مستدرك سفينة البحار ج2

الطرفين بعد فرض المرجّحات والمقتضيات لأحد الطرفين، ولظهور ذلك يحكمون بحسن أفعالهم وقبحها واستحقاق الثناء والمدح والعقاب والقدح. مثلاً مدافع البول إذا لم يسلب قدرته، مع أنّ فيه اقتضاء دفع البول، يكون دفعه أو حبسه عن رأيه فبرأيه ومشيّته يدفع أو يمنع، وصدور المقتضى ليس إلاّ عن رأيه ومشيّته، ولا يقع المقتضى عن المقتضي قهراً وجبراً، كما هو واضح.
وبعبارة ثالثة التصريح بالاستطاعة في الآيات والروايات، عين التذكّر بالقدرة الظاهرة لكلّ أحد، والتصريح بأنـّها ملك الله تعالى يملكها العبد بتمليكه تعالى وهو أملك منه، نفي التفويض بمعانيه، فإنّ توهّم كون الاستطاعة والقدرة عين ذات الإنسان، هو الكفر; وتوهّم كونها لله ولنفسه معاً، هو الشرك; وتوهّم أنّ القدرة المفاضة عليه مطلقة لا يملكها الحقّ، ويكون له الأمر والمشيّة والإرادة على الاطلاق هو عزل الحقّ عن السلطنة، فلابدّ من نفي الكلّ والقول بأنـّه المالك المملّك لما ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، وهم مستطيعون بالله لا مع الله ولا من دون الله، كما هو صريح الروايات.
وواضح أنّ قوام القدرة بمالكيّة الرأي المخصّص لأحد الطرفين، فعند القدرة يتحقّق المالكيّة، فلو صدر الفعل أو الترك بالرأي فهو المختار في الفعل والترك، وتكون العلّة في الفاعليّة والتخصيص رأي الفاعل لا غير، فلو كانت غير رأيه يكون مكرهاً أو مجبوراً أو مضطرّاً وعناوين الاختيار والاكراه والاضطرار كثيرة في الآيات، والأخبار، واختلاف المفاهيم الثلاثة وأحكامها وآثارها وجدانيّ. إنتهى ما أردنا نقله من إفاداته(قدس سره).
أقول: وممّا يدلّ على نفي الجبر وإثبات الاختيار في الأفعال الصادرة عن العباد أنّ كلّ عاقل لا يشكّ في الفرق بين الحركات الاختياريّة والاضطراريّة، فإنّ العاقل يفرّق بالضّرورة بين ما يقدر عليه كالحركة يمنة ويسرة والبطش باليد إختياراً، وبين الحركة الاضطراريّة كالوقوع من فوق وحركة المرتعش وحركة النبض، وهذا من الواضحات.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه