مستدرك سفينة البحار ج9

استجهالاً لهم واستحقاراً. وهذا وإن كان دون الأوّل والثاني، فهو أيضاً عظيم لأنـّهنازع الله في صفة لاتليق إلاّ بجلاله.
وأنـّه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره لأنّ المتكبّر إذا سمع الحقّ من عبد من عباد الله إستنكف عن قبوله ويستهزئ بجحده، ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنـّهم يتباحثون عن أسرار الدين، ثمّ إنّهم يتجاحدون تجاحد المتكبّرين، ومهما انفتح الحقّ على لسان أحدهم أنف الآخر من قبوله،ويتشمّر لجحده ويحتال لدفعه، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين. قال تعالى: (وقال الّذين كفروا لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون). وقال: (وإذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالإثم).
ثمّ اعلم أنـّه لايتكبّر إلاّ من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلاّ وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، ومجامع ذلك يرجع إلى كمال دينيّ أو دنيويّ، والديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوّة والمال وكثرة الأنصار، والآيات والأخبار في ذمّ الكبر ومدح التواضع أكبر من أن يحصى(1).

إعلم أنّ آفة الكبر في العالم والعابد على ثلاث درجات:

الاُولى: أن يكون الكبر مستقرّاً في قلبه، يرى نفسه خيراً من غيره إلاّ إنّه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيراً من نفسه. وهذا قد رسخت شجرة الكبر في قلبه، ولكنّه قطع أغصانها بالكليّة.
الثانية: أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفّع في المجالس والتقدّم على الأقران وإظهار الإنكار على من يقصّر في حقّه، وأدنى ذلك في العالم أن يصعّر خدّه للناس كأنـّه معرض عنهم، وفي العابد أن يعبّس وجهه ويقطب جبينه، كأنـّه متنزّه عن الناس، مستقذر لهم أو غضبان عليهم.
روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أ نّه قال: إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم.


(1) جديد ج73/196.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه