اصحابي ، علي وعمار وبلال (1) .
    سير الاعلام : قال رسول الله « ص » : عليكم بحب أربعة علي وأبي ذر وسلمان والمقداد (2) .
    أقول : ان عليا « ع » من الاربعة الذين امر الله بحبهم ، وان الجنة تشتاق الى ثلاثة منهم علي « ع » وعمار .
    فاذا امر الله تعالى بحب علي « ع » فماذا يقول اصحاب معاوية حيث تجهّزوا لقتاله . واذا اشتاقت الجنة الى عليّ « ع » وعمار فكيف يُجوّزون خلافهما وقتالهما وطعنهما .
    ثم انظر الى الروايات الواردة بأن من عادى عمارا وأبغضه فقد عاداه الله وأبغضه .

من عادى عمارا
    سير الأعلام : عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار كلام ، فأغلظت له فشكاني الى رسول الله « ص » ، فقال : من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله . فخرجت فما شيء أحب إليّ من رضاء عمار ، فلقيته فرضى (3) .
    مستدرك الحاكم : عن خالد ، قال : دعاني رسول الله « ص » فقال : يا خالد لا تسبّ عمارا فإنه من يسبّ عمارا يسبه الله ومن يبغض عمارا يبغضه الله ومن يُسفّه عمارا يُسفّهه الله ، قال خالد : استغفرلي يا رسول الله فوالله ما منعني ان أجيبه إلا تسفيهي إياه ، قال خالد : وما من شيء أخوف عندي من تسفيهي عمار بن ياسر يومئذ (4) .
1 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 160 .
2 ـ سير الأعلام ج 1 ص 280 .
3 ـ سير الأعلام ج 1 ص 297 .
4 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 390 .



378
    ويروى روايات بأسناد أُخر قريبة منها .
    أقول : فارجع نظرك هل ترى من أصحاب معاوية من لم يُبغض عمارا ولم يُسفّهه ولم يُعاده ؟ ثم ارجع نظرك هل ترى فيهم من يحبه ويهتدي بهداه ويقتدي به ؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال .

الاقتداء بعمار :
    ثم أنه وردت روايات من رسول الله « ص » يأمر فيها بالاتباع والاقتداء بعمار والاهتداء بهديه ، ونذكر هنا عدة روايات منها ومايقرب من هذا المعنى .
    الطبقات : قرأت كتاب عمر بن الخطاب الى اهل الكوفة : أما بعد ، فإني بعثت اليكم عمارا أميرا وعبدالله معلما ووزيرا وهما من النجباء من أصحاب رسول الله « ص » فاسمعوا لهما واقتدوا بهما (1) .
    أنساب الأشراف : عن حذيفة قال رسو الله « ص » : اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود (2) .
    ويروى أيضا : عن حارثة قريء علينا كتاب عمر بالكوفة أما بعد ، فإني بعثت ... كما في الطبقات (3) .
    ويروى أيضا : عن ابن عباس قال : في قوله ( أمن هو قانت آناء الليل ) نزلت في عمار بن ياسر .
    أقول : الآية في سورة الزُمر ـ أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، قل هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعلمون ـ أي هل يستوي من هوقانت وقائم بالليل ومن هو عاص ومذنب ، وهل القانت بالليل كاللاهي ، وهل الاقتداء به كالاقتداء بغيره .
    الاستيعاب : عن ابن عباس في قول الله عزوجل ـ أو من كان ميتا فأحييناه
1 ـ الطبقات ج 6 ص 7 .
2 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 162 .
3 ـ نفس المصدر ص 163 .



379
وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ـ قال عمار بن ياسر (1) .
    عقد الفريد : عن ام سلمة : لما بنى رسول الله « ص » مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج اليه ، ثم قام رسول الله « ص » فوضع رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون .

لئن قعدنا والنبي يعمل ذاك اذا لعمـل مُضلل

    وكان عثمان رجلا نظيفا متنظفا ، فكان يحمل اللبنة ويُجافي بها عن ثوبه ، فاذا وضعها نفض كفّيه ونظر الى ثوبه فاذا أصابه شيء من التراب نفضه ، فنظر اليه عليّ « ع » فأنشده

لا يستوي من يَعمر المساجدا وقائما طورا وطورا قاعـدا يدأب فيها راكعــا وساجدا ومن يُرى عن الترات حائدا

    فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني ، فسمعه عثمان فقال : يا ابن سمية ما أعرفني بمن تُعرّض ومعه جريدة ، فقال : لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك ! فسمعه النبي « ص » وهو جالس في ظلّ حائط ، فقال : عمار جلدة ما بين عيني وأنفي ، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ مني ... فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجههه من التراب ويقول يا ابن سمية لا يقتلك أصحابي ، ولكن تقتلك الفئة الباغية . فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبدالله بن عمرو بن العاص ، قال معاوية : هم قتلوه لأنهم أخرجوه الى القتل ، فلما بلغ ذلك عليا قال : ونحن قتلنا أيضا حمزة لأنا أخرجناه (2) .

عمار والحق
    ابن ماجة : عن عائشة قال رسول الله « ص » : عمار ما عُرض عليه امران إلا اختار الأرشد منهما (3) .
1 ـ الاستيعاب ج 3 ص 1137 .
2 ـ عقد الفريد ج 4 ص 342 .
3 ـ ابن ماجة ج 1 ص 66 .



380
    سنن الترمذي : عن عائشة قال رسول الله « ص » : ما خيّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما (1) .
    أنساب الأشراف : عن عبدالله كما في ابن ماجة (2) .
    ويروى أيضا : عن القاسم : أول من بنى مسجدا يُصلى فيه ؛ عمار بن ياسر (3) .
    سير الأعلام : يروى مثلها (4) .
    اقول : فاذا قال رسول الله « ص » في حق عمار : انه يختار الأرشد من الأمرين ـ واهتدوا بهدي عمار ، وقال الله تعالى في حقه : أمّن هو قانت آناء الليل ؛ فهل تبقى للناس حجة على الحق ، بل والله الحجة التامة عليهم .
    وكان رسول الله « ص » يشاهد اختلاف الأمة بعده ، فهداهم الى طريق الحق والسعادة ، وبيّن لهم سبيل النجاة والجنة ، وحذّرهم عن الضلالة والغواية بكلمات مختلفة وعبارات متفاوتة ، ومنها هذه التعبيرات في حق عمار :
    سير الأعلام : عن سالم : جاء رجل الى ابن مسعود فقال : ان الله قد آمننا من أن يَلمنا ولم يُؤمننا من أن يفتِننا أرأيت أن أدركتُ فتنة ؟ قال : عليك بكتاب الله ، قال : أرأيت ان كان كلهم يدعو إلى كتاب الله ؟ قال سمعت رسول الله « ص » يقول : اذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (5) .
    المستدرك : عن حذيفة قلنا يا ابا عبدالله حدّثنا ما سمعت من رسول الله « ص » في الفتنة ؟ قال حذيفة : قال رسول الله « ص » : دوروا مع كتاب الله حيث مادار ، فقلنا : فاذا اختلف الناس فمع مَن نكون ؟ فقال : انظروا الفئة التي فيها ابن سمية فالزموها فإنه يدور مع كتاب الله ، قال : قلت ومن ابن سمية ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ قلت بيّنه لي ؟ قال عمار بن ياسر ، سمعت رسول الله « ص » يقول
1 ـ سنن الترمذي ص 542 .
2 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 169 .
3 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 162 .
4 ـ سير الأعلام ج 1 ص 295 .
5 ـ نفس المصدر ص 298 .



381
لعمار : يا ابا اليقظان لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية عن الطريق (1) .
    وهذا حديث له طرق باسانيد صحيحة أخرجا بعضها ولم يُخرجاه بهذا اللفظ .
    الكنى للدولابي : عن هند بن عمرو ، قال : سمعت عمارا يقول : أمرني رسول الله « ص » أن أقاتل مع عليّ ؛ الناكثين والقاسطين والمقارقين (2) .
    أقول : قد بيّن رسول الله « ص » بأصرح بيان وأبلغ تعبير ، طريق هداية المسلمين وهداهم بهذه العلامة الواضحة الى صراط حق مستقيم ، وألزم الأعداء المنافقين حجّته الكاملة ، وشاع هذا القول بين العامة والخاصة ، كما أشار اليه اميرالمؤمنين « ع » في قوله :
    أنساب الأشراف : قال علي « ع » : ان امراءا من المسلمين لم يعظم عليه قتلُ عمار ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة ، لغير رشيد . رحم الله عمار يوم أسلم ، ورحم الله عمارا يوم قُتل ، ورحم الله عمارا يوم يُبعث حيا ، لقد رأيت عمارا ما يُذكر من أصحاب رسول الله « ص » اربعة إلا كان الرابع ولا خمسة إلا كان الخامس . وما كان أحد من أصحاب محمد يشكّ في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين ، فهنيئا له الجنة . عمار مع الحق أين مادار . وقاتل عمارفي النار (3) .
    أقول : ما أحسن وأتقن ما يُزار به اميرالمؤمنين « ع » ـ السلام عليك يا امين الله في أرضه وحجته على عباده ، السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سُنن نبيه ، وألزم اعداءك الحجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه .
    فهذا عمار بن ياسر واحد من حججه البالغة على الخلق
1 ـ مستدرك الحاكم ج 2 ص 148 .
2 ـ الكنى للدولابي ج 1 ص 117 .
3 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 174 .