ص 361
(المعجزة الخامسة عشرة) في البحار عن الخرايج عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلى
امرأة من دينور فأتيتها فقالت: يا بن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا وورعا،
وإني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء
الله، فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله ولا تنظر فيه حتى تؤديه إلى
من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبات تساوي عشرة دنانير،
ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها، فقلت: وما الحاجة؟
قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرس، ولا أدري عمن استقرضتها، ولا أدري إلى من
أدفعها، قالت: إن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها. قال: وكيف أقول لجعفر بن
علي؟ فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر بن علي، فحملت المال وخرجت حتى دخلت بغداد،
فأتيت حاجز بن يزيد الوشا فسلمت عليه وجلست قال: ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلي لا
أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو ومن دفعه إلي فإن أخبرتني دفعته إليك. قال: يا أحمد بن
أبي روح توجه به إلى سر من رأى، فقلت: لا إله إلا الله لهذا أجل شيء أردته، فخرجت
ووافيت سر من رأى فقلت أبدأ بجعفر، ثم تنكرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحنة من
عندهم وإلا مضيت إلى جعفر، فدنوت من دار أبي محمد فخرج إلي خادم فقال: أنت أحمد بن
أبي روح؟ قلت: نعم. قال: هذه الرقعة اقرأها فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن
الرحيم يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الدنياري كيسا فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف
ما تظن وقد أديت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون
دينارا ومعك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصين الذين فيه، وفيه
ثلاث حبات لؤلؤا شراؤها عشرة دنانير ويساوي أكثر، فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنا
قد وهبناه لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى الحاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى
منزلك، وأما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من
صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي لكلثوم بنت أحمد وهي ناصبية، فتحرجت أن تعطيها وأحبت أن
تقسمها في أخواتها، فاستأذنتنا في ذلك فلتفرقها في ضعفاء أخواتها، ولا تعودن يا بن
أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له، وارجع إلى منزلك فإن عدوك قد مات، وقد رزقك
الله أهله وماله، فرجعت إلى
ص 362
بغداد وناولت الكيس حاجزا، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينار فناولني ثلاثين
دينارا وقال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه،
وقد جاءني من يخبرني أن عمي قد مات وأهلي يأمرون بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد
مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم (1). (المعجزة السادسة عشرة) فيه:
عن رجل من أهل استراباد قال: صرت إلى العسكر ومعي ثلاثون دينارا في خرقة، منها
دينار شامي فوافيت الباب، وإني لقاعد إذ خرج إلي جارية أو غلام - الشك عن الراوي -
قال: هات ما معك؟ قلت: ما معي شيء، فدخل ثم خرج وقال: معك ثلاثون دينارا في خرقة
خضراء منها دينار شامي، وخاتم كنت نسيته، فأوصلته وأخذت الخاتم (2). (المعجزة
السابعة عشرة) في الإرشاد عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار: شككت عند مضي أبي محمد
الحسن بن علي (عليه السلام)، واجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركبت السفينة معه
مشيعا له، فوعك وعكا شديدا فقال: يا بني ردني فهو الموت وقال لي: اتق الله في هذا
المال، وأوصى إلي ومات بعد ثلاثة أيام فقلت في نفسي: لم يكن أبي يوصي بشيء غير
صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط ولا أخبر أحدا بشيء، فإن وضح
لي شيء كوضوحه في أيام أبي محمد أنفذته، وإلا أنفقه في ملاذي وشهواتي، فقدمت العراق
واكتريت دارا على الشط، وبقيت أياما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمد معك كذا
وكذا، حتى قص علي جميع ما معي، وذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلمته إلى
الرسول وبقيت أياما لا أرفع لي رأسا فاغتممت فخرج إلي: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد
الله (3). (المعجزة الثامنة عشرة) فيه: عن محمد بن عبد الله السياري قال: أوصلت
أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب فقبلت ورد علي السوار، وأمرت بكسره فكسرته
فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، فأخرجته فأنفذت الذهب بعد ذلك فقبل (4).
(هامش)
1 - البحار: 51 / 296 ح 11. 2 - البحار: 51 / 294 ح 6. 3 - الإرشاد: 2 / 355 باب
طرف من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام). 4 - الإرشاد: 2 / 356. (*)
ص 363
(المعجزة التاسعة عشرة) فيه: عن علي بن محمد: أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه
وقيل له: أخرج حق ولد عمك منه وهو أربعمائة درهم، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمه
فيها شركة، قد حبسها عنهم فنظر فإذا الذي لولد عمه من ذلك المال أربعمائة درهم
فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل (1). (المعجزة العشرون) فيه: عن أبي عبد الله بن صالح:
خرجت سنة من السنين إلى بغداد، فاستأذنت في الخروج فلم يؤذن لي، فأقمت اثنين وعشرين
يوما بعد خروج القافلة إلى النهروان، ثم أذن لي بالخروج يوم الأربعاء وقيل لي: أخرج
فيه، فخرجت وأنا آيس من القافلة بأن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما
كان إلا أن علفت جملي حتى رحلت القافلة فرحلت وقد دعى لي بالسلامة فلم ألق سوءا
والحمد لله (2). (المعجزة الحادية والعشرون) فيه: عن محمد بن يوسف الشاشي قال: خرج
بي ناسور فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالا فلم يصنع الدواء فيه شيئا، فكتبت رقعة
أسأل الدعاء فوقع إلي: ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة، فما أتت
علي جمعة حتى عوفيت، وصار الموضع مثل راحتي فدعوت طبيبا من أصحابنا وأريته إياه
فقال: ما عرفنا لهذا دواء وما جاءتك العافية إلا من قبل الله بغير احتساب (3).
(المعجزة الثانية والعشرون) فيه: عن حسن بن الفضل، قال: وردت العراق وعلمت أن لا
أخرج إلا عن بينة من أمري، ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتى أتصدق. قال:
وفي خلال ذلك تضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحج قال: فجئت يوما إلى محمد بن
أحمد - وكان السفير يومئذ - أتقاضاه فقال لي: سر إلى مسجد كذا وكذا فإنه يلقاك رجل.
قال: فصرت إليه فدخل علي رجل، فلما نظر إلي ضحك وقال لي: لا تغتم فإنك ستحج في هذه
السنة، وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما، فاطمأننت وسكن قلبي وقال: هذا مصداق ذلك. قال:
ثم وردت العسكر فخرجت إلى صرة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جرى عند
القوم هذا واستعملت الجهل فرددتها، ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة
(هامش)
1 - الإرشاد: 2 / 356. 2 - الإرشاد: 2 / 357. 3 - المصدر نفسه. (*)
ص 364
وقلت في نفسي: كفرت بردي على مولاي، وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر
من زللي، وأنفذتها وقمت أتطهر للصلاة، وأنا إذ ذاك أفكر في نفسي وأقول: إن ردت علي
الدنانير لم أحلل شدها، ولم أحدث فيها شيئا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني، فخرج
إلي الرسول الذي حمل الصرة وقال لي: أقبل أسأت إذ لم تعلم الرجل، إنا ربما فعلنا
ذلك بموالينا إبتداء، وربما سألونا ذلك يتبركون به، وخرج إلي: أخطأت في ردك برنا،
فإذا استغفرت الله فالله تعالى يغفر لك، وإذا كانت عزيمتك وعقد نيتك فيما حملناه
إليك ألا تحدث فيه حدثا إذا رددناه إليك، ولا تنتفع به في طريقك فقد صرفنا عنك،
وأما الثوب فخذه لتحرم فيه، قال: وكتبت في معينين وأردت أن أكتب في الثالث، فامتنعت
منه مخافة أن يكره ذلك، فورد الجواب: المعينين والثالث الذي طويت مفسرا والحمد لله.
قال: وافقت جعفر بن إبراهيم النيشابوري بنيشابور على أن أركب معه إلى الحج وأزامله،
فلما وافيت بغداد بدا لي وذهبت أطلب عديلا فلقيني ابن الوجناء، وكنت قد صرت إليه
وسألته أن يكتري لي فوجدته كارها، فلما لقيني قال لي: أنا في طلبك، وقد قيل: إنه
يصحبك فأحسن عشرته واطلب له عديلا واكتر له (1). (المعجزة الثالثة والعشرون) فيه:
عن الحسن بن عبد الحميد: شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر، فخرج إلي:
ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا، بأمرنا ترد ما معك إلى حاجز بن يزيد (2).
(المعجزة الرابعة والعشرون) فيه: عن محمد بن صالح: لما مات أبي وصار الأمر إلي كان
لأبي على الناس سفاتيج من مال الغريم، يعني صاحب الأمر (عج). قال الشيخ المفيد
(رحمه الله): وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها، ويكون خطابها عليه للتقية.
قال: فكتبت إليه اعلمه وكتب إلي: طالبهم واستقض عليهم، فقضاني الناس إلا رجل واحد،
وكان عليه سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطلبه فمطلني واستخف بي ابنه وسفه علي،
فشكوته إلى أبيه فقال: وكان ماذا! فقبضت على لحيته وأخذت برجله، فسحبته إلى وسط
الدار فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد يقول: قمي رافضي قد قتل والدي، فاجتمع علي منهم
خلق كثير فركبت دابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب
المظلوم، أنا
(هامش)
1 - الإرشاد: 2 / 360. 2 - الإرشاد: 2 / 361. (*)
ص 365
رجل من أهل همدان من أهل السنة، وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرفض ليذهب بحقي
ومالي. قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتى سكنتهم، وطلب إلي صاحب
السفتجة أن آخذ مالها وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي في الحال فاستوفيته منه (1).
(المعجزة الخامسة والعشرون) فيه: عن أحمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول
بالإمامة ولا أحبهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبيد الله فأوصى في علته أن يدفع
الشهري الفرس السمند وسيفه ومنطقته إلى مولاه، فخفت إن لم أدفع الشهري (2) إلى
اذكوتكين (3) نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في
نفسي ولم أطلع عليه أحدا، ودفعت الشهري إلى اذكوتكين، فإذا الكتاب قد ورد علي من
العراق: أن وجه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة (4).
(المعجزة السادسة والعشرون) وفيه: عن حسين بن عيسى العريضي: لما مضى أبو محمد الحسن
بن علي (عليه السلام)، ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر (عج) فاختلف
عليه وقال بعض الناس: إن أبا محمد (عليه السلام) قد مضى من غير خلف، وقال آخرون:
الخلف من بعده جعفر، وقال آخرون: الخلف من بعده ولده، فبعث رجلا يكنى أبا طالب إلى
العسكر يبحث عن الأمر وصحته، ومعه كتاب فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهان فقال له
جعفر: لا تتهيأ في هذا الوقت، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا
الموسومين بالسفارة فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان
معه إلى ثقة يعمل فيه بما يجب، وأجيب عن كتابه وكان الأمر كما قيل له (5). (المعجزة
السابعة والعشرون) وفيه: حمل رجل من أهل أبة شيئا يوصله، ونسي سيفا بأبة كان أراد
حمله، فلما وصل الشيء كتب إليه بوصوله، وقيل في الكتاب: ما خبر السيف الذي أنسيته
(6)؟ (المعجزة الثامنة والعشرون) فيه: عن محمد بن شاذان النيشابوري: اجتمع عندي
(هامش)
1 - الإرشاد: 2 / 362. 2 - الشهري: ضرب من البرذون، وفي المجمع (3 / 357) اسم فرس.
3 - اسم أحد أمراء الترك من أتباع بني العباس. 4 - الإرشاد: 2 / 363. والمحاسن
للبرقي: 1 / 32. 5 - الإرشاد: 2 / 364. 6 - الإرشاد: 2 / 365. (*)
ص 366
خمسمائة درهم ينقص عشرون درهما، فلم أحب أن أنفذها ناقصة فوزنت من عندي عشرين
درهما، وبعثتها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد الجواب: وصلت خمسمائة درهم لك
منها عشرون درهما (1). (المعجزة التاسعة والعشرون) وفيه: كتب علي بن زياد الصميري
يسأل كفنا، فكتب إليه: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته
(2). (المعجزة الثلاثون) وفيه: عن محمد بن هارون الهمداني: كان للناحية علي خمسمائة
دينار فضقت بها ذرعا ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دينارا
قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ولم أنطق بذلك، فكتب إلي محمد بن جعفر: اقبض
الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه (3). (المعجزة الحادية
والثلاثون) ذكر المحدث الجليل البارع الفاضل النراقي في خزائنه قال: حدثني الشيخ
الجليل محمد جعفر النجفي (قدس سره) - وهو من مشايخ إجازتي - في مسافرتي معه إلى
زيارة العسكريين والسرداب المقدس في سر من رأى أنه كان لي في تلك البلدة المشرفة
صاحب من أهلها ولكن أحيانا إذا تشرفت للزيارة أنزل عنده، فأتيته في بعض الأحيان
فوجدته مريضا في غاية الضعف والنقاهة، مشرفا على الموت فسألته عن ذلك قال لي: إنه
قدم علينا من سر من رأى في هذه الأوان جمعا (4) من الزوار، وفيهم من أهل تبريز فقمت
على عادتنا الخدمة في شراء الزوار وتزاورنا إياهم واكتسابنا منهم، وإذا بشاب فيهم
في غاية الصلاح ونهاية الصفاء والطراوة قد أشرف على الدجلة ونزل واغتسل في الشط، ثم
لبس الثياب الطيبة النفيسة وتقدم إلى الزيارة في غاية الخضوع ونهاية التذلل
والخشوع، حتى انتهى إلى الروضة المقدسة ووقف على باب الرواق، وبيده كتابه المزار،
فأخذ في الدعاء والاستيذان والدموع تسيل على خديه، فأعجبني غاية خشوعه ورقته وبكاؤه
فأتيته وجررت رداءه وقلت: أريد أن أزورك فمد يده في جيبه وأخرج دينارا من ذهب،
وأشار لي بالرجوع عنه وعدم التعرض إياه، فلما نظرت إلى الدنانير طار قلبي
(هامش)
1 - المصدر نفسه. 2 - الإرشاد: 2 / 366. 3 - الإرشاد: 2 / 366 باب طرف من دلائل
صاحب الزمان. 4 - الصحيح: جمع. (*)
ص 367
وتحركت عروق الطمع، إذ كنت في أيام لم يحصل لي من صناعتي عشر من أعشار ذلك المبلغ،
فأخذني الطمع أن أتعرضه أيضا فرجعت إليه ثانية وهو في بكائه وحضور من قلبه فزاحمته،
وأعدت إليه ما قلته فدفع إلي نصف دينار، وأشار لي بالرجوع وعدم التعرض. فرجعت ونار
الطمع تشتعل في جوارحي وأنا أقول: لا يفوتك الرجل فنعم الصيد صيدك، إلى أن رجعت
إليه ثالثة وزاحمته وكررت عليه الكلام، وأمرته بإلقاء الكتاب وجررت رداءه وهو في
عين تخشعه وبكائه، فدفع إلي في هذه المرة ريالا واشتغل بما هو فيه، وأنا لم أزل
فيما أنا عليه إلى أن أقامني الطمع ذلك المقام رابعا، فانصرف الرجل عما هو فيه وتم
حضور قلبه وطبق كتاب المزار، وخرج من غير زيارة فندمت من ذلك فأتيته وقلت له: ارجع
إلى ما كنت عليه فلا أتعرضك بعد أبدا، فأجابني ودموعه تنحدر أنه لم يبق لي حال
الزيارة وقد زال ما بي من الخشوع، فأسفت على ما فعلت ولمت نفسي ورجعت إلى الدار،
فلما دخلت الفضاء وإذا بثلاثة واقفين على السطح وهم يحاذونني، والذي بينهم أقصر سنا
وبيده قوس وسهم، ينظر إلي نظرة الغضب، وقائل: لم منعت زائرنا وصرفته عن حاله، ثم
وضع السهم في كبد قوسه فما شعرت إلا وقد اخترق صدري، فغابوا عن بصري واحترق صدري،
فجرح بعد يومين وقد زاد الآن كما ترى، فكشف عن صدره وإذا قد أخذ مجموع صدره، فما
مضى أيام إلا ومات (1). (المعجزة الثانية والثلاثون) وفيه: قال (رحمه الله): أخبرني
الورع التقي الحاج جواد الصباغ، وهو من أعاظم التجار وثقاتهم وكان ناظرا على تعمير
الروضة المقدسة والسرداب من قبل بانيه جعفر قلي خان الخوئي، أخبرني حين تشرفي إلى
زيارة المشهد المقدس والسرداب المشرف وذلك في سنة عشر ومائتين بعد الألف، أيام
مسافرتي إلى بيت الله الحرام فمضيت إلى سر من رأى، واتفق لي مصاحبته في تلك البلدة،
فحكى لي عن رجل ناصبي يدعى بسيد علي، وكان مأمورا هناك من والي بغداد وحكومة
العثماني، وكان حاكما على أهلها - وذلك في سنة خمس ومائتين بعد الألف - ويأخذ من كل
زائر ريالا للدخول في الروضة المقدسة ويسوم ساقهم، ويعلمهم علامة لا يشتبه بغيره
بعد ذلك. فبينما ذات نهر فسرت فيه، كلما سرت يتسع النهر، فبينا أنا كذلك إذ طلع علي
فارس
(هامش)
1 - الخزائن للنراقي: 427 والكتاب مخطوط بين العربي والفارسي وهذه القصة مترجمة
منه. (*)
ص 368
تحته شهباء وهو متعمم بعمامة خز خضراء، لا أرى منه سوى سواد عينيه، وفي رجليه خفان
أحمران فقال لي: يا حسين. وما أمرني وما كناني فقلت: ماذا تريد؟ فقال: لم تزري على
الناحية؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك؟ وكنت رجلا وقورا لا أخاف شيئا فأرعدت وتهيبته
وقلت له: أفعل يا سيدي ما تأمر به. فقال: إذا أتيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه،
فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته فيه تحمل خمسه إلى مستحقه. فقلت: السمع والطاعة. فقال:
امض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف، فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا فخفي
علي أمره، فازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث فلما بلغت قم وعندي
أنني أريد محاربة القوم خرج إلي أهلها وقالوا: كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا،
وأما إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك، أدخل البلدة فدبرها كما ترى، فأقمت فيها
زمانا وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أتوقع ثم وشى القواد بي إلى السلطان، وحسدت
على طول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت
وأقبلت إلى منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمد بن العثمان العمري فتخطا رقاب الناس حتى
اتكأ على متكئي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعدا لا يبرح والناس يدخلون ويخرجون، وأنا
أزداد غيظا فلما تصرم المجلس دنا لي وقال بيني وبينك سر فاسمعه. فقلت: قل. فقال:
صاحب الشهباء والنهر يقول: قد وفينا بما وعدنا. فذكرت الحديث وارتعشت من ذلك وقلت:
السمع والطاعة، فقمت وأخذت بيده وفتحت الخزائن، فلم يزل يخمسها إلى أن خمس شيئا قد
كنت أنسيته مما كنت قد جمعته وانصرف، ولم أشك بعد ذلك وتحققت الأمر، فأنا منذ سمعت
هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك (1).
(هامش)
1 - كشف الغمة: 2 / 501 الباب 25. (*)
ص 369
التحفة لمن زار الرضا (عليه السلام)
ريحانة معطرة من ثمرة هذا الفرع جعلتها التحفة
لمن زار الرضا (عليه السلام) وتمسك بعروة الله الوثقى في دار السلام للمحدث النوري
(رحمه الله) عن المعتمد المؤتمن آقا محمد التاجر عن نور الدين محمد قال: لما كنت في
البندر (1) المسمى بريك مشغولا بتجهيز سفر البحر، والسير إلى بندر كنك أحد البنادر
المعمورة، حدثني جماعة كثيرة عن رجل ثقة معتمد من أهل گيلان، وكان يتردد في البلاد
للتجارة قال: دخلت مرة في سفر الهند وبقيت في البنگالة قريبا من ستة أشهر، وكان
بجنب حجرتي التي كنت فيها حجرة كان فيها رجل غريب، وكان في تمام أوقاته متحيرا
مستغيثا باكيا مهموما متفكرا، لا يفتر عن حزنه ساعة. فلما رأيت كثرة بكائه وعويله
وخروجه عن العادة عزمت على استكشاف حاله، فأنست به بلسان ذلق وكلام لين فوجدته
ضعيفا نحيفا قد تحللت قواه ودق عظمه ورق جلده، فسألته عن طول حزنه ودوام بكائه
وهمومه فأبى فألححت عليه فقال: جمعت في اثني عشر سنة قبل ذلك أموالا وأمتعة نفيسة
وحملتها في السفينة مع جماعة عازما على التجارة، فلما توسطنا البحر والسفينة تجري
بريح طيبة ومضى علينا عشرون يوما، إذ أتتنا ريح عاصف وبلاء مبرم فانكسرت السفينة
وغرقت الأموال والنفوس، وتعلقت بلوح من ألواحها والريح تلعب به يمينا وشمالا إلى أن
وقع بصري على جزيرة، فسكن خاطري وقرت عيني، والموج يلطمني لطمة بعد لطمة إلى أن
طرحني في الساحل فسجدت لله تعالى سكرا. ورأيت جزيرة مونقة معشوشبة خالية عن جنس
البشر، فبقيت مدة اعتلف من كلائها في اليوم، وأبيت على الأشجار خوفا من السباع
الضارية، ومضى علي كذلك سنة فاتفق أني كنت يوما مشغولا بالوضوء على عين ماء، فرأيت
فيها عكس صورة امرأة، فرفعت رأسي فإذا على بعض أغصان الشجرة امرأة حسناء غراء فرعاء
لم أر مثلها، وكانت عريانة فلما رأت أني أنظر إليها أدلت شعرها على جسدها وتسترت به
عني وقالت: أيها الناظر إلى ما يحرم عليك أما تستحي من الله تعالى ورسوله؟ فاستحيت
من كلامها وأطرقت برأسي، وأقسمت
(هامش)
1 - كلمة فارسية الأصل تعني المرفأ. (*)
ص 370
عليها بالله تعالى وقلت: أنت من البشر، أو من الملائكة أو من الجن؟ فقالت: من البشر
والآن قريب من ثلاث سنين أعيش في هذه الجزيرة، أبي كان رجلا من أهل إيران فعزم
الرحيل إلى الهند، ولما بلغنا قبة البحر انكسرت سفينتنا ووقعت أنا في هذه الجزيرة.
ولما علمت بحالها حكيت لها قصتي وقلت: لو خطبك أحد ترغبين فيه، فسكتت فعلمت برضاها،
فحولت وجهي حتى نزلت من الشجرة فعقدت عليها، وكنت أتمتع بها وأفرح بها فرزقني الله
تعالى هذين الغلامين اللذين تراهما، فكنت أطيب خاطري تارة بمصاحبتها وأتسلى مرة
بوجودهما والاشتغال بها وكذلك بهما، وكذلك المرأة وكانت عاقلة وكنا نعيش في الجزيرة
كذلك إلى أن بلغ أحدهما تسع سنين والآخر ثماني، ولما كنا عراة وعلى أبداننا شعور
طوال قبيحة المنظر قلت يوما لها: ليت كان لنا قطعة لباس نستر بها عوراتنا، ونخرج
بها عن هذه الفضيحة، فتعجب الولدان وقالا: هل بغير هذا الوضع والمكان وضع آخر ومكان
وطريقة أخرى؟ فقالت أمهما: نعم إن لله تعالى بلادا ورجالا كثيرة ومأكولات ومشروبات
لا تحصى، ولكنا عزمنا المسافرة وركبنا السفينة فكسرتها الرياح العاصفة، وطرحتنا
بوسيلة لوح منها في هذه الجزيرة. فقالا: لم لا ترجعون إلى أوطانكم المألوفة؟ فقالت:
لا يمكن العبور من هذا البحر الزخار بلا سفينة مستعدة، فقالا: نحن نصنع السفينة،
فلما رأتهما عازمين أشارت إلى شجرة كبيرة كانت في ساحل البحر وقالت: لو قدرتما على
نحت وسطها لعل الله بعنايته يرحمنا ويوصلنا إلى مكان نستر به عوراتنا، فلما سمع
الغلامان مقالة أمهما عمدا إلى جبل كان قريبا منا وأخذا بعص الأحجار التي كانت
رؤوسها محددة، وشرعا في نحت الشجرة وحرما على أنفسهما الطعام والشراب والنوم ولم
يفترا عن العمل في مدة ستة أشهر إلى أن صار وسط الشجرة خاليا كهيئة الزوارق وكان
يسع اثني عشر نفرا يقعدون فيه. فلما رأينا كذلك شكرنا الله تعالى على هذه النعمة
وهداية الغلامين إلى هذا العمل وطاعتهما لنا، وأمهما كانت في غاية السرور والفرح،
والحث على إتمامهما وترتيبها لما بلغ بها الوحشة وألم العري وفقد المحل والمأوى
النهاية، ثم عمدوا إلى حمل العنبر من صفح جبل قريب كان في حوالي الجزيرة، وكان في
غاية الارتفاع، وكان في خلف الجبل غيضة أشجارها قرنفل، وكان النحل تأكل في فصل
الربيع من أزهارها ويبادرون إلى قلة الجبل،
ص 371
فيجتمع لسببها فيها عسل كثير، ثم يأتي المطر فيغسله ويجريه إلى البحر فيشربه
الحيتان، ومن شمعه يحصل العنبر الأشهب، فإن في وقت الجريان من الجبل يبقى شيئا
فشيئا في سفح الجبل، وبإشراق الشمس على تلك الشموع تتفرق في تمام تلك الصحراء، وكنا
نأتي منه في كل يوم أمنان إلى أن جمع مائة من، وصنعنا منه في الزورق حوضا، وصنعنا
منه ظروفا وحملنا الماء منها إلى الحوض حتى ملئ منه، ثم جمعنا لطعامنا من الأصول
المعروفة بچيني، وكان كثيرا في الجزيرة ثم صنعنا من لحاء الأشجار حبالا وثيقة
وشددنا بها رأس الزورق، وربطناه برأسها الأخرى على شجرة عظيمة. ثم انتظرنا أيام مد
البحر وزيادة مائه إلى أن بلغ وقته، ووقع الزورق فوق الماء فحمدنا الله تعالى
وجلسنا فيه فلم يتحرك من مكانه فتأملنا فإذا برأس الجبل مشدود على الشجرة، ونسينا
أن نفكه فأراد أحد الغلامين أن ينزل فنزلت أمهما قبلهما، وفكت الحبل وأخذ الموج
الحبل من يدها، وأذهب بالزورق إلى وسط البحر، فأخذت المرأة في البكاء والنحيب
والصياح والعويل والحركة من طرف إلى طرف، فلما بعدنا منها صعدت شجرة تنظر إلينا
وتبكي وتتحسر، فلما غبنا طرحت نفسها منها، والغلامان لما يئسا منها شرعا في البكاء
والأنين والقلق والاضطراب إلى أن وصلنا قبة البحر، خافا من نفسهما فسكتا، فلما مضى
علينا سبعة أيام وصلنا إلى الساحل ولما كنا عراة صبرنا حتى أظلم الليل، فعلوت على
مرتفع فرأيت سواد بلاد وضوء نار، فذهبت إليه مهتديا بعلامة النار، فلما وصلت إليه
رأيت بابا عاليا فدققت الباب فكانت الدار لرجل تاجر من رؤوساء اليهود، فخرج فأعطيته
قليلا من العنبر الأشهب، وأخذت منه أثوابا وفرشا ورجعت في الليل إلى ولدي وسترنا
عوراتنا، فلما أصبحنا دخلت البلد، وأخذت هذه الحجرة في هذا الخان، وجئت بولدي وصيرت
من الفرش جوالق حملت بها في الليل العنبر والچيني من الزورق إلى الحجرة، وبعت منها
على التدريج، واشتريت متاع البيت وصرت في زي التجار، والآن قريب سنة أنا في الهم
والبكاء والقلق من فراق العاجزة الضعيفة المهجورة وكذلك الأولاد. فلما بلغ كلامه
هذا المقام عرضتني رقة فبكيت معه ساعة ثم قلت له: لا راد لقضاء الله وتدبيره، ولا
مغير لمقاديره وحكمته، ولكني أظن أنك لو زرت الإمام الثامن أبا الحسن الرضا (عليه
السلام)، وشكوت إليه ما دهاك من هذه المصيبة، وعرضت عليه قصتك وقصة زوجتك
ص 372
لأجاب مسؤولك وكشف ضرك ونفس همك، فإنه لم يلجأ إليه أحد إلا أصلح حاله، ولم يستعن
به ضعيف إلا أعانه، ولم يستغث إليه مضطر إلا أغاثه، فإنه أبو الأيتام وملجأ الأنام
وذخر المفلسين وكهف المظلومين. فلما سمع كلامي أثر في قلبه ووقع في روعه، فعاهد
الله تعالى مخلصا في هذا المجلس أن يصنع قنديلا من الذهب الخالص، ويمشي راجلا إلى
زيارته، ويشكو إليه ضره وفاقته ويطلب منه الاجتماع مع زوجته، ثم قام وطلب الذهب من
يومه وصنع القنديل وركب السفينة وقطع الفيافي والقفار، إلى أن بلغ مرحلة من المشهد
الرضوي، ورأى المتولي في تلك الليلة الإمام (عليه السلام) في المنام وقال (عليه
السلام) له: غدا يدخل علينا زائر لنا فاستقبله، فلما أصبح خرج مستقبلا مع جميع
أرباب المناصب في الحضرة الرضوية، وأدخلوه في البلد معززا مكرما، وأدخلوا القنديل
في الروضة وعلقوه في محله، فلما استقر به الدار خرج من هيئة المسافر واغتسل ودخل
الروضة المنورة، وقبل تلك القبة الشريفة واشتغل بالزيارة والدعاء إلى أن مضى برهة
من الليل، وأخرجوا الخدام غيره من الزائرين وسدوا الأبواب ومضوا لشأنهم، فلما اختص
به الحرم ورأى نفسه فريدا سكت ساعة، ثم اشتغل بالتضرع والبكاء والاستغاثة بالإمام
(عليه السلام)، وسأل منه الوصول إلى زوجته وألح فيه إلى أن بقي ثلث الليل وقد أعيى
من كثرة الإلحاح والدعاء، فسجد فغلبه النوم فسمع هاتفا يقول: قم، فلما قام من
السجدة رأى الإمام الهمام أبا الحسن الرضا (عليه السلام) واقفا فقال له: قم فقد
أوتيت بزوجتك وهي الآن واقفة خلف الروضة فاذهب إليها. فقال: فديتك بنفسي إن الأبواب
مسدودة. فقال (عليه السلام): الذي أتى بها من ذاك المكان البعيد إلى هنا يتمكن من
فتح الأبواب المغلقة، فخرج فكلما مر بباب انفتح له إلى أن بلغ خلف الروضة، فرأى
زوجته على الهيئة التي خلفها في الجزيرة متحيرة خائفة، فلما رأت بعلها تعلقت به
فقال لها: من أبلغك إلى هذا المقام؟ فقالت: كنت في شاطئ البحر جالسة متفكرة، وقد
أصاب عيني رمد شديد وألم موجع من شدة البكاء، أتأوه من شدته فإذا بشاب قد أضاء بنور
وجهه جميع البر والبحر في هذا الليل المظلم، فأخذ بيدي وقال: غمضي عينيك فغمضتهما
وفتحتهما بعد زمان، فرأيت نفسي في هذا المكان، فذهب بها إلى الحجرة عند ولديه،
وجاوروا بعد ذلك في ذاك المكان الشريف إلى أن توفوا.
ص 373
في بيان نوابه وسفرائه (عليه السلام)
الفرع السابع
في بيان نوابه وسفرائه الممدوحين
الذين كانوا في زمان غيبته الصغرى وسائط بين الشيعة وبينه عليه الصلاة والسلام
أولهم: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري وكان من نواب أبي الحسن وأبي محمد في الأول،
وكانت توقيعات إمام العصر تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان
إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد بالأمر والنهي عنه، والأجوبة عما تسأل الشيعة،
وترجمه (رحمه الله) في البحار مفصلا، وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة
السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف بدرب حيلة (1). الثاني: من السفراء
ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، قام مقام أبيه بنص أبي محمد وأبيه
عثمان بأمر القائم (عليه السلام)، وخرج التوقيع إليه في التعزية بأبيه (رضي الله
عنه)، وفي فصل من الكتاب: إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليما لأمره ورضا بفعله
وبقضائه، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه فلم يزل
مجتهدا في أمرهم، ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم، نضر الله وجهه وأقال
عثرته. (وفي فصل آخر): أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزيت وأوحشك فراقه
وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه
من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك
وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، وأعانك الله وقواك وعضدك، ووفقك وكان لك وليا
وحافظا وراعيا. وهما رأيا القائم (عج)، وقبره عند والدته في شارع باب الكوفة في
الموضع الذي كانت دوره ومنازله، وهو الآن في وسط الصحراء (2). الثالث من السفراء:
أبو القاسم حسين بن روح النوبختي، أقامه محمد بن عثمان بعد مقامه بأمر الإمام (عج)
وهو من أعقل الناس عند الموافق والمخالف وكان يستعمل التقية.
(هامش)
1 - بحار الأنوار: 51 / 347 وغيبة الطوسي: 358. 2 - الإحتجاج: 481 ذكر طرف ما خرج
أيضا عنه من المسائل الفقهية. (*)
ص 374
في البحار: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الأسود قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في
باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) فيقبضها مني، فحملت إليه
يوما شيئا من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه
إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه)، فكنت أطالبه بالقبوض فشكى ذلك إلى أبي جعفر
(رضي الله عنه)، فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد
وصل إلي، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض (1). وفيه: عن جعفر بن
أحمد بن منيل: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري الوفاة كنت جالسا عند رأسه
أسأله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه فالتفت إلي ثم قال: أمرت أن أوصي إلى
أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في
مكاني وتحولت إلى عند رجليه (2). وحسين بن روح من أعقل الناس عند الموافق والمخالف
وكان يستعمل التقية، وقبره (رحمه الله) في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار
علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك. وقد كانت
العامة تعظمه (رحمه الله) حيا وميتا، وقد تناظر اثنان في دار ابن يسار وهو (رحمه
الله) حضر تقية فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ثم عمر ثم علي، وقال آخر: علي أفضل من أبي بكر وعمر فزاد الكلام بينهما، فقال
أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت عليه الصحابة هو تقديم الصديق ثم بعده
الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح
عندنا، فبقي من حضر المجلس متعجبا من هذا القول وكانت العامة يرفعونه على رؤوسهم،
وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض. فوقع علي الضحك فلم أزل أتصبر وأمنع
نفسي وأدس كمي في فمي فخشيت أن افتضح، فوثبت عن المجلس، ونظر إلي فتفطن بي، فلما
حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادرا فإذا بأبي القاسم بن روح راكبا بغلته
قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره فقال لي: يا عبد الله أيدك الله لم ضحكت
وأردت أن تهتف بي، كأن الذي قلته
(هامش)
1 - البحار: 51 / 354 ح 4 وكمال الدين: 501. 2 - الخرائج والجرائح: 3 / 1120
والبحار: 51 / 254 ح 5. (*)
ص 375
عندك ليس بحق؟ فقلت له: كذاك هو عندي، فقال لي: اتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك
في حل أن تستعظم هذا القول مني. فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام (عج)
ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب منه ولا يضحك من قوله هذا! فقال لي: وحياتك لئن عدت
لأهجرنك، وودعني وانصرف (1). الرابع من السفراء: أبو الحسن علي بن محمد السمري
(رحمه الله)، أوصى أبو القاسم الحسين بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري
(رحمه الله) فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي قال لله أمر هو بالغه، فالغيبة
التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري. في البحار عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب
قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد
السمري قدس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: بسم
الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما
بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت
الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب
وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل
خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال:
لله أمر هو بالغه. وقبره (رحمه الله) في الشارع المعروف بشارع الخلخي من ربع باب
المحول، قريب من شاطئ نهر أبي عتاب، ومات (رحمه الله) في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة،
وقد كان في زمان السفراء رضوان الله عليهم أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل
المنسوبين للسفارة: (منهم) أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، أتى الجواب عن الناحية
بعد السؤال عن قبض شيء: فليدفع إليه، من ثقاتنا. (ومنهم) أحمد بن إسحاق وإبراهيم بن
محمد وأحمد بن حمزة، خرج التوقيع في مدحهم.
(هامش)
1 - غيبة الشيخ الطوسي: 385 ح 347 ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. (
ص 376
(ومنهم) إبراهيم بن مهزيار وابنه محمد ووقع التوقيع في حقهما. (ومنهم) الحسن بن
محبوب أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ومحمد بن علي بن بلال وعمر الأهوازي وأبو
محمد الوجناتي، وبعض آخر لا حاجة بذكرهم هنا، ثم اعلم أن الذين ادعوا البابية كذبا
وافتراء كثيرون لعنهم الله، لا حاجة لنا بذكرهم في هذا المقام (1).
(هامش)
1 - راجع البحار: 51 / 362 ح 10. (*)
ص 377
في علة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به في غيبته (عليه السلام)
الفرع الثامن
في علة
الغيبة وكيفية انتفاع الناس به في غيبته (عليه السلام)
في العوالم والبحار عن عبد
الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه السلام): إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد
منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه
لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله
تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة
لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلا
وقت افتراقهما. يا بن الفضل إن هذا الأمر أمر من أمر الله، وسر من سر الله وغيب من
غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها
غير منكشف لنا (1). وفيه: عن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) قال: لم تخل الأرض منذ
خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم
الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق (عليه
السلام): فكيف ينتفع بالحجة الغائب المستور؟ قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس
إذا سترها السحاب (2). وفيه: عن إسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدسة
على يد محمد بن عثمان: وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول: *(يا أيها
الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)*(3) إنه لم يكن أحد من آبائي إلا
وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في
عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار
السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب
السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج،
فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى (4).
(هامش)
1 - البحار: 52 / 91 ح 4 وكمال الدين: 482. 2 - البحار: 23 / 5 ح 10 وأمالي الصدوق:
253. 3 - سورة المائدة: 101. 4 - الإحتجاج: 284، والبحار: 53 / 181 ح 10. (*)
ص 378
وفيه: عن أبي عبد الله (عليه السلام): أقرب ما يكون العبيد إلى الله عز وجل وأرضى
ما يكون عنه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم
في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجج الله ولا بيناته، فعندها فليتوقعوا الفرج صباحا
ومساء. وإن أشد ما يكون غضبا على أعدائه إذا أفقدهم حجته فلم يظهر لهم، وقد علم أن
أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين (1). وفيه: عن
جابر الجعفي عن جابر الأنصاري أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله): هل ينتفع الشيعة
بالقائم (عج) في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوة إنهم
لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها
السحاب (2). أقول: التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يومئ إلى أمور كما يستفاد من
كلمات العلامة المجلسي (رحمه الله) (3). الأول: أن نور الوجود والعلم والهداية يصل
إلى الخلق بتوسطه (عليه السلام)، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية
لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم
والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق، ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحق
الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال الله تعالى: *(وما كان الله ليعذبهم
وأنت فيهم)*(4) ولقد جربنا مرارا لا نحصيها أنه عند انفلاق الأمور وإعضال المسائل
والبعد عن جناب الحق تعالى وانسداد أبواب الفيض لما استشفعنا بهم وتوسلنا بأنوارهم،
فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تنكشف تلك الأمور الصعبة، وهذا
معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان. الثاني: كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب
مع انتفاع الناس بها، ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم
بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت
وزمان ولا ييأسون منه. الثالث: أن منكر وجوده مع وفور ظهور آثاره، كمنكر وجود الشمس
إذا غيبها السحاب عن الأبصار.
(هامش)
1 - البحار: 52 / 94 ح 9، وكمال الدين: 339. 2 - البحار: 52 / 92 ح 8، والأنوار
البهية: 341. 3 - البحار: 52 / 93 ح 8. 4 - سورة الأنفال: 33. (*)
ص 379
الرابع: أن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب،
فكذلك غيبته (عج) أصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا غاب عنهم. الخامس: أن الناظر إلى
الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة
عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدسة ربما يكون ظهوره أضر لبصائرهم، ويكون سببا
لعماهم عن الحق، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من
تحت السحاب ولا يتضرر بذلك. السادس: أن الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد
دون واحد، فكذلك يمكن أن يظهر (عليه السلام) في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: أنهم كالشمس في عموم النفع وإنما لا ينتفع بهم من كان أعمى، كما فسر به في
الأخبار قوله تعالى: *(ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)*(1).
الثامن: أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك،
وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما
يرفعون الموانع عن حواسهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية
والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية، إلى
أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع
جوانبه بغير حجاب. فقد فتحت لك من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب، ولقد فتح الله
عني بفضله ثمانية أخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في
معرفتهم ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب (2). عن ابن عمير عمن ذكره عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قلت له: ما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل مخالفيه
في الأول؟ قال: لآية في كتاب الله عز وجل *(لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم
عذابا أليما)*(3) قال: قلت: وما يعني بتزيلهم؟ قال: ودايع مؤمنون في أصلاب قوم
كافرين، [ومنافقين فلم يكن علي (عليه السلام) ليقتل الآباء حتى يخرج الودايع فلما
خرج ظهر على من ظهر
(هامش)
1 - الإسراء: 72. 2 - الوجوه الثمانية للعلامة المجلسي في بحاره: 52 / 93، وقد ذكرت
في كتابنا قصص أهل البيت ثمانية وجوه أخرى فمن أراد فليرجع إليها. 3 - سورة الفتح:
25. (*)
ص 380
وقتله] فكذلك القائم لن يظهر أبدا حتى تخرج ودايع الله عز وجل، فإذا خرجت ظهر على
من ظهر من أعداء الله عز وجل جلاله فقتلهم (1). وفيه: سأل أبو خالد أبا جعفر (عليه
السلام) أن يسمي القائم حتى أعرفه باسمه. فقال (عليه السلام): يا أبا خالد سألتني
عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة (2). وفيه: قال الشيخ
(رحمه الله): لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل (3)، لأنه لو كان
غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمل المشاق والأذى، فإن منازل الأئمة وكذلك
الأنبياء إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى (4). فإن قيل: هلا
منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟ قلنا: المنع الذي لا ينافي
التكليف هو النهي عن خلافه والأمر بوجوب اتباعه ونصرته وإلزام الانقياد له، وكل ذلك
فعله تعالى، وأما الحيلولة بينهم وبينه فإنه ينافي التكليف وينقض الغرض، لأن الغرض
بالتكليف استحقاق الثواب، والحيلولة ينافي ذلك، وربما كان في الحيلولة والمنع من
قتله بالقهر مفسدة للخلق فلا يحسن من الله فعلها، وليس هذا كما قال بعض أصحابنا أنه
لا يمتنع أن يكون في ظهوره مفسدة وفي استتاره مصلحة، لأن الذي قاله يفسد طريق وجوب
الرسالة في كل حال، ويطرق القول بأنها تجري مجرى الألطاف التي تتغير بالأزمان
والأوقات والقهر والحيلولة، ليس كذلك ولا يمتنع أن يقال في ذلك مفسدة ولا يؤدي إلى
فساد وجوب الرياسة. فإن قيل: أليس آباؤه كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا
يصل إليهم أحد؟ قلنا: آباؤه (عليهم السلام) حالهم بخلاف حاله لأنه كان المعلوم من
حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم لا يرون الخروج عليهم، ولا يعتقدون أنهم يقومون
بالسيف ويزيلون الأول، بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهديا وليس يضر
السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم، وليس كذلك صاحب الزمان،
لأن المعلوم منه أن يقوم بالسيف
(هامش)
1 - تفسير القمي: 2 / 316 وعلل الشرائع: 1 / 147 ح 2، باب 122 بتفاوت فيهما. 2 -
البحار: 52 / 98 ح 21، وغيبة النعماني: 289. 3 - أقول: مراده (قدس سره) من الخوف
على النفس الخوف من انقطاع الحجة على الناس بقتله، وهذا غير الخوف على النفس
المنافي للقاء الله وحب الشهادة في سبيله. 4 - غيبة الشيخ: 329، البحار: 52 / 98 ح
22. (*)
ص 381
ويزيل الممالك ويقهر كل سلطان ويبسط العدل ويميت الجور، فمن هذه صفته يخاف جانبه
وتتقى فورته فيتبع ويوصل ويوضع العيون عليه، ويعنى به خوفا من وثبته ورهبة من
تمكنه، فيخاف حينئذ ويخرج إلى التحرز والاستظهار بأن يخفى شخصه عن كل من لا يأمنه
من ولي وعدو إلى وقت خروجه. (وأيضا) فآباؤه إنما ظهروا لأنه كان المعلوم أنه لو حدث
بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسد مسده من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان (عج)
لأن المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف، فلذلك وجب
استتاره وغيبته، وفارق حاله حال آبائه، وهذا واضح بحمد الله. فإن قيل: بأي شيء يعلم
زوال الخوف وقت ظهوره، بالوحي من الله فالإمام لا يوحى إليه، أو بعلم ضروري فذلك
ينافي التكليف، أو بأمارة توجب غلبة الظن ففي ذلك تقرير بالنفس. قلنا: عن ذلك
جوابان: (أحدهما) أن الله أعلمه على لسان نبيه وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته
المخوفة وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتبع في ذلك ما شرع له وأوقف عليه، وإنما أخفى
ذلك عنا لما فيه من المصلحة، فأما هو فعالم به لا يرجع إلى الظن. (والثاني) أنه لا
يمتنع أن يغلب على ظنه بقوة الأمارات بحسب العادة قوة سلطانه، فيظهر عند ذلك ويكون
قد أعلم أنه متى غلب في ظنه كذلك وجب عليه، ويكون الظن شرطا والعمل عنده معلوما،
كما تقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود، والعمل على جهات القبلة بحسب الأمارات
والظنون، وإن كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجه إلى القبلة معلومين وهذا واضح بحمد
الله (1). وأما ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر
عليهم واختيارهم للصبر عليه، فالوجه فيها الإخبار عما يتفق من ذلك من الصعوبة
والمشاق، لا أن الله تعالى غيب الإمام ليكون ذلك، وكيف يريد الله ذلك وما ينال
المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم لهم ومعصية والله لا يريد ذلك، بل سبب الغيبة هو
الخوف على ما قلناه، وأخبروا
(هامش)
1 - غيبة الطوسي: 331. (*)
ص 382
بما يتفق في هذه الحال، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك والتمسك إلى أن
يفرج الله عنهم (1). فاكهة: إعلم أن بعض المخالفين يشنعوننا بأنه إذا لم يمكن
التوسل إلى إمام زمانكم، ولا أخذ المسائل الدينية عنه فأي ثمرة تترتب على مجرد
معرفته حتى يكون من مات وليس عارفا به فقد مات ميتة الجاهلية؟ والإمامية يقولون:
ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه، بل نفس التصديق بوجوده وأنه خليفة
الله في الأرض أمر مطلوب لذاته، وركن من أركان الإيمان كتصديق من كان في عصر النبي
(صلى الله عليه وآله) بوجوده ونبوته. وقد روي عن جابر بن عبد الله أن النبي (صلى
الله عليه وآله) ذكر المهدي فقال: ذلك الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض
ومغاربها، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلا من امتحن الله قلبه للإيمان،
فقلت: يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إي
والذي بعثني بالحق إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس
بالشمس وإن علاها السحاب (2). ثم قالت الإمامية: إن تشنيعكم علينا مقلوب عليكم،
لأنكم تذهبون إلى أن المراد بإمام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوكة من ملوك الدنيا
كائنا من كان، عالما أو جاهلا عدلا أو فاسقا، وأي ثمرة على معرفة الجاهل الفاسق
ليكون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية؟ فاكهة أخرى: حكى السيد صاحب المقام
رضي الدين علي بن طاووس أنه اجتمع يوما في بغداد مع بعض فضلائه فانجر الكلام بينهما
إلى ذكر الإمام محمد بن الحسن المهدي (عج)، وما تدعيه الإمامية من حياته في هذه
المدة الطويلة، فشنع ذلك الفاضل على من يصدق بوجوده ويعتقد طول عمره إلى ذلك الزمان
إنكارا بليغا. قال السيد (رحمه الله): فقلت له: إنك تعلم أنه لو حضر اليوم رجل
وادعى أنه يمشي على الماء لاجتمع لمشاهدته كل أهل البلد، فإذا مشى على الماء
وعاينوه وقضوا تعجبهم منه، ثم جاء في اليوم الثاني آخر وقال: أنا أمشي على الماء
أيضا فشاهدوا مشيه عليه، لكان تعجبه أقل من الأول. فإذا جاء في اليوم الثالث آخر
وادعى أنه يمشي على الماء أيضا، فربما لا يجتمع للنظر
(هامش)
1 - غيبة الطوسي: 335. 2 - أمالي الصدوق: 111 المجلس 23 ح 9. (*)
ص 383
إليه إلا القليل ممن شاهد الأولين، فإذا مشى سقط التعجب بالكلية فإذا جاء رابع
وقال: أنا أيضا أمشي على الماء كما مشوا، فاجتمع عليه جماعة ممن شاهدوا الثلاثة
الأول، ثم أخذوا يتعجبون منه تعجبا زائدا على تعجبهم الأول والثاني والثالث لتعجب
العقلاء من نقص عقولهم وخاطبوهم بما يكرهون، وهذا بعينه حال المهدي (عج) فإنكم
رويتم أن إدريس حي موجود في السماء من زمانه إلى الآن [ورويتم أن الخضر حي موجود من
زمان موسى (عليه السلام) أو قبله إلى الآن]، ورويتم أن عيسى (عليه السلام) حي موجود
في السماء وأنه سيعود إلى الأرض إذا ظهر المهدي (عج) ويقتدي به، فهذه ثلاثة نفر من
البشر قد طالت أعمارهم زيادة على المهدي (عج)، فكيف لا تتعجبون منهم وتتعجبون من أن
يكون لرجل من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) أسوة بواحد منهم، وتنكرون أن يكون من
جملة آياته (صلى الله عليه وآله) أن يعمر واحد من عترته وذريته زيادة على المتعارف
من الأعمار في هذا الزمان (1)؟
(هامش)
1 - كشف المحجة: 55 ط. النجف، وكتاب الأربعين للشيخ الماحوزي: 220 ط. الأولى 1417
ه. (*)
ص 384
في توقيعاته الشريفة التي صدرت من الناحية المقدسة
الفرع التاسع
في توقيعاته
الشريفة التي صدرت من الناحية المقدسة
الأول: في الإحتجاج عن سعد بن عبد الله عن
أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله): أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن
علي كتب إليه كتابا يعرفه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه وأن عنده من علم الحلال
والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها. قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت
الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان وصيرت كتاب جعفر في درجه فخرج إلي الجواب في ذلك: بسم
الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت في درجه وأحاطت
معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت على
بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا
وفضله علينا، أبى الله عز وجل للحق إلا إتماما وللباطل إلا زهوقا، وهو شاهد علي مما
أذكره، ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا اليوم الذي لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه
مختلفون، وإنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من
الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمة، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء
الله: يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى، بل
خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا، ثم بعث إليهم النبيين مبشرين
ومنذرين يأمرونهم بطاعته، وينهونهم عن معصيته، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم
ودينهم، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم
بالفضل الذي جعل لهم عليهم، وما أتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة
والآيات الغالبة، فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا، ومنهم من كلمه
تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا، ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه
والأبرص بإذن الله، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شيء، ثم بعث محمدا (صلى
الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمم نعمته وختم به أنبياءه، وأرسله إلى الناس كافة،
وأظهر من صدقه ما أظهر، وبين من آياته وعلاماته ما بين،
ص 385
ثم قبضه (صلى الله عليه وآله) حميدا فقيدا سعيدا، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن
عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام). ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا
بعد واحد، أحيى بهم دينه، وأتم بهم نوره، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم
والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بينا تعرف به الحجة من المحجوج والإمام من
المأموم، بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب، وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس
وجعلهم خزان علمه ومستودع حكمته وموضع سره وأيدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس
على سواء، ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد، ولما عرف الحق من الباطل ولا العلم من
الجهل، وقد ادعى هذا المبطل المدعي على الله الكذب بما ادعاه، فلا أدري بأي حالة هي
له رجا أن يتم دعواه في دين الله، فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ
وصواب، فما يعلم حقا من باطل ولا محكما من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ولا وقتها،
أم بورع فالله شهيد على تركه الصلاة الفريضة أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة (1)
ولعل خبره تأدى إليكم، وهاتيك طروق منكرة منصوبة وآثار عصيانه لله عز وجل مشهودة
قائمة، أم بآية فليأت بها أم بحجة فليعمها أم بدلالة فليذكرها قال الله عز وجل في
كتابه *(بسم الله الرحمن الرحيم، حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، ما خلقت
السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون،
قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات
ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين، ومن أضل ممن يدعوا من دون
الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا
لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين)*(2). فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما
ذكرت لك وامتحنه، وأسأله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة يبين حدودها وما يجب
فيها لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه، حفظ الله الحق على
أهله وأقره في مستقره، وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين إلا في الحسن
والحسين (عليهما السلام)، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل
وانحسر عنكم، وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية
(هامش)
1 - الشعبدة. 2 - سورة الأحقاف: الآيات 1 - 6. (*)
ص 386
وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وآل محمد (1). الثاني: من التوقيعات
وفيه: عن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل
فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز
على الله تعالى، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل. وقال آخرون: بل
الله عز وجل أقدر الأئمة على ذلك، وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك
تنازعا شديدا. قال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه
عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر (عج)، فرضيت الجماعة بأبي
جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله فكتبوا المسألة وأنفذوها، فخرج إليهم من جهته توقيع
نسخته: إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في
جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأما الأئمة فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق
ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم (2). الثالث: من التوقيعات وفيه: عن
أبي عمرو العمري، قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف وذكر
ابن أبي غانم أن أبي محمد مضى ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى
الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابهم بخطه (عليه السلام) وعلى آله
وآبائه: بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح
اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب، إنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين
وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا
فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد، ونحن
صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا، يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة
تنعكسون أوما سمعتم الله عز وجل يقول: *(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم)*؟ (3) أوما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون يحدث في
أئمتكم على الماضين والباقين منهم السلام؟ أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون
إليها وأعلاما تهتدون بها
(هامش)
1 - الإحتجاج: 468 احتجاج الحجة القائم (عليه السلام). 2 - الإحتجاج: 471 احتجاج
الحجة القائم (عليه السلام). 3 - النساء: 59. (*)
ص 387
من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي، كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم
طلع نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع بينه وبين خلقه؟ كلا ما
كان ذلك وما يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون، وإن الماضي مضى (عليه
السلام) سعيدا فقيدا على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل، وفينا وصيه
وعلمه ومنه خلفه ومن يسد مسده، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم ولا يدعيه دوننا إلا
كافر جاحد، ولولا أن أمر الله لا يغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقنا ما
نبتز منه لقولكم ويزيد شكوككم، ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب فاتقوا الله وسلموا
لنا وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما
غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة
على السنة الواضحة فقد نصحت، والله شاهد علي وعليكم. ولولا ما عندنا من محبة صاحبكم
ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا به من منازعة الظالم
العتل الضال المتتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض
الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وعليها لي أسوة حسنة
وسيردى الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، عصمنا الله وإياكم من
المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته، فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء،
وكان لنا ولكم وليا حافظا، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة
الله وبركاته، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما (1). الرابعة: من
التوقيعات فيه: عن الكافي عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رحمه
الله) أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا
صاحب الزمان (عج): أما ما سألت عنه - أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من
أهل بيتنا وبني عمنا - فاعلم أنه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني
وسبيله سبيل ابن نوح، أما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف، وأما الفقاع فشربه
حرام ولا بأس بالشلماب (2)، وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل
ومن شاء فليقطع، وما أتانا الله خير مما أتاكم.
(هامش)
1 - الإحتجاج: 466 إحتجاج القائم (عليه السلام). 2 - شراب يتخذ من الشيلم وهو
الزوان الذي يكون في البر يشبه الشعير، فيه تخدير نظير البنج. (*)
ص 388
وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله، وكذب الوقاتون، وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل
فكفر وتكذيب وضلال. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي
عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل
فإنه ثقتي وكتابه كتابي، وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه
ويزيل عنه شكه، وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر، وثمن المغنية
حرام، وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت، وأما أبو الخطاب
محمد بن أبي زينب الأجذع، فإنه ملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم فإني
منهم برئ وآبائي منهم براء، وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله
فإنما يأكل النيران، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور
أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث. وأما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به
فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا إلى صلة الشاكين، وأما علة ما وقع من الغيبة فإن
الله عز وجل يقول: *(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم
تسؤكم)*(1)، إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني
أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي
فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن
النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما
قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن
يعقوب وعلى من اتبع الهدى (2). الخامسة: من التوقيعات فيه: عن محمد بن إبراهيم بن
إسحاق الطالقاني قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) مع جماعة
منهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له: إني أريد أن أسألك عن شيء، فقال
له: سل عما بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) هو ولي
الله؟ قال: نعم.
(هامش)
1 - سورة المائدة: 101. 2 - لم أجده في الكافي وهو في البحار: 53 / 180 ح 10 عن
الكليني، وفي الإحتجاج: 469 احتجاج القائم (عليه السلام). (*)
ص 389
قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله هو عدو الله؟ قال: نعم. قال له الرجل: فهل يجوز أن
يسلط الله عز وجل عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: افهم ما أقول
لك: إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنه
جلت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم، ولو بعث إليهم رسلا من غير
صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم، وكانوا من جنسهم يأكلون
الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز
من أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم
المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق
جميع من طغى وتمرد، ومنهم من القي في النار فكانت عليه بردا وسلاما، ومنهم من أخرج
من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من العيون
وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى
الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له
القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك. فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق
من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل
أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وأخرى
مقهورين، ولو جعلهم الله عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم
يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء
والمحن والاختبار، ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة
والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع
أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم إلها هو خالقهم
ومدبرهم فيعبدونه ويطيعون رسله، وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى
لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل (عليهم السلام)
ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة. قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه
الله): فعدت إلى الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) في الغد وأنا أقول في
نفسي أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه، فابتدأني وقال: يا
ص 390
محمد بن إبراهيم لئن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق
أحب إلي من أن قول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن
الحجة صلوات الله وسلامه عليه (1). السادس: من التوقيعات في الإحتجاج مما خرج من
صاحب الزمان (عج) ردا على الغلات من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن
علي بن هلال الكرخي: يا محمد بن علي تعالى الله عز وجل عما يصفون، سبحانه وبحمده
ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه
تباركت أسماؤه *(قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)*(2) وأنا وجميع
آبائي من الأولين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب والحسنين (عليهم السلام) وغيرهم
ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري، عبيد لله
عز وجل، يقول الله عز وجل: *(من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة
أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك
اليوم تنسى)*(3). يا محمد بن علي قد أذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح
البعوضة أرجح منه فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيدا ورسوله محمدا
وملائكته وأنبياءه ورسله وأولياءه (عليهم السلام)، وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي
هذا أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب أو نشاركه في ملكه، أو
يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك
وبينته في صدر كتابي، وأشهدكم أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله
وأولياؤه، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا
يكتمه عن أحد من موالي وشيعتي، حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي، لعل الله
عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ولا
يبلغ منتهاه، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد
(هامش)
1 - غير موجود في الكافي، وهو في البحار: 44 / 273 ح 1 عن الكافي، والاحتجاج: 471
احتجاج القائم (عليه السلام) وعلل الشرائع: 1 / 243 ح 1 علة جعل الأنبياء أئمة باب
178. وكمال الدين: 509. 2 - سورة النمل: 65. 3 - سورة طه: 124 - 126. (*)
ص 391
أمرته به ونهيته عنه فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين (1).
السابعة: من التوقيعات فيه: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدس الله
سره في التعزية بأبيه (رحمه الله) في فصل من الكتاب: إنا لله وإنا إليه راجعون
تسليما لأمره ورضا بقضائه، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا فرحمه الله وألحقه بأوليائه
ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقربه إلى الله عز
وجل، نضر الله وجهه وأقاله عثرته. وفي فصل آخر: أجزل الله لك الثواب وأحسن لك
العزاء، رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، وكان من كمال
سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك تخلفه من بعده وتقوم مقامه بأمره وتترحم عليه،
وأقول: الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك
الله وقواك وعضدك ووفقك، وكان لك وليا وحافظا وراعيا وكافيا (2). الثامنة: من
التوقيعات فيه: إن أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد
(عليه السلام) ثم الحسن بن علي (عليه السلام)، وهو أول من ادعى مقاما لم يجعل الله
فيه من قبل صاحب الزمان (عج)، وكذب على الله وحججه ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما
هم منه براء، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من
أصحاب أبي محمد (عليه السلام)، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ففضحه الله
تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والقول بالتناسخ، وكان يدعي أنه رسول نبي
أرسله علي بن محمد ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإجابة (3) للخادم، وكان أيضا من
جملة الغلاة حمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمد (عليه
السلام)، ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان، فخرج التوقيع
بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه في جملة من لعن وتبرأ منه، وكذا كان
أبو طاهر محمد بن علي بن بلال والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني
المعروف بابن العزافري لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعا على يد
الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ونسخته:
(هامش)
1 - الإحتجاج: 473 احتجاج القائم (عليه السلام). 2 - الإحتجاج: 481 ذكر طرف مما خرج
أيضا عن صاحب الزمان (عليه السلام). 3 - بالإباحة للمحارم. (*)
ص 392
عرف - أطال الله بقاك وعرفك الله الخير كله وختم به علمك - من تثق بدينه وتسكن إلى
نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني، عجل الله
له النقمة ولا أمهله، قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادعى ما كفر
معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذبا وزورا وقال بهتانا وإثما عظيما، كذب العادلون
بالله وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا، وإنا برئنا إلى الله وإلى رسوله -
صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه - منه ولعناه، عليه لعائن الله تترى في
الظاهر منا والباطن، في السر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه
وتابعه وبلغه هذا القول منا فأقام على توليه بعده، وأعلمه تولاكم الله أننا في
التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من السريعي (1)
والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا
جميلة وبه نثق وإياه نستعين، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل (2). التاسعة: من
التوقيعات فيه: في ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب الزمان (عج) من المسائل الفقهية
وغيرها في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم (رحمهم الله): عن الزهري قال:
طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتى ذهب لي فيه مال صالح، فرفعت إلى العمري وخدمته
ولزمته، فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (عج) فقال: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت له فقال
لي: بكر بالغداة، فوافيته فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا، وفي
كمه شيء كهيئة التجار، فلما نظرت إليه دنوت إلى العمري فأومى إلي، فعدلت إليه
وسألته فأجابني عن كل ما أردت، ثم مر ليدخل الدار وكانت الدار التي لا يكترث بها
فقال العمري: إن أردت أن تسأل فاسأل فإنك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يستمع،
ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك
النجوم، ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم، ودخل الدار (3). العاشرة:
من التوقيعات وفيه: عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علي من
الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب
(هامش)
1 - في الغيبة: الشريعي. 2 - الغيبة للطوسي: 411 ح 384، والاحتجاج: 474 احتجاج
الحجة القائم (عليه السلام). 3 - الإحتجاج: 479 ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب
الزمان (عليه السلام). (*)
ص 393
الزمان (عج): أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فلئن كان كما
يقول الناس أن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف
الشيطان أفضل من الصلاة مثل صلاة الصبح، فصلها وأرغم الشيطان أنفه. وأما ما سألت
عنه من أمر الوقوف على ناحيتنا، وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه فكل ما لم يسلم
فصاحبه بالخيار، وكل ما سلم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو
استغنى عنه. وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا، ويتصرف فيه
تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد
قال النبي (صلى الله عليه وآله): المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني
ولسان كل شيء يجاب، فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا، وكانت عليه لعنة الله
لقوله عز وجل: *(ألا لعنة الله على القوم الظالمين)*(1) أما ما سألت عنه من أمر
المولود الذي نبتت غلفته بعدما يختن مرة أخرى، فإنه يجب أن يقطع غلفته، فإن الأرض
تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف أربعين صباحا. وأما ما سألت عنه من أمر المصلي
والنار والصورة والسراج بين يديه، هل تجوز صلاته؟ فإن الناس يختلفون في ذلك قبلك،
فإنه جايز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران يصلي والنار والصورة والسراج
بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن يكون من أولاد عبدة الأوثان والنيران (2). فأما ما سألت
من أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج وصرف ما يفضل
من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم؟ فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال
غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا، من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحل منا ما
حرم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئا فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا. وأما ما
سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلمها من قيم يقوم بها ويعمرها
ويؤدي من دخلها خراجها ومؤونتها، ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز
لمن جعل صاحب الضيعة قيما عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره. وأما ما سألت عنه
(هامش)
1 - سورة هود: 18. 2 - روحي فداه أحل الصلاة لغير أولاد عبدة النيران مع كراهية ذلك
كما هو مذكور في محله، وحرمه على من كان سابقا على دينهم أو انتسب إليهم من أجل رفع
الشبهة عنهم وخوفا من عودتهم إلى مثله. (*)
ص 394
من الثمار من أموالنا، يمر به المار فيتناول منه ويأكل، هل يحل له ذلك؟ فإنه يحل له
أكله ويحرم عليه حمله (1). الحادية عشرة: من التوقيعات فيه: عن أبي الحسن الأسدي
أيضا قال: ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سره) ابتداء
لم يتقدمه سؤال عنه، نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين على من استحل من أموالنا درهما. قال أبو الحسن (رحمه الله): فوقع في نفسي أن
ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل له، وقلت في نفسي
أيضا: إن ذلك في جميع من استحل محرما فأي فضل في ذلك للحجة على غيره؟ قال: فوالذي
بعث محمدا بالحق نبيا بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما
كان في نفسي نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على
من أكل من مالنا درهما حراما (2). الثانية عشرة: من التوقيعات فيه: أيضا مما خرج عن
صاحب الزمان من جوابات المسائل الفقهية أيضا مما سأله عنها محمد بن عبد الله الجعفر
الحميري فيما كتب إليه وهو: بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاك وأدام الله عزك
وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك
وفضله عندك وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك، الناس يتنافسون في الدرجات فمن
قبلتموه كان مقبولا ومن دفعتموه كان وضيعا، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك
وببلدك - أيدك الله - جماعة من الوجوه يتنافسون في المنزلة، وورد - أيدك الله -
كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة علي بن محمد بن الحسين المعروف
بملك بادوكه، وهو ختن (رحمه الله) من بينهم، فاغتم بذلك وسألني - أيدك الله - أن
أعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذنب فاستغفر الله منه وإن كان غير ذلك عرفته ما
تسكن نفسه إليه إن شاء الله. التوقيع: لم نكاتب إلا من كاتبنا وقد عودتني - أدام
الله عزك - من تفضلك ما أنت أهل أن تجريني على العادة وقبلك - أعزك الله - فقهاء
قالوا: إنا محتاجون إلى أشياء تسأل لنا عنها (3).
(هامش)
1 - الإحتجاج: 479. 2 - الإحتجاج: 480 وفيه: من استحل من أموالنا درهما. 3 -
الإحتجاج: 481 ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب الزمان. (*)
ص 395
روي لنا عن العالم (عليه السلام) أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت
عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه.
التوقيع: ليس على من نحاه إلا غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته
مع القوم (1). وروي عن العالم (عليه السلام) أن من مس ميتا بحرارته غسل يده، ومن
مسه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته فالعمل في
ذلك على ما هو، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه، فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع: إذا
مسه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده (2). وعن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح
في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة،
هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع:
إذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره (3).
وعن المرأة يموت زوجها يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟ التوقيع: تخرج في جنازته (4).
وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟ التوقيع: تزور قبر زوجها ولا تبيت
عن بيتها (5). وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها، أم لا تبرح من بيتها وهي في
عدتها؟ التوقيع: إذا كان حق خرجت فيه وقضته، وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر
فيها خرجت بها حتى تقضيها، ولا تبيت إلا في بيتها (6). وروي في ثواب القرآن في
الفرايض وغيرها أن العالم (عليه السلام) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته *(إنا
أنزلناه في ليلة القدر)* كيف تقبل صلاته. وروي: ما زكت صلاة لم يقرأ فيها *(قل
(هامش)
1 - الإحتجاج: 481. 2 - المصدر نفسه. 3 - المصدر نفسه. 4 - المصدر نفسه. 5 - المصدر
نفسه. 6 - المصدر نفسه. (*)
ص 396
هو الله أحد)* وروي أن من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ
الهمزة ويدع هاتين السورتين اللتين ذكرناهما مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة ولا
تزكو إلا بهما؟ التوقيع: الثواب في السور على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها
الثواب وقرأ *(قل هو الله أحد)* و*(إنا أنزلناه)* لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب
السورة التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ولكن يكون قد
ترك الفضل (1). وعن وداع شهر رمضان متى يكون فقد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول:
يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال. التوقيع:
العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع هو في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص
الشهر جعله في ليلتين (2). وعن قول الله عز وجل *(إنه لقول رسول كريم)*(3) أرسول
الله (صلى الله عليه وآله) المعني به؟ *(ذي قوة عند ذي العرش مكين)* ما هذه القوة؟
*(مطاع ثم أمين)* ما هذه الطاعة؟ وأين هي؟ ما خرج لهذه المسألة جواب، فرأيك - أدام
الله عزك - بالتفضل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل، وإجابتي عنها
منعما، مع ما يشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المتقدم ذكره بما
يسكن إليه ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضل علي بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا
والآخرة، فعلت مثابا إن شاء الله. التوقيع: جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا
والآخرة (4). الثالثة عشرة: من التوقيعات كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري أيضا
إليه عليه الصلاة والسلام في مثل ذلك: فرأيك - أدام الله عزك - في تأمل رقعتي
والتفضل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي ومننك علي، واحتجت - أدام
الله عزك - أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة
الثالثة، هل يجب عليه أن يكبر فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن
يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد. الجواب: إن فيه حديثين، أما أحدهما فإنه إذا
انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، وأما الآخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه
من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام،
(هامش)
1 - المصدر نفسه. 2 - الإحتجاج: 483. 3 - سورة الحاقة: 40. 4 - الإحتجاج: 483. (*)
ص 397
فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، وكذلك في التشهد الأول تجري هذا المجرى
وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا. وعن فص الجوهر، هل تجوز فيه الصلاة إذا كان
في إصبعه؟ الجواب: فيه كراهية أن يصلي فيه، وفيه إطلاق والعمل على الكراهية. وعن
رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه، وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى، فلما أراد نحر الهدي
نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثم ذكره بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟ الجواب: لا بأس
بذلك وقد أجزأ عن صاحبه. وعندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة
وينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ الجواب: لا بأس بالصلاة فيها.
وعن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح
أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد؟ الجواب: ما لم
يستو جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه بطلب الجمرة. وعن المحرم يرفع الظلال، هل يرفع
الخشب العمارية أو الكنيسية ويرفع الجناحين أم لا؟ الجواب: لا شيء عليه في تركه
ورفع الخشب. وعن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله
أن يبتل، فهل يجوز ذلك أم لا؟ الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم.
وعن الرجل يحج عن أحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا؟ وهل يجب
أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟ الجواب: قد يجزيه هدي واحد وإن لم
يفعل فلا بأس. وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟ الجواب: لا بأس بذلك وقد
فعله قوم صالحون. وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطبط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟
ص 398
الجواب: جائز. وعن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز
ذلك؟ الجواب: جائز. وعن الرجل يكون معه بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم، يحج ويأخذ على
الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق
فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟ الجواب: يحرم من
ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر. وعن لبس النعل
المبطون، فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريهة. الجواب: جائز، وذلك لا بأس به. وعن
الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته
وهو فيها إذ أدخل منزله وقد حضر طعامه، فيدعوني إليه فإن لم آكل من طعامه عاداني
عليه وقال: فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا، فهل يجوز أن آكل من طعامه وأتصدق
بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى
أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوكيل لا يرع، إن أخذ ما في يده، فهل علي فيه شيء إن
أنا نلت منها؟ الجواب: إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه
وأقبل بره وإلا فلا. وعن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة ويقول بالرجعة إلا أن له
أهلا موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها أن لا يتزوج عليها ولا يتمتع ولا يتسرى،
وقد فعل هذا منذ تسع عشرة سنة، وفى بقوله فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع ولا
تتحرك نفسه أيضا لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما
يقلله في أعينهم، ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلا إليها وصيانة لها
ولنفسه لا لتحريم المتعة، بل يدين الله بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟
الجواب: يستحب له أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الخلف في المعصية ولو مرة
(1).
(هامش)
1 - بطوله في الإحتجاج: 483 ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب الزمان في المسائل
الفقهية. (*)
ص 399
الرابعة عشرة: من التوقيعات في كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان
(عج) من جوابات مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة: وسأل عن المحرم يجوز
أن يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما إلى خاصرته
ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته، ويشد طرفيه إلى
وركيه فيكون مثل السراويل ويستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب
الرجل جمله يكشف ما هناك وهذا أستر. فأجاب: جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم
يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا إبرة، يخرجه به عن حد المئزر وغزره غزرا ولم يعقده
ولم يشد بعضه ببعض، وإذا غطى سرته وركبتيه علاهما، فإن السنة المجمع عليها بغير
خلاف تغطية السرة والركبتين، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة
المعروفة للناس جميعا إن شاء الله. وسأل: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟
فأجاب: لا يشد المئزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها. وسأل عن التوجه للصلاة أن يقول
على ملة إبراهيم (عليه السلام) ودين محمد (صلى الله عليه وآله)، فإن بعض أصحابنا
ذكر أنه إذا قال على دين محمد (صلى الله عليه وآله) فقد أبدع، لأنا لم نجده في شيء
من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم بن محمد عن جده عن الحسن بن راشد أن الصادق
(عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟ قال: أقول: لبيك وسعديك. فقال له الصادق (عليه
السلام): ليس عن هذا أسألك كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
مسلما؟ قال الحسن: أقوله. فقال له الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلك فقل على ملة
إبراهيم ودين محمد (صلى الله عليه وآله) ومنهاج علي بن أبي طالب (عليه السلام)
والائتمام بآل محمد (صلى الله عليه وآله) حنيفا مسلما وما أنا من المشركين. فأجاب:
التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى الله
عليه وآله) وهدى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وما أنا من المشركين إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين،
اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله
الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الحمد. قال الفقيه الذي لا يشك في علمه: إن الدين لمحمد
(صلى الله عليه وآله) والهداية لعلي أمير
ص 400
المؤمنين لأنها له (عليه السلام) وما في عقبه باقية إلى يوم القيامة، فمن كان كذلك
فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى. وسأله عن
القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي أن
الله عز وجل أجل من أن يرد يدي عبده صفرا، بل يملأها من رحمته أم لا يجوز فإن بعض
أصحابنا عمل في الصلاة؟ فأجاب: رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في
الفرائض، والذي عليه العمل فيه إذا أرجع يده في قنوت الفريضة، وفرغ من الدعاء أن
يرد بطن راحته على تمهل ويكبر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون
الفرائض والعمل به فيها أفضل. وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإن بعض أصحابنا ذكر
أنها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة، وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد
الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب: سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها،
ولم يقل أن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة، فأما الخبر مروي
فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء
والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة
دعاء وتسبيح، والأفضل أن تكون بعد الفرض فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز. وسأل أن
لبعض إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خرابة، للسلطان فيها حصة، واكرته (1)
ربما زرعوا حدودها، ويؤذيهم عمال السلطان ويتعرض في الكل من غلات الضيعة، وليس لها
قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرج من شرائها، لأنه يقال إن هذه
الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان
وكان ذلك صوابا كان ذلك صلاحا له وعمارة بالضيعة، فإنه يزرع هذه الحصة من القرية
البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة وينحسم عنه طمع أولياء السلطان وإن لم يجز ذلك عمل
بما تأمره.
(هامش)
1 - عماله. (*)