الملل والنحل : الخلاف الخامس في الامامة واعظم خلاف بين الامة خلاف الامامة ، اذ ما سُلّ في السيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الامامة في كل زمان ، وقد سهّل الله تعالى ذلك في صدر الأول ، فماختلف المهاجرون والأنصار فيها ، وقالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير ، واتفقوا على رئيسهمسعد بن عبادة الأنصاري فاستدركه ابوبكر وعمر في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة ، وقال عمر : كنت ازوّر في نفسي كلاما في الطريق ، فلما وصلنا الى السقيفة اردت ان أتكلم ، فقال أبوبكر : مه يا عمر ! فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما كنت اقدّره في نفسي كأنه يخبر عن غيب ، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي اليه فبايعته وبايعه الناس ، وسكنت النائرة ، الا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ؛ فمن عاد الى مثلها فاقتلوه ، فأيما رجل بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين تغرّة أن يُقتلا ، وإنما سكنت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي عليه السلام « الأئمة من قريش » . وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة ، ثم لما عاد الى المسجد انثال الناس عليه وبايعوه عن رغبة ، سوى جماعة من بني هاشم وابي سفيان من بني امية ، واميرالمؤمنين عليّ كرم الله وجهه كان مشغولا بما أمره النبي « ص » من تجهيزه ودفنه وملازمته قبره ، من غير منازعة ولا مدافعة (1) . أقول : في هذا الكلام موارد للنظر والتحقيق :
1 ـ الملل والنحل ج 1 ص 16 .
148
1 ـ جريان السقيفة : من اتفاق الأنصار على سعد ، واستدراك أبي بكر وعمر في الحال ، وتزوير عمر في الكلام ، وذكر أبي بكر ما كان يُزوره ، ومد عمر يده للبيعة قبل كلام الأنصار ، وكون بيعته فلتة ومن عاد الى مثلها فيجب قتله ، ولزوم كون البيعة مع مشورة المسلمين .
2 ـ استدلال أبي بكر في مقاله ودعواه : بحديث « الأئمة من قريش وسكوت الأنصار في مقابل هذا الكلام . ويؤيده قول اميرالمؤمنين « ع » : استدلوا بالشجرة واضاعوا الثمرة .
3 ـ قوله : وبايعوه عن رغبة ؛ اشارة الى أن بيعة السقيفة كانت لاعن رغبة بل بالاستدراك والتزوير ومد اليد وبالفلتة .
4 ـ قوله : سوى جماعة من بني هاشم وأبي سفيان .
5 ـ قوله وكان اميرالمؤمنين مشغولا بما أمره النبي « ص » . الفائق : الحباب رضي الله عنه قال يوم سقيفة بني ساعدة حين اختلف الأنصار في البيعة ـ أنا جُذيلها « بصيغة التصغير » المحكك وعُذيقها المرجّب منا امير ومنكم امير (1) . الجِذل « بالكسر » : عود ينصب للابل الجَربى تَحتك به فتستشفى . والمُحكك الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مُملّسا . والعَذق بالفتح النخلة . والمرجب : المدعوم بالرجبة ، وهي خشبة ذات شعبتين وذلك اذا طال وكثر حمله . والمعنى اني ذو رأي يشفي بالاستضاءة به كثيرا في مثل هذه الحادثة وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي امثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل . الفائق : قال عمر بن الخطاب لأبي عبيدة : ابسط يدك لاُبايعك ، فقال : ما رأيت منك ، أو ما سمعت منك فهّة في الاسلام قبلها ، أتُبايعني وفيكم الصديق ثاني اثنين (2) . قال الزمخشري : فهّ الرجل فهّة اذا جاءت منه سقطة أو جهلة . ويروى : قال ابوبكر يوم سقيفة بني ساعدة : منا الأمراء ومنكم الوزراء ،
1 ـ الفائق ج 1 ص 181 .
2 ـ الفائق ج 2 ص 305 .
149
والأمر بيننا وبينكم كقد الأبلمة . فقال حباب بن المنذر : أما والله لا نفس أن يكون لكم هذا الأمر ، ولكننا نكره أن يلينا بعدكم قوم قتلنا آباءهم وابناءهم . وقال الحباب ايضا :
أنا الذي لا يصطلى بنــاره
ولا ينام الناس من سُعاره (1)
وقال الزمخشري : القد هو القطع طولا . والأبلمة خوصة المقل ، وهي اذا شقت تساوى شقاها . ولا يصطلي بناره : مثل فيمن لا يتعرض لحربه . والسعار حر السعير . أقول : هذا الكلام صريح في رضا أبي بكر بوزارة الأنصار وتقسيم الأمر بين المهاجرين والأنصار على التساوي كقدّ الأبلمة . تاريخ الطبري : ثم قال ابوبكر : إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة ، ... فقام عمر فقال : ايكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدّمهما النبي « ص » ، فبايعه عمر وبايعه الناس . فيقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع الا عليا . ويروى : فقال سعد : صدقت ، فنحن الوزراء وأنت الأمراء ، فقال عمر : ابسط يدك يا ابابكر فلاُبايعك ، فقال ابوبكر : بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني ، وكان عمر أشد الرجلين ، قال ، وكان كل واحد منها يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر وقال : أن لك قوّتي مع قوّتك ، فبايع الناس واستثبتوا للبيعة ، وتخلف عليّ والزبير واخترط الزبير سيفه وقال لا اغمُدُه حتى يبايع عليّ ، فبلغ ذلك ابابكر وعمر فقال عمر : خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر ! قال : فانطلق اليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال : لتُبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان فبايعا (3) . ويروى : قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد ؛ فإني أريد أن أقول
1 ـ الفائق ج 2 ص 321 .
2 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 198 .
3 ـ نفس المصدر ص 199 .
150
مقالة قد قُدّر أن أقولها ... ثم أنه بلغني أن قائلا يقول : لو قد مات اميرالمؤمنين بايعت فلانا ، فلا يغرّن امرءا أن يقول أن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها وليس منكم من تقطّع اليه الأعناق مثل أبي بكر ، وأنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه « ص » ، ان عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة ، وتخلفت عنا الأنصار بأسرها واجتمع المهاجرون الى ابي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمّهم فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدرا ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد اخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا : فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم ، فقلنا : والله لنأتينهم ، قال : فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ، قال واذا بين أظهرهم رجل مزّمل ، قال قلت : من هذا ؟ قالوا سعد بن عبادة ، فقلت ما شأنه ؟ قالوا : وجع ، فقام رجل منهم فحمد الله وقال : أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا وقد دفّت الينا من قومكم دافة ، قال : فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر وقد كنت زوّرت في نفسي مقالة اقدّمها بين يدي أبي بكر ، وقد كنت أداري منه بعد الحد ، وكان هو أوقر مني وأحلم ، فلما أردت أن أتكلم قال : على رسلك ، فكرهت أن أعصيه ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت الا قد جاء به أو بأحسن منه ، وقال : أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلا الا وأنتم له أهل ، وأن العرب لا تعرف هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش وهم أوسط دارا ونسبا ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ... فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : أنا جُذيلها ... فارتفعت الأصواب وكثر اللغط ، فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر : أبسط يدك أبايعك (1) .
كذا في مسند أحمد باختلاف (2) .
1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 200 .
2 ـ مسند أحمد ج 1 ص 55 .
151
أقول : يظهر من هذا الكلام أن الأنصار بأجمعهم ومن بني هاشم من تخلفوا في بيت فاطمة « ع » كانوا مخالفين لبيعة أبي بكر ، أما الأنصار فبايعوا بعد أو وقعت الاختلافات الشديدة وارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، وبنو هاشم فبايعوا بعد مدة مكرهين . ويروى : فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمدا ... فخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والايمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم اياهم ، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم واجماع قومهم عليهم ، فهم اول من عبدالله في الأرض وآمن بالله وبالرسول ، وهم اولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك الا ظالم ، وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الاسلام ، رضيكم الله انصارا ... فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تفتاتون بمشورة ولانقتضي دونكم الأمور ، قال : فقام الحباب بن المنذر فقال : يا معشر الأنصار املكوا عليكم امركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجتريء مجتريء على خلافكم ولن يصدر الناس الا عن رأيكم ... فمنا أمير ومنهم أمير ، فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب أن يومّروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تُولي امرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى من العرب المحجة الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا يُنازعنا سلطان محمد وامارته ونحن اولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل ... فقام الحباب بن المنذر فقال : يا معشر الأنصار املكوا على ايديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين ، أنا جُذيلها ... فقال عمر : اذا يقتلك الله ، قال : بل اياك يقتل ! فقال ابو عبيدة : يا معشر الأنصار أنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدّل وغيّر ، فقام بشير بن سعد فقال : يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا
152
اولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به الا رضى ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا ينبغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي المنة علينا بذلك ، ألا ان محمدا « ص » من قريش وقومه أحق به واولى ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم . فقال أبوبكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا ! فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين اذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين ، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك ، أبسط يدك نبايعك ؟ فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما اليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد عققت عقاق ما أحوجك الى ما صنعت ، أنفست على ابن عمك الإمارة فقال : لا والله ولكني كرهت أن انازع قوما حقا جعله الله لهم ، ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعبد بن عبادة : قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا ابدا ، فقوموا فبايعوا ابابكر ! فقاموا اليه فبايعوه . فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجمعوا له من أمرهم ، ... فأقبل الناس من كل جانب يبايعون ابابكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعدا لا تطؤه فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت ان اطأك حتى تندر عضوك ، فأخذ سعد بلحية عمر فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، فقال أبوبكر : مهلا يا عمر الرفق هيهنا ابلغ ، فاعرض عنه عمر ، وقال سعد : أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في اقطارها وسككها زئيرا يحجرك واصحابك ، أما والله اذا لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع . احملوني من هذا المكان ! فحملوه فأدخلوه في داره ، وتُرك اياما ثم بُعث إلييه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك ! فقال أما والله حتى
153
أرميكم بما في كنانتي من نبلي واُخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، واقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي ... فلما اُتي ابوبكر بذلك قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع ، فقال له بشير بن سعد : أنه قد لج وأبى وليس بمُبايعكم حتى يُقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد ، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم (1) . أقول : فيما نقل عن الطبري موارد للدقة والاعتبار والتدبر .
1 ـ قول أبي بكر ـ قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ بل أنت يا عمر فأنت أقوى مني ـ وان العرب لا تعرف هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش ـ ولكن قد رضيت لكم أحد هذين فبايعوا أيهما شئتم ؛ فيها دلالة على أن الأمر قد تحقق بالانتخاب والتدبير ، لا بالنص والوصية .
2 ـ قولهم : ـ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ـ فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم ـ كنت زوّرت في نفسي أن أتكلم به الا قد جاء به ـ لا تفتاتون بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور ـ فمنا أمير ومنهم أمير ـ ولكن العرب لا تمتنع ان تولي امرها من كانت النبوة فيهم ـ فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ؛ فيها دلالة على أن الاختلاف انما كان في الحكومة والخلافة الظاهرية للمسلمين . وليس من مقامات العلم والمعرفة والروحانية والحقيقة ذكر فيما بينهم .
3 ـ قولهم : ـ فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع الا عليا ـ وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتى يبابع علي ـ ان عليا والزبير تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار بأسرها ؛ فيها دلالة على ان لعلي « ع » حقا ثابتا ومقاما محرزا معلوما عندهم ، وليس ذلك الا بوصية رسول الله « ص » وقوله وبالأحاديث الواردة منه . عقد الفريد : فقال حباب بن المنذر : منا أمير منكم أمير ، فإن عمل المهاجريّ
1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 208 .
154
في الأنصاري شيئا رد عليه وان عمل الأنصاري في المهاجري شيئا رد عليه ، وان لم تفعلوا فأنا جُذيلها المحكك وعُذيقها المرجب لنُعيدنّها جذعة . قال عمر : فاردت أن أتكلم وكنت زوّرت كلاما في نفسي . فقال ابوبكر : على رسلك يا عمر ، فما ترك كلمة كنت زوّرتها في نفسي الا تكلم بها ... فبايع الناس ابابكر واتوا به المسجد يبايعونه ، فسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله « ص » فقال علي : ما هذا ؟ قال العباس : مارُئي مثل هذا قط ، أما قلت لك (1) . البخاري : ان رسول الله « ص » مات وابوبكر بالسُنخ يعني بالعالية ، فقام عمر يقول : والله مامات رسول الله « ص » وقال : والله ما كان يقع في نفسي الا ذاك وليبعثنه الله فيقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم ، فجاء ابوبكر فكشف عن وليبعثنّه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم ، فجاء ابوبكر فكشف عن رسول الله « ص » فقبّله ، فقال : بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لايُذيقك الله الموتتين ابدا ... واجتمعت الأنصار الى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فذهب اليهم أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وابو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فأسكته ابوبكر ، وكان عمر يقول : والله ما اردت بذلك الا إني قد هيّأت كلاما قد أعجبني خشيت ان لا يبلّغه ابوبكر ، ثم تكلم ابوبكر فتكلم ابلغ الناس فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال حباب بن المنذر : لا والله لا نفعل ، منا أمير ومنكم امير ، فقال أبوبكر : لا ولكنا الامراء وأنتم الوزراء . هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر بن الخطاب أو ابا عبيدة بن الجراح ! فقال عمر : بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا الى رسول الله « ص » ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ، فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر : قتله الله (2) . أقول : يستفاد من صريح هذا الكلام المنقول من الصحيح امور :
1 ـ استدل ابوبكر في مقام إختيار الأمير بقوله : أعرب أحسابا
1 ـ عقد الفريد ج 4 ص 257 .
2 ـ البخاري ج 2 ص 179 .
155
وأوسطهم دارا ؛ وهذا العنوان موجود في جميع افراد قريش .
2 ـ ولما لم يكن له امتياز وتفوق وليس لنفسه خصوصية ، فأشار الى أبي عبيدة وعمر ودلهم اليهما . أو أن هذا كان تدبيرا منه في المقام .
3 ـ فعلى هذا القيل والقال : يلزم أن يكون الوزير في هذه الحكومة من الأنصار ، فإن لهم نصيبا منها ، وهم الذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر اليهم .
4 ـ لا معنى صحيح لقول عمر : قتله الله : مع ان النبي « ص » كان يقول اوصيكم بالأنصار ، فإنهم كرشي وعيبتي فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ـ كما في البخاري ج 2 ص 192 . وفي البخاري : باسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال : بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا ، فلا يغترنّ امرئ ان يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وانها قد كانت كذلك ولكنّ الله وقى شرها ، وليس منكم من يُقطع الأعناق اليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يُقتلا ، وانه قد كان من خيرنا حين توفى الله نبيه « ص » ، ان الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : يا أبابكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا رجلان منهم صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد اخواننا هؤلاء من الأنصار ، فقالا : لا عليكم ان تقربوهم اقضوا أمركم ! فقلت والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا رجل مزمل بين ظهرانيهم ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا سعد بن عبادة ، فقلت : ماله ؟ قالوا : يوعك ، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد : فنحن انصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم ، فاذا هم يريدون ان يختزلونا من أصلنا وأن يحضونا من الأمر ، فلما سكت ، اردتُ ان
156
اتكلم وكنت زوّرت مقالة اعجبتني اريد أن اقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبوبكر : على رسلك ! فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبوبكر فكان هو أحلم مني وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراحوهو جالس بيننا ، فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن اقدّم فتُضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من أثم احب اليّ من أن اتأمّر على قوم فيهم أبوبكر ، اللهم الا أن تسوّل الى نفسي عندج الموت شيئا لا اجده الآن . فقال قائل من الأنصار : انا جُذيلها المُحكك وعُذيقها المرجب منا أمير ومنكم امير يا معشر قريش ! فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقتُ من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا ابابكر ! فبس يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار . ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ففقلت : قتل الله سعد بن عبادة ، قال عمر ك وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من امر اقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا أن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فأما بايعناهم على ما لانرضى وأما نخالفهم فيكون فساد ، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة ان يُقتلا (1) . أقول : هذا الكلام مضبوط في أقدم كتاب وأصحّه وأتقنه من كتب اخواننا اهل السنة ، وكذا في تاريخ الطبري باختلاف يسير (2) ، فمن تدبر فيه ورجع البصر اليه بعين الانصاف ونظر الى الحقيقة اطلع على اسرار هذا الأمر من جهات :
الأول ـ أنه اقر وشهد بأن إمرة أبي بكر كانت فلتة من دون سابقة ، وقى
1 ـ البخاري ج 4 ص 111 .
2 ـ تاريخ الطبري ج3 ص 200 .
157
الله شرها . وهذا يدل على نفي أي وصية من رسول الله « ص » في الخلافة .
الثاني ـ إنه يقول بلزوم المشورة في هذا الأمر بعد ، ولا يجوز لأحد أن يبايع احدا حتى تقع فلتة ، فإنها في معرض الخطر والشر .
الثالث ـ إنه يعترف بخلاف الأنصار وخلاف علي والزبير ومن معهما ، ففي هذه الصورة كيف يجوز التعبير عنها بالاجماع والاتفاق من اهل الحل والعقد ، وان ارادوا وقوع الاتفاق بعد اشهر فهذا قد يتحقق في أغلب الحكومات والدول ، بل ولايتحقق استقرار حكومة الا بالغلبة التامة والاستيلاء الكامل والتسلط على جميع الأفراد طوعا أو كرها ، ولو بالتدريج .
الرابع ـ يعلم أن غلبة أبي بكر في السقيفة كانت من طريق التزوير ، وكان تزويره في خاطبه أحسن وأعجب مما زوّره عمر في نفسه .
الخامس ـ ان قوله « فلم أكره مما قال غيرها » من الكلمات المزورة المخالفة للواقع ، كيف وقد امّر رسول الله « ص » اسامة عليهم قبل ايام قليلة من رحلته ، وكذا في غزوات اخر . فالإمرة مطلبوبة اذا كانت عن وظيفة .
فيا اخواننا هذه حقيقة إمرة أبي بكر ، فهل يجوز أنيكلّفنا العقل والشرع بوجوب طاعته وقبوله ، وهل يمكن أن يحكم الله ورسوله على كفر من تخلف عن هذه البيعة ، وهل يجوز أن نقول ان عليا وفاطمة والحسن والحسين ومن معهم من أهل بيت النبي « ص » كانوا على الضلالة ووقعوا في طريق خلاف الشريعة النبوية ، وقد قال النبي « ص » : الحق مع علي وعلي مع الحق ، وقال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقال : أنت مني وأنا منك ، وقال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . السيرة النبوية : فأتى آت الى أبي بكر وعمر ، فقال : ان هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا اليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله « ص » في بيته لم يُفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله ، قال عمر : فقلت لأبي بكر انطلق بنا الى
158
اخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه (1) . وقال : ثم أنه قد بلغني ان فلانا قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرئ أن يقول : ان بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وانها قد كانت كذلك الا ان الله قد وقى شرها وليس فيكم من تنقطع الأعناق اليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة ان يُقتلا انه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه « ص » ... الخ (2) ـ كما في البخاري ج 4 ص 111 . مقالات الاسلاميين : لوبلغ ذلك ابابكر وعمر فقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين ، فأعلمهم ابوبكر أن الامامة لا تكون الا في قريش واحتج عليهم بقول النبيي « ص » الامامة في قريش ، فأذعنوا لذلك منقادين ورجعوا الى الحق طائعين ، بعد أن قالت الأنصار : منا أمير ومنكم امير ، وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال : انا جُذيلها المحكك وعُذيقها المرجب من يبارزني ، بعد ان قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال ، ثم بايعوا ابابكر (3) . أقول : قد صرّح بأن الاتفاق في هذا المجتمع قد حصل بعد ذلك الاختلاف الشديد والتنازع وتجريد السيف ، مع غيبة اهل بيت النبي « ص » وخواص اصحابه ، وكان أقوى احتجاجهم في قولهم ان الامامة في قريش ، وقد قال علي « ع » في ذلك : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة . عيون ابن قتيبة : أراد عمر الكلام ، فقاله له ابوبكر : على رسلك . نحن المهاجرون اول الناس اسلاما ، واوسطهم دارا واكرمهم احسابا واحسنهم وجوها واكثر الناس ولادة في العرب ، وأمسّهم رَحِما برسول الله « ص » ، أسلمنا قبلكم وقُدمنا في القرآن عليكم ، فأنتم اخواننا في الدين وشركاؤنا في الفيء
1 ـ السيرة النبوية ج 4 ص 307 .
2 ـ نفس المصدر ص 308 .
3 ـ مقالات الإسلاميين ج 1 ص 40 .
159
وانصارنا على العدو ، آويتم وواسيتم فجزاكم الله خيرا ، نحن الامراء وأنتم الوزراء لا تدين العرب الا لهذا الحي من قريش ، وانتم محقوقون الا تنفسوا على اخوانكم من المهاجرين ما ساق الله اليهم (1) . أقول : العلل المذكورة في الخطبة كلها راجعة الى العناوين الظاهرية والتشخصات الصورية والحسب والنسب والمتاع الدنيوي ، وليس فيها ذكر من العلم والايمان والروحانية والمقام المعنوي ، فهذا اول كلام بعد النبي « ص » دُعي فيه المسلمون الى اتباع الشخصية الظاهرية واُسقط العلم والايمان وحذف من صحيفة الامامة قيد التقوى والمعرفة .
وفي اثر هذا الكلام ترى أن معاوية بن أبي سفيان وسائر افراد بني امية ادعوا مقام خلافة رسول الله « ص » : مع أنهم فعلوا ما فعلوا وارتكبوا من الظلم والطغيان ما ارتكبوا وظلموا آل محمد « ص » ما ظلموا ! ومع هذا قد اطاع المسلمون لهم وانقادوا لحكومتهم !! الطبقات : فتكلم ابوبكر فقال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدّ الاُبلُمة « يعني الخوصة » ، فبايع اول الناس بشير بن سعد ابوالنعمان ، قال : فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسّم بين الناس قسما فبعث الى عجوز من بني عديّ بن النجّار بقسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال قسم قسّمه ابوبكر للنساء ، فقالت أتُراشوني عن ديني ؟ فقالوا : لا ، فقالت أتخافون ان أدع ما أنا فيه ؟ فقالوا : لا ، فقالت : أتخافون أن ادع ما أنا فيه ؟ فقالوا : لا ، قالت : فوالله لا آخذ منه شيئا ابدا ، فرجع زيد الى أبي بكر فأخبره بما قالت ، فقال أبوبكر فأخبره بما قالت ، فقال ابوبكر : ونحن لا نأخذ مما اعطيناها شيئا ابدا (2) . أقول : هذا التقسيم كان مما يُحكّم ويشدّد ويُثبّت إمارة أبي بكر ، والغرض منه جلب النفوس الأبيّة وتقريب القلوب المخالفة وتحبيبها ورفع الاختلافات والموانع ، وكان هذا لغرض ظاهر بحيث ان العجوز قد فهمته .
1 ـ عيون ابن قتيبة ج 2 ص 233 .
2 ـ الطبقات ج 3 ص 182 .
160
انساب الأشراف : لما قبض رسول الله « ص » أتى عمر بن الخطاب ابا عبيدة بن الجراح فقال له : ابسط يدك نبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله « ص » . فقال : يا عمر ؛ ما رأيت لك تهمة منذ اسلمت قبلها ، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين (1) . أقول : هذا الكلام والاستخلاف من عمر بن الخطاب يكشف عن انه كان متحيرا في تعيين الخليفة ، وكان معرضا عن أهل بيت النبي وعترته الذين أوصى بهم رسول الله « ص » ، ومع هذا كان لايعتني برأي الأصحاب ولايتوجه الى المشاورة مع الآخرين والى حصول الاجماع . ويروى ايضا : « في ص 580 » كما في الطبقات ج 3 ص 182 . ويروى ايضا ثم قال : بلغني أن الزبير قال ـ لو قدمات عمر بايعنا عليا وإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة ـ فكذب والله لقد أقامه رسول الله « ص » مقامه واختاره لعماد الدين على غيره ، وقال : يأبى الله والمؤمنون الا ابابكر ، فهل منكم من تمدّ اليه الأعناق مثله (2) . أقول : هذا القول مخالف لما سبق من قوله لأبي عبيدة ـ ابسط يدك نبايعك فإنك أمين هذه الأمة ، وهكذا مخالف لقول أبي بكر ـ إن تطيعوا امري تبايعوا أحد هذين الرجلين ابا عبيدة وكان عن يمينه أو عمر بن الخطاب وكان عن شماله (3) ـ ، وكما مرّ ما يقرب منه من البخاري . ويروى ايضا : عن جابر : قال العباس لعلي : ما قدمتك الى شيء الا تأخرت عنه ، وكان قال له لما قبض رسول الله « ص » : اُخرج حتى اُبايعك على اعين الناس فلا يختلف عليك اثنان . فأبى وقال : أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا ؟ فقال العباس : سترى أن ذلك سيكون . فلما بويع ابوبكر ، قال له
1 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 579 .
2 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 581 .
3 ـ نفس المصدر 582 .
161
العباس : ألم أقل لك يا علي ؟ (1) . أقول : يظهر من هذه المكالمة ان خلافة علي « ع » كانت مسلّمة قطعية في نظرهم ولا سيما في نظر علي « ع » ، وكان لا يحتمل خلاف احد وانكاره واستبداده عليه . ويروى ايضا : قال سلمان الفارسي حين بويع ابوبكر كردادونا كرداد أي عملتم وما عملتم وما عملتم ، لو بايعوا عليا لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم (2) . أقول : يريد أنكم باستخلاف أبي بكر فعلتم ما فعلتم وحرّفتم وصية رسول الله « ص » عن موضعها وظلمتم آله وعترته وغصبتم حق علي « ع » ولكن ما ظلمتم الا انفسكم ، وما فعلتم الا على انفسكم . يقول : في منتخب كنزل العمال : ان ابابكر حين استُخلف قعد في بيته حزينا ، فدخل عليه عمر فأقبل يلومه ، وقال : أنت كلفتني هذا الأمر وشكى اليه الحكم بين الناس ! فقال له عمر : أو ما علمت ان رسول الله « ص » قال : ان الوالي اذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران واذا اجتهد فأخطأ الحق فله أجران واذا اجتهد فأخطأ الحق فله اجر واحد (3) . ويقول : عن رافع قال : لما استخلف الناس ابابكر قلت : صاحبي الذي أمرني أن لا أتأمّر على رجلين ! فارتحلت فانتهيت الى المدينة فتعرّضت لأبي بكر ، فقلت له : يا أبابكر أتعرفني ؟ قال : نعم : قلت أتذكر شيئا قلته لي لا أتأمّر على رجلين ، وقد وليت أمر الأمة ؟ فقال : ان رسول الله « ص » قبض والناس حديث عهد بكفر ، فخفت عليهم ان يرتدّوا وان يختلفوا ، فدخلت فيها وأنا كاره ، ولم يزل بي صاحبي يعتذر حتى عذرته (4) . أقول : فليستنتج المحقق الحر من هذه الكلمات أيّ نتيجة يدرك بفكره الثاقب ونظره الخالص .
1 ـ انساب الأشراق ج 1 ص 583 .
2 ـ نفس المصدر ص 591 .
3 ـ منتخب كنز العمال ج 2 ص 158 .
4 ـ نفس المصدر ص 160 .