الملل والنحل : الخلاف الثاني في مرضه ، انه قال : جهّزو جيش اسامة ، لعن الله من تخلف عنها ، فقال قوم : يجب علينا امتثال امره ، واسامة قد برز من المدينة ، وقال قوم : قد اشتد مرض النبي عليه السلام فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحالة هذه ، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره (1) .
أقول : قال الله تعالى ـ وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى . وقال تعالى ـ قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم ان اتبع الا ما يوحى اليّ . فمخالفته قولا أو عملا تكشف عن ضعف الايمان بل عن النفاق ، ولا سيما مع هذا التأكيد الأكيد واللعن الصريح على المخالفة . ولا يبعد أن يكون هذا التجهيز المأمور به من جانب الله تعالى في هذا الموقع المخصوص لأميرين أو لأمور مهمة .
منها ـ أن يتوجه المهاجرون والأنصار في آخر ساعة من حياة النبي « ص » إلا أن الخلافة والإمارة الإلهية لا ربط لها بالعناوين الظاهرية ، من المال والمقام والكهولة ، وقد أمّر أسامة بن زيد وهو ابن عشرين سنة على جميع المهاجرين والأنصار ، ومنهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .
ومنها ـ أن يخرج رؤوس المهاجرين والأنصار من المدينة حين وفاة النبي « ص » ، حتى يمكن اجراء نظره واعمال وصيته في علي اميرالمؤمنين ، حبيب الله وحبيب رسوله ، ولكن تدبير المخالفين في هذه المرتبة الثانية أيضا قد
1 ـ الملل والنحل ج 1 ص 14 .
137
منع عما يريده رسول الله « ص » من اجراء نيته .
تهذيب ابن عساكر : فقال رجال من المهاجرين ، وكان اشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، فكثرت القالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول فرده على من تكلم به ، وجاء الى رسول الله « ص » فأخبره بقول من قال ، فغضب رسول الله « ص » غضبا شديدا فخرج وقد عصب رأسه بعصابة وعليه قطيفة ، ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : أما بعد ، أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة ، فو الله لئن طعنتم في إمارتي اسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله ، وأيم الله ان كان للامارة لخليق وان ابنه من بعده لخليق بالإمارة ، وإن كان لأحب الناس اليّ ، وان هذا لمن أحب الناس اليّ ، وإنهما لمُخبآن لكل خير ، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ، ثم نزل رسول الله « ص » ، فدخل بيته وذلك يوم السبت ... وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع اسامة يودعون رسول الله « ص » وفيهم عمر بن الخطاب ، ورسول الله « ص » يقول : أنفذوا بعث أسامة (1) .
أقول : اللهم العن من تخلف عن جيش اسامة كما لعنهم رسول الله « ص » ، اللهم إنا نتبرّأ ممن اعترضوا على رسول الله « ص » وأغضبوه ، وطعنوا في تأميره وخالفوا أمره ، ولم يطيعوه ولم يسلموا إليه ولم يتجهّزوا ولم يسرعوا السير في حياته .
البخاري ومسلم : باسناده عن ابن عمر : بعث رسول الله « ص » بعثا وأمّر عليهم اسامة بن زيد ، فطعن الناس في إمرته فقام رسول الله « ص » فقال : ان تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل ، وأيم الله ان كان لخليقا للإمرة ، وإن كان لمن أحب الناس الي ، وإن هذا لمن أحب الناس اليّ بعده (2) .
ويروى مسلم ايضا : قريبا منها بسند آخر ، وفيها : فاوصيكم به فإنه من صالحيكم .
1 ـ تهذيب ابن عساكر ج 1 ص 120 .
2 ـ البخاري ج 2 ص 187 ومسلم ج 7 ص 131 .
138
ويروى مسند أحمد : قريبا منها (1) .
الطبقات : فلما أصبح يوم الخميس عقد لاسامة لواءا بيده ، ثم قال : اُغزُ بسم الله وفي سبيل الله فقاتِل من كفر بالله ! فخرج بلوائه معقودا فدفعه الى بُريدة أبن الحُصيب الأسلمي وعسكر بالجُرف ، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار الا انتُدِب في تلك الغزوة ، فيهم ابوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وابو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ... فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، فغضب رسول الله « ص » غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ، فصعد المنبر ... ثم نزل فدخل بيته ، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول ، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع اسامة يودّعون رسول الله « ص » ويمضون الى العسكر بالجُرف ، وثقل رسول الله « ص » فجعل يقول : أنفذوا بعث اسامة ، فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله « ص » وجعه ، فدخل اسامة من معسكره والنبي مغمور ، وهو اليوم الذي لدّوه فيه ، فطأطأ اسامة فقبله ورسول الله « ص » لا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعهما على اسامة ، قال : فعرفت انه يدعو لي ، ورجع اسامة الى معسكره ، ثم دخل يوم الأثنين وأصبح رسول الله « ص » مفيقا صلوات الله عليه وبركاته ، فقال له : اغد على بركة الله فودّعه اسامة وخرج الى معسكره فأمر الناس بالرحيل ، فبينا هو يريد الركوب اذا رسول الله امه ـ أم ايمن قد جاءه يقول : ان رسول الله « ص » يموت ! فأقبل واقبل معه ابو عبيدة فانتهوا الى رسول الله « ص » وهو يموت فتوفى « ص » حين زاغت الشمس يوم الاثنين لا ثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجُرف الى المدينة ... الخ (2) .
ويروى أيضا : إن النبي « ص » بعث سرية فيهم ابو بكر وعمر واستعمل عليهم
1 ـ مسند أحمد ج 2 ص 106 .
2 ـ الطبقات ج 2 ص 190 .
139
اسامة بن زيد ، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره ... الخ (1) .
ويروى أيضا : ثم قال : أيها الناس أنفذوا بعث اسامة فلعمري ان قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ، وإنه لخليق للإمارة وان كان أبوه لخليقا لها ، قال : فخرج جيش اسامة حتى عسكروا بالجُرف وتتام الناس إليه فخرجوا ... الخ (2) .
أقول : الجُرف بالضم على ثلاثة اميال من المدينة نحو الشام . ولدّ الدواء : صبّه في أحد شقّي الفم .
ويروى أيضا : فخطب أبو بكر اناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : والله لأن تخطفني الطير أحب اليّ من أن ابدأ بشيء قبل أمر رسول الله « ص » ، قال : فبعثه أبو بكر الى آبل واستأذن لعمر أن يتركه عنده ، قال : فأذن اسامة لعمر ... الخ (3) .
انساب الأشراف : وكان رسول الله « ص » قد رأى توجيه اسامة بن زيد في سرية الى الذين حاربهم أبوه يوم مؤتة وأمره أن يوطئهم الخيل ، وعقد له لواء وضم اليه ابابكر وعمر فيمن ضم ، فمرض « ص » قبل أن ينفذ الجيش ، فأوصى بانفاذه فقال : أنفذوا جيش اسامة فلما استخلف أبوبكر أنفذه ، وكلّمه في عمر لحاجته إليه (4) .
أقول : إن كان مراده من قوله « فأوصى بانفاذه » الوصية بالانفاذ بعد رحلته وموته : فهذا خلاف ما ثبت ونقل في الكتب المعتبرة بل وغير المعتبرة أيضا ، وقد مر في الطبقات قوله : وأصبح رسول الله « ص » مفيقا فقال له : اُغدُ على بركة الله فودّعه اسامة وخرج الى معسكره فأمر الناس بالرحيل . وان كان مراده من الوصية : الأمر بالأنفاذ وحركة الجيش بالفور ومن غير تأخير ، وهو الصريح من
1 ـ الطبقات ج 2 ص 249 .
2 ـ نفس المصدر ج 4 ص 68 .
3 ـ نفس المصدر ج 4 ص 67 .
4 ـ انساب الأشراف ج 1 ص 384 .
140
التاريخ والرواية : فكيف يجوز للجيش التهاون والتراخي والتسامح ومخافة امر الرسول ، مع أنه لا ينطق عن الهوى ولا يجوز مخالفته وعصيانه .
ويروى أيضا : عن ابن عباس خرج رسول الله « ص » عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، وكان الناس قد تكلموا في أمره حين أراد توجيههم الى مُؤتة ، فكان أشدهم قولا في ذلك عياش بن أبي ربيعة ، فقال : أيها الناس أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمرته لقد قلتم في إمرة أبيه من قبله ولقد كان أبوه للإمارة خليقا ، وإنه لخليق بها . وكان في جيش اسامة أبو بكر وعمر ووجوده من المهاجرين والأنصار « رض » وخرج فعسكر بالجُرف . فلما قبض رسول الله « ص » واستخلف ابو بكر ، أتى أسامة فقال له : قد ترى موضعي من خلافة رسول الله « ص » وأنا الى حضور عمر ورأيه محتاج ، فأنا أسألك تخليفه ! ففعل (1) .
تهذيب ابن عساكر : فشقّ ذلك على كبار المهاجرين الأولين ودخل على ابي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ، فقالوا : يا خليفة رسول الله ان العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وأنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئا ، اجعلهم عدة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم ، واخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء ، ولو تأخرت لغزو الروم ... فقال : والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث ، ولا بد أن يؤوب منه ، كيف ورسول الله « ص » ينزل عليه الوحي من السماء يقول : أنفذوا جيش أسامة ، ولكن خصلة أكلّم بها أسامة ، أكلمه في عمر يقيم عندنا فإنه لا غنى بنا عنه والله ما أدري يفعل أسامة أم لا (2) .
أقول : والعجب من قول أبي بكر حيث يعترف بأن رسول الله « ص » ينزل عليه الوحي من السماء ، ومع هذا تخلف عن الجيش في زمان حياة رسول الله « ص » ثم يكلم في عمر ايضا حتى يقوم عنده ويتخلف عن الجيش ، وقال الله تعالى ـ اطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون . ويقول ـ ومن يُطع الله ورسوله
1 ـ نفس السابق ص 474 .
2 ـ تهذيب ابن عساكر ج 1 ص 122 .
141
فقد فاز فوزا عظيما . ويقول ـ وان تُطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين . ويقول ـ ومن يُطع الرسول فقد ويقول ـ أن اتبع الا ما يوحى اليّ وما أنا إلا نذير مبين . ويقول ـ قل ما يكون لي أن ابدّله من تِلقاء نفسي أن أتبع الا ما يوحى اليّ إني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم . فياللعجب ان رسول الله « ص » يخاف من العذاب الشديد اذا عصى الوحي ، فكيف ابوبكر وعمر وابوعبيدة وآخرون من المهاجرين ، لم يخافوا في خلافهم وعصيانهم وتساهلهم في الوظيفة المعينة والعمل المتعين المأمور به من الله ورسوله ! وكيف رضوا بالتألم الشديد والايذاء لرسول الله « ص » في آخر ايام من حياته !
يقول في امتاع الأسماع : وعقد يوم الخميس لأسامة لواءا بيده وقال : يا اسامة اغزُ بسم الله وفي سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تعذروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تمنّوا لقاء العدو ... فخرج اسامة فدفع لواءه الى بُريدة بن الحُصيب ، فخرج به الى بيت اسامة وعسكر بالجُرف ، وخرج الناس ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين الا انتُدِب في تلك الغزوة ، كعمر بن الخطاب وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص وأبي الأعور سعيد بن زيد ، في رجال آخرين ، ومن الأنصار عدة مثل قتادة بن النعمان وسلمة بن اسلم ، فقال رجال من المهاجرين وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة ... ثم نزل « ص » فدخل بيته ، وذلك يوم السبت ... الرواية (1) .
1 ـ امتاع الأسماع ج 1 ص 536 .
142
>الملل والنحل : الخلاف الثالث في موته عليه السلام ، قال عمر بن الخطاب : من قال أن محمدا مات ؛ قتلته بسيفي هذا ، وإنما رُفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السلام ، وقال أبوبكر بن قحافة : من كان يعب محمدا فإن محمدا قد مات ومن يعبد إله محمد فإنه حي لا يموت ، وقرأ هذه الآية : وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم 3|144 فرجع القوم الى قوله ، وقال عمر : كإني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبوبكر (1) .
أقول : هذه فتنة اخرى ثالثة ، ظهرت حين رحلة رسول الله « ص » ، وهل كان هذا القول تدبيرا آخر حتى يصرف الناس عن التوجه الى موته ، والإقبال الى أهل بيته الى أن يتعين الخليفة ؟ او كان منشأه الاشتباه والجهالة بموت النبي « ص » ؟
والظاهر أنه مستند الى علل اخرى ، فإن الحكم بأن عمر كان غافلا وجاهلا بهذا الموضوع في غاية البعد . واعجب منه قوله : من قال ان محمدا مات قتلته بسيفي هذا .
مسند أحمد : عن انس ، فقام عمر فقال : ان رسول الله لم يمت ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى ، فمكث عن قومه اربعين ليلة ، والله إني لأرجو أن يعيش رسول الله « ص » حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون ان رسول الله « ص » قد مات (2) .
1 ـ الملل والنحل ج 1 ص 15 .
2 ـ مسند أحمد ج 3 ص 196 .
143
تاريخ الطبري والسيرة النبوية : لما توفي رسول الله « ص » قام عمر بن الخطاب فقال : ان رجالا من المنافقين يزعمون ان رسول الله « ص » قد توفى ، وان رسول الله « ص » مامات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه اربعين ليلة ثم رجع اليهم بعد ان قيل قد مات ، ووالله ليرجعن رسول الله « ص » كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا ان رسول الله « ص » مات ، قال وأقبل ابوبكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ... قال عمر : والله ما هو الا ان سمعت أبا بكر تلاها ، فعُقرت حتى وقعت الى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله « ص » قد مات (1) .
ويقول في السيرة : عن ابن عباس : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته ... فقال يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله « ص » ؟ قال : قلت : لا أدري يا أميرالمؤمنين أنت أعلم ! قال : فإنه والله إن كان الذي حملني على ذلك الا اني كنت أقرأ هذه الآية « وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا » فوالله ان كنت لأظن ان رسول الله « ص » سيبقى في امته حتى يشهد عليها بآخر اعمالها (2) .
أقول : هذا الاعتذر أسوء وأقبح من الخطأ الأول لأنه يلزم أيضا على هذا التفسير : طول بقاء الأمة حتى يكونوا شهداء على الناس ، بل يجب كونهم موجودين من اول القرون الى آخرها ، مع أن الخطاب في قوله تعالى « عليكم » لا يختص بالمشافهين الموجودين ، بل يعم جميع المسلمين الى يوم القيامة .
والمراد من الشهادة الإحاطة والتوجه الرواحاني لا الجسماني .
سنن الدارمي : فقام عمر فقال : ان رسول الله « ص » لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى ، والله لا يموت رسول الله « ص » حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم ، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزبَد شِدقاه بما يوعد ويقول ، فقام العباس
1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 197 ، والسيرة النبوية ج 4 ص 305 .
2 ـ السيرة النبوية ج 4 ص 312 .
144
فقال : أن رسول الله « ص » قد مات وأنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر ، أي قوم فادفنوا صاحبكم فإنه اكرم على الله من ان يُميته إماتتين ! أيُميت أحدكم أماته ويُميته اماتتين ! وهو أكرم على الله من ذلك ، أي قوم فادفنوا صاحبكم ، فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث التراب ... الخ (1) .
أقول : يعلم من ذلكأن من قام وخطب بعد عمر هو العباس لا أبوبكر .
الطبقات : ويروى قريبا من الدارمي (2) .
ويروى أيضا : عن عائشة لما توفي رسول الله « ص » استأذن عمر والمغيرة بن شعبة فدخلا عليه فكشفا الثوبعن وجهه ، فقال عمر : واغشيا ما أشد غشي رسول الله « ص » ، ثم قاما فلما انتهيا الى الباب قال المغيرة : يا عمر مات والله رسول الله « ص » فقال عمر : كذبت ما مات رسول الله « ص » ، ولكنك رجل تحوشك فتنة ولن يموت رسول الله « ص » حتى يفني المنافقين ، ثم جاء أبوبكر وعمر يخطب الناس فقال له ابوبكر : اسكت ... الخ (3) . « الحوش : الجمع والسوق » .
ويروى ايضا : عن أبي هريرة : دخل ابوبكر المسجد وعمر بن الخطاب يكلم الناس ، فمضى حتى دخل بيت النبي « ص » الذي توفي فيه وهو في بيت عائشة ، فكشف عن وجه النبي « ص » برد حبرة كان مسجى به ، فنظر الى وجهه ثم اكبّ عليه فقبّله فقال : بأبي أنت والله لا يجمع الله عليك الموتتين ، لقدمت الموتة التي لا تموت بعدها ثم خرج ابوبكر الى الناس في المسجد وعمر يكلمهم فقال أبوبكر : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فكلمه أبوبكر مرتين أو ثلاثا فلما أبى عمر أن يجلس قام أبوبكر فتشهد ، فأقبل الناس اليه وتركوا عمر ... الخ (4) .
1 ـ سنن الدارمي ج 1 ص 39 .
2 ـ الطبقات ج 2 ص 266 .
3 ـ الطبقات ج 2 ص 267 .
4 ـ نفس المصدر ص 268 .
145
ويروى ايضا : عن عائشة ان النبي « ص » مات وابوبكربالسُنح ، فقام عمر فجعل يقول : والله مامات رسول الله « ص » ... الخ .
أقول : يعلم من ذلك أن من قام وخطب بعد عمر هو العباس لا أبوبكر .
الأول ـ من معارف بعضهم : أن النبي « ص » مامات ، وأن من يعتقد موته فهو منافق ، ثم يرجع النبي « ص » ويقطع يديه ورجليه .
الثاني ـ ومن أحاطته بالقرآن الكريم وآياته : انه يقول والله ما هو الا أن سمعت ابابكر تلاها « أي تلى آية ـ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم » ، ويقول ـ في حديث الطبقات عن أبي هريرة ـ والله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية انزلت .
الثالث ـ ومن علومه في التفسير : أنه يزعم أن مقتضى آية « لتكونوا شهدا على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا » هو ادامة حياة رسول الله « ص » ليكون شهيدا على الأمة ، شهادة حسية خارجية .
الرابع ـ ومن إطلاعاته التاريخية : انه يزعم أن موسى بن عمران عُرج بروحه وبقى جسده خاليا عن الروح مدة اربعين يوما ثم رجع روحه الى جسده ـ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ... الآية .
الخامس ـ ومن تشخيصاته الطبية المزاجية : أنه زعم بعد كشف الثوب عن وجه رسول الله « ص » أنه مامات بل غُشي عليه .
السادس ـ ومن فتاويه الفقهية : أنه زعم أن رسول الله يرجع ويقطع أرجل وأيدي من يدّعي موته .
السابع ـ ومن شدة محبته وعلاقته لرسول الله « ص » : أنه بعد أن علم موته وأيقن رحلته ، أعرض عنه وعن تجهيزاته وتوجه مع أبي بكر والجراح الى سقيفة بني ساعدة لتعيين السلطان .
الثامن ـ وليعلم أن هذه المراتب بعد أربعة ايام من قوله أن النبي ليهجر وكفانا كتاب الله .
التاسع ـ يظهر منها أنه وكذلك ابوبكر ما كانا حاضرين عند
146
رسول الله « ص » حين ما حضر ثم جاءا بعد رحلته .
وفي ذيل رواية الطبقات عن عائشة : فنشج الناس يبكون « بعد كلام أبي بكر » واجتمعت الأنصار الى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا منا أمير ومنكم أمير ، فذهب اليهم ابوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فاسكته ابوبكر ، فكان عمر يقول : والله ما اردت بذلك الا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه ابوبكر ... الخ (1) .
ويروى أيضا : عن انس أنه سمع عمر بن الخطاب الغد ؛ حين بويع ابوبكر في مسجد رسول الله « ص » ، واستوى ابوبكر على منبر رسول الله « ص » ، واستوى ابوبكر على منبر رسول الله « ص » : تشهد قبل أبي بكر ثم قال : أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة لم تكن كما قلت ، وإني والله ما وجدتها في كتاب أنزله الله ولافي عهد عهده اليّ رسول الله « ص » ، فقال كلمة يريد حتى يكون آخرنا ، فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هُدي له رسول الله « ص » (2) .
اقول : كان رسول الله « ص » يقول كرارا ـ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ولكن عمر بن الخطاب لا يذكر اسما من العترة .
أو لا يتذكر عمر بن الخطاب أن كتاب الله يحتاج الى مبيّن وعالم بحقائقه وظواهره وبواطنه ؟ أو لا يتذكر قول رسول الله « ص » لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ؟ أو لا يتذكر قوله « ص » : من كنت أنا وليه فعلي وليه اللهم انصر من نصره واخذل من خذله ؟ أو لا يتذكر قوله « ص » لعلي : أنت ولي كل مؤمن بعدي وأنت مني وأنا منك ؟ أو لا يتذكر قوله « ص » : مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ؟
وسيجيء تفصيل الكلام في الفتن الآتية .
* * *
1 ـ الطبقات ج 2 ص 268 .
2 ـ نفس المصدر ص 271 .