية 81 .
(46) الطرف / ص34 ـ 35 . وبحار الأنوار : ج22 ، ص488 ، ب1 ، ح32 .
(47) في المصدر : إصبر على ظلم المضلّين ما لم تجد أعواناً فالكفر يقبل ..
(48) أي أدع عليهم في قنوتك .
(49) أي تخالفانك وتعاديانك .
(50) في المصدر : وتعصيانك .
(51) في المصدر : وتتخلّف ، أي إنّ الأُولى تخرج مع العسكر ، والاُخرى تبقى لتموّنها بالجمع والعدد .
(52) في المصدر : وإلاّ أخبرتهما .
206
فإن قَبِلَتاه وإلاّ أشهدتُ اللّهَ وأشهدتُك عليهما ، ورأيتُ قتالَهما على ضلالتِهما ، قال : وتعقرُ الجملَ وإنْ وَقَعَ في النار ؟قلتُ : نعم (53) .
قال : اللّهمّ اشهَد ، ثمّ قال :
ياعلي : إذا فَعَلَتا ما شهد عليهما القرآنُ فأبِنْهُما منّي (54) . فإنّهما بائنتان ، وأَبواهُما شريكان لهُما فيما عَمِلَتا وَفَعَلَتا (55) .
ز ) ... قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : كان في الوصيّةِ أنْ يُدفع إليّ الحَنُوط (56) ، فدعاني رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلَ وفاتِه بقليل فقال :
ياعلي ويافاطمة : هذا حَنُوطي من الجنّةِ دَفعَهُ إليَّ جبرئيل ، وهو يقرؤُكما السَلام ويقولُ لكما : أقسِماه واعزلا منه لي ولكما قالت ( فاطمة (عليها السلام) ) : لك ثُلثُه ، وليكن الناظَر في الباقي عليُ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فبكى رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وضمّها إليه وقال : موفّقةٌ رشيدةٌ مهديّةٌ مُلهمَة .
ياعلي : قل في الباقي .
قال : نصفُ ما بقي لها ، ونصفٌ لمن ترى يارسول اللّه .
(53) في المصدر : قال : وعقر الجمل ؟ قال : قلت : وعقر الجمل ، قال : وإن وقع ؟ قلت : وإن وقع في النار ، وإستطراد الوقوع في النار ، إشارة إلى انّه لا تكتفِ في منع الجمل عن الحركة بشيء غير العقر حتّى إذا أصابته النار وكان في معرض الهلاك .
(54) المباينة : المفارقة ، والبائن من الطلاق ما لا رجعة فيه ، أي طلّقهما .
(55) الطرف : ص36 ، وعنه البحار : ج22 ، ص488 ، ب1 ، ح33 .
(56) الحنوط ـ بفتح الحاء ـ : هو الطيب الذي يوضع للميّت خاصّة .
207
قال : هو لك فاقبضه (57) .
ح ) وجاء في حديث الوصيّة أيضاً :
... ياعلي : أَضَمِنْتَ دَيْني تقضيهِ عنّي ؟
قال (عليه السلام) : نعم .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللّهمّ فاشهَدْ ثمّ قال : ياعلي : تغسّلني (58) ولا يغسِّلني غيُرك فيعمى بصرُه .
قال علي (عليه السلام) : ولِمَ يارسولَ اللّه ؟
قال : كذلك قال جبرئيل (عليه السلام) عن ربّي : أنّه لا يَرى عورتي غيرُك إلاّ عَمِيَ بصرُه .
قال علي : فكيف أقوى عليكَ وحدي ؟
قال : يعينُك جبرئيلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ وملكُ الموت وإسماعيلُ صاحبُ السماءِ الدنيا (59) .
(57) الطرف : ص41 ـ 42 ، وعنه البحار : ج22 ، ص492 ، ب1 ، ح37 ، ووردت في مصباح الأنوار : ص270 ، والمستدرك : ج2 ، ص197 ، ب30 ، ح5 ، المسلسل 179 .
(58) في المصدر : غَسّلني .
(59) وورد هذا المضمون في مصباح الأنوار
(1) مع زيادة : فقال جبرئيل : يامحمّد قل لعلي : إنّ ربّك يأمرك أن تغسل ابن عمّك ، فإنّها السنّة أن لا يغسل الأنبياء إلاّ أوصياؤهم ، وإنّما يغسل كلّ نبي وصيّه من بعده وهي من حجج الله عزّوجلّ =
1 ـ مصباح الأنوار : ص270 .
208
قلت : فمن يناولُني الماء ؟
قال : الفضلُ بن العبّاس من غيرِ أن ينظُرَ إلى شيء منّي ...
فإذا فرغتَ من غُسلي فضَعْني على لَوح ، وأفرِغْ عَلَيَّ مِن بئري ـ بئرِ غرس ـ أربعينَ دلواً مفتّحةَ الأفواه (60) .
ثمّ ضَعْ يدَك ياعلي على صدري ... تُفَهَّم ما كان وما هو كائن إن شاء اللّهُ تعالى .
ط ) وفي حديث شيخ القمّيين محمّد بن الحسن الصفّار (61) ، جاء قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)لعلي (عليه السلام) :
فإذا فرغتَ من غُسلي فأدرِجني في أكفاني ثمّ ضَع فاكَ على فمي ، قال : ففعلتُ وأنبأني بما هو كائنٌ إلى يومِ القيامة .
ى ) وجاء بعد هذا في حديث البحار :
= لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) على اُمّته من بعده فيما قد اجتمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم الله تعالى به .
وأعلم أنّه ورد ذكر هذا الملك الموكّل بالسماء الدنيا في حديث المعراج في البحار: ج18 ، ص321 ، وجاء في حديث أبي حمزة ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال :
« إنّ في الهواء ملكاً يقال له : إسماعيل ، على ثلاثة ألف ملك ، كلّ واحد منهم على مائة ألف ، يحصون أعمال العباد ، فإذا كان رأس السنة بعث الله إليهم ملكاً يقال له : السجلّ فانتسخ ذلك منهم ، وهو قول الله تبارك وتعالى
( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) سورة الأنبياء : الآية 104 . ( بحار الأنوار : ج5 ، ص322 ، ب17 ، ح8 ) .
(60) في الحديث : « أو أربعين قربة » ترديداً من الراوي .
(61) في كتابه بصائر الدرجات : ص284 ، ب6 ، ح10 .
209
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ياعلي ما أنتَ صانعٌ لو قد تأَمَّرَ القومُ عليك بَعدي ، وتقدّموا عليكَ وبَعَثَ إليك طاغيتُهم يدعوكَ إلى البيعةِ ، ثمّ لُبِّبْتَ بثوبِك تُقادُ كما يُقادُ الشاردُ من الإبل مذموماً مخذولا محزوناً مهمُوماً ، وبَعدَ ذلك ينزل بهذه ـ أي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ـ الذُّل ؟
قال : فلمّا سَمِعَتْ فاطمةُ ما قال رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صَرَخَتْ وبكت ، فبكى رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لبكائِها وقال : يابُنيّة لا تبكين ولا تُؤذِين جلساءَك من الملائكة ، هذا جبرئيلُ بكى لبكائِك ، وميكائيلُ ، وصاحبُ سرِّ اللّه إسرافيل ، يابُنيّة لا تبكين فقد بَكَت السماواتُ والأرضُ لبكائِك.
فقال علي (عليه السلام) : يارسولَ اللّه أَنقادُ للقومِ وأصبِرُ على ما أصابني من غير بَيعة لهم ، ما لم أُصِبْ أعواناً لم أُناجز القوم .
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللّهمّ اشهَد ، فقال : ياعلي : ما أنتَ صانعٌ بالقرآن والعزائِم (62) والفرائض ؟
فقال : يارسولَ اللّه أجمعُهُ ، ثمّ آتيهم به ، فإنْ قَبِلُوه وإلاّ أشهدتُ اللّهَ عزّوجلّ وأشهدتُك عليه .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أَشهد .
ك ) وكان فيما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يُدفَن في بيته الذي قُبض فيه ، ويُكفّن بثلاثة أثواب : أحدها : يمان ، ولا يدخل قبره غير علي (عليه السلام) .
ثمّ قال : ياعلي : كُنْ أنتَ وابنتي فاطمةُ ...
(62) قال الشيخ الطريحي : عزائم الله : موجباته والأمر المقطوع عليه الذي لا ريب فيه ولا شبهة ولا تأويل فيه ولا نسخ ( مجمع البحرين : ص526 ) الطرف ص42 ـ 47 والبحار ج22 ص492 ب1 ح38 .
210
والحسنُ والحسينُ وكبِّروا خمساً وسبعينَ تكبيرة . وكَبِّرْ خمساً وانصرف، وذلك بعدَ أن يُؤذنَ لكَ في الصلاة .
قال علي (عليه السلام) : بأبي أنت واُمّي من يأذنُ غداً ؟
قال : جبرئيلُ (عليه السلام) يُؤْ ذِنُك (63) .
قال : ثمّ مَن جاء من أهلِ بيتي يُصلّون عليَّ فوجاً فوجاً، ثمّ نساؤُهم ، ثمّ الناسُ بعد ذلك (64) .
ل ) ... ثمّ دَعا (65) عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ (عليهم السلام) وقال لمن في بيته : اُخرجُوا عنّي ، وقال لاُمِّ سَلَمة : كوني على البابِ (66) فلا يقربْهُ أحد ، فَفَعَلَت .
ثمّ قال : ياعلي : أُدْنُ منّي ، فدَنا منه ، فأخذ بيدِ فاطمة فوضَعها على صدرِه طويلا ، وأخذ بيَدِ عليّ بيده الأُخرى ،
(63) في المصدر : ومن يأذن لي بها ؟ قال : جبرئيل ، قال : ثمّ من جاءك يؤذنك .
(64) كما في الطرف : ص42 ـ 45 ، وعنه في البحار : ج22 ، ص492 ، ب1 ، ح38 . وفي حديث ابن عبّاس هنا في البحار : ج22 ، ص507 ، ب2 ، ح9 : فأوّل من يصلّي عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل وميكائيل واسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلاّ الله جلّ وعزّ ، ثمّ الحافّون بالعرش ، ثمّ سكّان أهل سماء فسماء ، ثمّ جُلّ أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون .
(65) في المصدر : لمّا كان اليوم الذي ثقل فيه وجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفّ عليه الموت دعا ... الخ .
(66) في المصدر : تكوني ممّن على الباب .
211
فلمّا أراد رسولُ اللّه الكلامَ غلَبتُه عبرتُه ، فلم يقدر على الكلام فبكَت فاطمةُ بكاءً شديداً وعليٌ والحسنُ والحسينُ (عليهم السلام) لبكاءِ رسولِ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقالت فاطمةُ : يارسولَ اللّه قد قَطَّعْتَ قلبي ، وأحرقْتَ كبدي لبكائِك ياسيّدَ النبيّينَ من الأوّلينَ والآخرين ، وياأمينَ ربِّه ورسولَه ، وياحبيبَه ونبيَّه ، مَن لولدي بعدَك ، ولذُلّ ينزلُ بي بعدَك (67) ؟ مَن لعليّ أخيك وناصرِ الدين ؟ مَن لوحيِ اللّهِ وأمرِه ؟ ثمّ بكت وأكبَّت على وجهِه فقبّلتْهُ ، وأكبَّ عليه عليٌ والحسنُ والحسينُ صلواتُ اللّه عليهم ، فرفع رأسه (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم ويدُها في يده فوضعها في يدِ علي وقال له :
ياأبا الحسن هذه وديعةُ اللّه ، ووديعةُ رسولِه محمّد عندَك ، فاحفَظ اللَّهَ واحفظني فيها ، وإنّك لفاعلُه (68) .
ياعلي : هذه واللّهِ سيّدةُ نساءِ أهلِ الجنّةِ من الأوّلينَ والآخرين ، هذه واللّهِ مريمُ الكُبرى (69) ، أما واللّهِ ما بَلَغَتْ نفسي هذا الموضع حتّى سألتُ اللّهَ لها ولكم فأعطاني ما سألتُه .
ياعلي : أَنْفِذْ لما أَمرَتْك به فاطمةُ ، فقد أمرتُها بأشياء أَمَرَ بها جبرئيلُ (عليه السلام) .
واعلم ياعلي : إنّي راض عمّن رَضِيَتْ عنه ابنتي فاطمة ،
(67) في المصدر : ولذلّ أهل بيتك .
(68) في المصدر : وإنّك لفاعل هذا .
(69) فانّ مريم سيّدة نساء عالمها فقط وفاطمة سيّدة نساء العالمين جميعاً .
212
وكذلك ربّي وملائكتُه (70) .
ياعلي : ويلٌ لمَن ظلَمَها ، وويلٌ لمن ابتزَّها (71) حقَّها ، وويلٌ لمن هَتَكَ حُرمتَها ، وويلٌ لمن أحرقَ بابَها ، وويلٌ لمن آذى خليلَها (72) ، وويلٌ لمن شاقَّها (73) وبارَزَها ، اللّهمّ إنّي منهم بريء ، وهم منّي بُراء ثمّ سمّاهم رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وضَمَّ فاطمةَ إليه وعليّاً والحسنَ والحسينَ (عليهم السلام) وقال : اللّهمّ إنّي لهم ولمن شايعهُم سِلْم ، وزعيمٌ (74) بأنَّهم يدخلون الجنَّة ، وعدوٌ وحربٌ لمن عاداهُم وظَلَمهم وتقدَّمهم أو تأخَّر عنهم وعن شيعتِهم ، زعيمٌ بأنّهم يُدخلون النار ثمّ واللّهِ يافاطمة لا أرضى حتّى تَرْضَي ، ثمّ لا واللّهِ لا أرضى حتّى ترضَى ، ثمّ واللّهِ لا أرضى حتّى ترضَى (75) .
م ) ... أما واللّهِ لينتقمَنّ اللّهُ ربّي وليغضبَنَّ لغضبِكِ ، فالويلُ ثمّ الويلُ ثمّ الويلُ للظالمين ، ثمّ بكى رسولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) .
(70) أي إنّ ربّي جلّ جلاله وملائكته راضون عمّن رضيت عنه فاطمة سلام الله عليها .
(71) أي سلب حقّها بجفاء وقهر .
(72) في المصدر : حليلها . وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
(73) أي خالفها وعاداها .
(74) الزعيم : الضمين والكفيل ، ومنه قوله (عليه السلام) : أنا بنجاتكم زعيم أي ضامن بنجاتكم كما في المجمع : ص519 .
(75) الطرف : ص29 ، وعنه البحار : ج22 ، ص484 ، ب1 ، ح31 .
213
قال عليٌ (عليه السلام) : فواللّهِ لقد حَسِبتُ (76) بضعةٌ منّي قد ذَهَبت لبكائِه حتّى هَمَلت عيناه مثلَ المطر ، حتّى بَلَّتْ دموعُه لحيتَه ومُلاءةً (77) كانت عليه وهو يلتزم فاطمةَ لا يفارقُها ورأسُه على صدري وأنا مُسندُه ، والحسنُ والحسينُ يقبّلان قدميه ويبكيان بأعلا أصواتِهما (78) .
ن ) وفي الحديث التاسع عشر من الباب المتقدّم من البحار في وصيّته (صلى الله عليه وآله وسلم) قرب وفاته :
... فدعى أميرَ المؤمنين (عليه السلام) فلمّا دَنا منه أومأ إليه ، فأكبَّ عليه فناجاهُ رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) طويلا ... فقالَ له الناس : ما الّذي أوعَزَ إليكَ ياأبا الحسن ؟ فقال : عَلَّمَني ألفَ باب من العِلم ، فَتَحَ لي كلُّ باب ألفَ باب ، وأوصاني بما أنا قائمٌ به ان شاءَ اللّه تعالى .
ثمّ ثَقُلَ وحضَرُه الموتُ ، وأميرُ المؤمنين (عليه السلام) حاضرٌ عندَه ، فلمّا قَرُبَ خروجُ نفسِهِ قال له : ضَعْ ياعلي رأسي في حِجْرِك ، فقد جاء أمرُ اللّهِ تعالى ، فاذا فاضَت نَفْسي فتناوَلْها بيدِك ، وامسحْ بها وجَهك ، ثمّ وجِّهني إلى القبلةِ ، وَتَولّ أمري ، وصَلِّ عليَّ أوَّلَ الناس ، ولا تفارقْني حتّى تواريني في رَمْسي ، واستعِنْ باللّهِ تعالى ، فأخَذَ عليٌ (عليه السلام) رأسَهُ فَوضَعَه في حِجْرهِ ، فاُغمى عليه ، فأكبَّتْ فاطمةُ (عليها السلام) تنظُرُ في وجِهِه وتندبُهُ وتبكي ...
(76) في المصدر : لقد حسست .
(77) الملاءة هو الثوب اللين الرقيق .
(78) كما في الطرف : ص381 ، وعنه البحار : ج22 ، ص491 ، ب1 ، ح36 .
214
ثمّ قُبِضَ (صلى الله عليه وآله وسلم)ويدُ أميرِ المؤمنين اليمنى تحتَ حَنَكِهِ ففاضَتْ نفسُه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها ، فَرَفعها إلى وجِهِه فمَسَحهُ بها ...
هذا مختار من الحديث وهو ذو شجون وحزن مكنون فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
215
4
وممّا أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما حضرته الشهادة أنّه أوصى له بجميع مختصّاته ، وأوصاه بلبس خاتمه ، وقبض مختصّاته ، حتّى لا ينازعه فيها أحد من بعده .
ففي علل الشرائع قال : حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا سهل بن زياد الآدمي ، قال : حدّثنا محمّد بن الوليد الصيرفي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جدّه (عليهم السلام) قال : لمّا حضَرَت رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاةُ دعا العبّاسَ بن عبدِالمطّلب وأميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال للعبّاسِ : ياعمَّ محمَّد ، تأخذُ تُراثَ محمّد وتقضي دينَه وتُنجزُ عداتِه (1) ؟
فردَّ عليه وقال : يارسولَ اللّهِ أنا شيخٌ كبير كثيرُ العيال ، قليلُ المال ، من يطيقُك وأنت تباري الريح (2) .
(1) في هامش الكافي عن الفيض الكاشاني أنّه قال : لعلّ إلقاء هذا القول على عمّه أوّلا ثمّ تكريره (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك إنّما هو لإتمام الحجّة عليه ، وليظهر للناس أنّه ليس أحد مثل ابن عمّه في أهليّة الوصيّة .
(2) المباراة هي المسابقة ، وتباري الريح بمعنى تسابق الريح . كناية عن علوّ الهمّة والسخاء ، يقال : فلان يباري الريح سماحةً أي يسابقه فيها ، والريح مشهورة =