ومنه حكم الضرورة في حسن مدح المحسن وقبح ذمّه، وحسن ذمّ المسيء و قبح مدحه; فإنّ كلّ عاقل يحكم بحسن مدح من يفعل الطاعات ويبالغ في الاحسان وقبح ذمّه، كما أنـّهم يحكمون بقبح مدح المسيء الظالم الجائر الغاصب القاتل الممتنع من الخير، ومن مدحه على ذلك يعدّ سفيهاً ويكون ملوماً، ويعلم بالضرورة قبح المدح والذمّ على كونه طويلاً أو قصيراً أو ذكراً أو اُنثى أو خنثى، فيعلم بالضرورة جريان المدح والذمّ في الأفعال الاختياريّة دون غيرها.
قال الصّادق(عليه السلام): ما استطعت أن تلوم العبد عليه، فهو منه; وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه، فهو من فعل الله تعالى; يقول الله تعالى للعبد: لِمَ عصيت؟ لِمَ فسقت؟ لِمَ شربت الخمر؟ لِمَ زنيت؟ فهذا فعل العبد، ولا يقول: لِمَ مرضت؟ لِمَ قصرت؟ ـ إلى أن قال: ـ لأنـّه من فعل الله تعالى ـ الخ.
قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): كلّما استغفرت الله منه، فهو منك; وكلّما حمدت الله عليه، فهو منه ـ الخ.
وأيضاً لو كان الأفعال فعل الله تعالى، لكان التكليف بفعل الطاعات واجتناب السيّئات قبيحاً; لأنـّا غير قادرين على ذلك، فإن خلق فينا فعل الطاعة كان واجب الحصول، وإن لم يخلقه كان ممتنع الحصول. ولو لم يكن العبد قادراً على الفعل والترك كانت أفعاله جارية مجرى حركة الجمادات، فكما أنـّه لا يصحّ تكليف الجمادات كذلك لا يصحّ التكليف، وهذا واضح البطلان.
وأيضاً يلزم مخالفة الكتاب العزيز ونصوصه والآيات الكثيرة الدالّة على استناد الأفعال إلينا، كقوله تعالى حكاية عن آدم: (رَبّنا ظَلَمْنا أنفسنا)وقوله: (وَ ما ظَلَموُنا وَلكِنْ كانوا أنفسهم يظلمون) و (يُريدُونَ أَنْ يُطْفئوُا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره) و(فَوَيْلٌ للّذين كفروا) و (وَيْلٌ للّذين يَكْتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا مِنْ عند الله) و (اِنْ يَتَّبِعُونَ إلاّ الظنّ) و (اِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنفسكم باتّخاذكم العجل) و(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دون الله) و(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أنفسكم) و (مَنْ يَعْمَلْ سوءاً يجز به) و(كُلُّ اْمرِئ بِما كَسَبَ رهين) و(لَها ما