سجدقال تعالى: (ألم تر أنّ الله يسجد له من في السموات ومن في
الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوابّ وكثير من الناس وكثير حقّ عليه العذاب) ـ الآية . وقال: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال). وقال: (يتفيّؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجّداً لله) ـ الآية . إلى غير ذلك من الآيات الّتي بمفاد ذلك .
أصل السجود: الميل والخضوع والتذلل . وكلّ شيء ذلّ فقد سجد. ومنه: سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوبه، ونخلة ساجدة أي مائلة منحنية .
فيستفاد من هذه الآيات أنّ السجود قسمان: قسم بالطوع والرغبة والاختيار، وذلك سجود كثير من الناس والملائكة وبعض الحيوان على كلام فيه; وقسم بالكره والاجبار والاضطرار بالإنقياد والتذلّل لما أراد الربّ تعالى، وهذا في غير ذوي العقل والشعور من أفراد الحيوان، كسجودالسماوات والأرض وما فيهما والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوابّ وظلالهم بالتفيؤ عن اليمين والشمائل وبالزيادة والنقصان كلّهم منقادون على الدوام، متذلّلون لأمر الربّ تعالى، إذا أراد شيئاً أن يكون يكون كما أراد . وكذلك ذوي العقول والاختيار في الاُمور التكوينيّة، كالجمادات في السجود والتسبيح . وفي الاُمور الإراديّة والتشريعيّة كثير من الناس مطيعون منقادون، وكثير منهم عاصون، فيحقّ عليهم العذاب .
والسجود بهذا المعنى، أي بمعنى الخضوع والتذلّل والانقياد، ثابت من الأشياء كلّها لمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين، كما تقدّمت الإشارة إليها في «رود» . تفسير الآية الاُولى(1).
ونزيدك عليه ما في رواية بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) أنـّه لمّا توجّه إلى خديجة كأنّ كلّ شيء يسجد له ويقول بلسان فصيح: السّلام عليك يا نبيّ الله ـ الخبر(2). وتقدّم في
(1) في جديد ج 82/360، وط كمباني ج 18 كتاب الصلاة ص 42 .
(2) ط كمباني ج 6/346، وجديد ج 18/196.