وبالجملة فهؤلاءِ أخفُّ حالاً ممَّن هو في المرتبة الثالثة، وهو الّذي يزكّي نفسه ويعيب غيره، مثل العابد يقول لغيره من العباد: من هو، ماعمله، ومن أين زهده، ثمّ يثني على نفسه ويقول: إنّي لم أفطر منذ كذا وكذا، ولا أنام بالليل وفلان ليس كذلك. وقد يزكّي نفسه ضمناً، فيقول: قصدني فلان، فهلك ولده وأخذ ماله، أو مرض وما يجري مجرى هذا، يدّعي الكرامة لنفسه.
وأمّا العالم فيقول: إنّي متفتّن في العلوم ومطّلع على الحقائق، ورأيت من الشيوخ فلاناً وفلاناً، ومن أنت ومن فضلك ومن لقيته. كلّ ذلك ليصغّره ويعظّم نفسه فهذا كلّه آثار الكبر وأخلاق المتكبّر.
ياليت شعري من عرف هذه الأخلاق من نفسه وسمع قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لايدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كبر» كيف يستعظم نفسه ويتكبّر على غيره(1).
تحقيق في علاج الكبر وهو علميّ وعمليّ: أمّا العلمي فحاصله أن يعرف نفسه وربّه، فإنّه مهما عرف نفسه حقّ المعرفة، علم أنـّه أذلّ من كلّ ذليل وأقلّ من كلّ قليل. ويكفيه لذلك أن يعرف معنى قوله تعالى: (قتل الإنسان ماأكفره * من أيّ شيء خلقه * من نطفة خلقه فقدَّره * ثمّ السبيل يسَّره * ثمّ أماته فأقبره * ثمّ إذاشاء أنشره) فقد اُشير في هذه الآيات إلى أوّل خلق الإنسان وإلى آخر أمره، فمن كان بدؤه نطفة من منيّ يمنى، ثمّ كان علقة، من أين له البطر والكبرياء والفخر والخيلاء، وهو على التحقيق أخسّ الأخسّاء وأضعف الضعفاء، ويكون آخره الموت فيصير جيفة منتنة قذرة، ثمّ تفتت أجزاؤه وتنخر عظامه فتصير رميماً ورفاتاً، فتأكل الدود أجزاءه فتصير روثاً في أجواف الديدان، وتكون جيفة تهرب منه الحيوان ويستقذره كلّ إنسان، وأحسن أحواله أن يعود إلى ماكان فتصير تراباً يعمل منه الكيزان أو يعمر به البنيان، ويصير مفقوداً بعدما كان موجوداً. وأمّا