فتنة
« قتل الحسين « ع » »
    سير الأعلام : عن أنس شهدت ابن زياد حيث أُتي برأس الحسين فجعل ينكث بقضيب معه ، فقلت : أما أنه أشبههما بالنبي « ص » (1) .
    ويروى : عن ابن أبي نعم قال : كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض ؟ فقال : ممن أنت ؟ فقال : من أهل العراق . قال : انظر الى هذا يسألني عن دم البعوض ! وقتلوا ابن رسول الله « ص » !! وقد سمعت رسول الله « ص » يقول هما ريحانتاي من الدنيا (2) .
    البدء والتاريخ : فذكر انّ يزيد أمر بنسائه وبناته فأقمن بدرجة المسجد حيث توقف الأسارى لينظر الناس اليهنّ ، ووضع رأسه بين يديه وجعل ينكث بالقضيب في وجهه وهو يقول :

ليت أشياخـي ببدر شهـدوا لأهلّـوا واستهلّـوا فرحــا جزع الخزرج من وقع الأسل ولقـالـوا يا يزيــد لاتشل

    فقام ابو برزة الأسلمي فقال : أما والله لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا ، لربما رأيت رسول الله « ص » يرشفه . ثم بعث يزيد عليه اللعنة بأهله وبناته الى المدينة ، ورثته ابنة عقيل بن أبي طالب :

ماذا تقولـون ان قـال المليكُ لكــم بعترتـي وبأهلــي بعد مُفتقــدي مـاذا فعلتـم وأنتــم آخـر الأمم منهم أُسارى وقتلى ضرّجوا بدم (3)

1 ـ سير الأعلام ج 3 ص 188 .
2 ـ نفس المصدر ص 189 .
3 ـ البدء والتاريخ ج 6 ص 11 .



431
    سير الأعلام : عن سعد بن جمهان : ان النبي « ص » أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين ، وقيل اسمها كربلاء . فقال النبي « ص » كرب وبلاء (1) .
    ويروى أيضا : قال الحسين « ع » : فارجعوا الى أنفسكم هل يصلح لكم قتلي أو يحل دمي ؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن بنت نبيكم وابن ابن عمه ؟ أو ليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي ؟ ألم يبلغكم قول رسول الله « ص » فيّ وفي أخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة (2) .
    ويروى : عن زيد بن أرقم ؛ كنت عند عبيدالله فأتي برأس الحسين ، فأخذ قضيبا فجعل يفترّ به على شفتيه ، فلم أرَ ثغرا كان أحسن منه كأنه الدرّ ، فلم أملك ان رفعت صوتي بالبكاء ، فقال : ما يُبكيك أيها الشيخ ؟ قلت : يُبكيني ما رأيت من رسول الله « ص » رأيته يَمصّ موضع هذا القضب ويلثمه ، ويقول اللهم إني أحبه فأحبه (3) .
    ويروى : عن يونس بن حبيب : لما قتل عبيدالله الحسين بعث برؤوسهم الى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم ، فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي وحكّمتهم فيما يريد وان كان على ذلك وهن ، حفظا لرسول الله « ص » ورعاية لحقه ، لعن الله ابن مرجانة يعني عبيدالله ، فإنه أخرجه واضطرّه ، وقد كان سأل ان يُخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل ، أو يأتيني فيضع يده في يدي ، أو يلحق بثَغر من الثُغور ، فأبى ذلك عليه وقتله ، فأبغضني بقتله المسلمون وزرع لي في قلوبهم العداوة (4) .
    ويروى : عن شهر بن حوشب . كنت عند أمّ سلمة زوج النبي « ص » حين أتاها قتلُ الحسين « ع » فقالت : قد فعلوها ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ، ووقعت
1 ـ سير الأعلام ج 3 ص 195 .
2 ـ نفس المصدر ص 203 .
3 ـ سير الأعلام ج 3 ص 212 .
4 ـ نفس المصدر ص 214 .



432
مغشيّا عليها ، فقمنا (1) .
    الاستيعاب : عن الحسن البصري أصيب مع الحسين بن عليّ ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه (2) .
    الكامل لابن الأثير : فأرسل عمر بن سعد بن الحجاج على خمسمائة فارس ، فنزلوا علىالشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة ايام ، ونادى عبيدالله بن الحصين الأزدي : يا حسين أما تنظر الى الماء لاتذوق له أبداء . قال ، فمرض فيما بعد ، فكان يشرب الماء من القلة ثم يقيء ، ثم يعود فيشرب حتى يتغرغر ثم يقيء . ثم يشرب فما يَروى ، فما زال كذلك حتى مات (3) .
    ويروى أيضا : أما بعد . فانسبوني فانظروا من أنا ، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها ، وانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيكم ؟ وابن وصيّه وابن عمه وأولى المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله ؟ أوَ ليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي ؟ أوَ ليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي ؟ أوَ يبلغكم قول مستفيض ـ ان رسول الله « ص » قال لي ولأخي : أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرنا عين أهل السنة ؟ فان صدّقتموني بما أقول وهو الحق ، والله ما تعمدت كذبا مذا علمت ان الله يمقت عليه ، وان كذّبتموني فإن فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبّركم . سلوا جابر بن عبدالله واباسعيد أو سهل بن سعد أو زيد بن أرقم أو أنسا يُخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله « ص » ، أما في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي ؟ ... لا والله ولا أُعطهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ اقرار العبيد ، عباد الله إني عذب بربّي وربّكم ان ترجموني ، أعوذ
1 ـ نفس المصدر السابق ص 215 .
2 ـ الاستيعاب ج 1 ص 296 .
3 ـ الكامل لابن الأثير ج 4 ص 22 .



433
بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب (1) .
    ويروى أيضا : فقال الحُرّ : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر دعوتموه حتى اذا أتاكم سلّمتموه وزعمتم أنك قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأحطتم به ، ومنعتموه من التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح كالأسير لايملك لنفسه نفعا ولايدفع عنها ضرا ، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري ، يشربه اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ ، يتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هو واهله قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا في ذرّيته ، لاسقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا (2) .
    ويروى : وقيل لما وصل رأس الحسين « ع » الى يزيد سنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله ، وسرّه ما فعل ، ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى بلغه بُغض الناس له ولعنُهم وسبهم ، فندم على قتل الحسين معي في داري ، وحكّمته فيما يريد ، وان كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ، حفظا لرسول الله « ص » ورعاية لحقه وقرابته ، لعن الله ابن مرجانة ، فإنه اضطرّه (3) .
1 ـ نفس المصدر السابق ص 25 .
2 ـ الكامل لابن الأثير ج 4 ص 26 .
3 ـ نفس المصدر ص 36 .



434
فتنة
« بيعة يزيد »
    البدء والتاريخ : ولما بويع يزيد تلكّأ الحسين وعبدالله بن الزبير عن بيعته ، ولحقا بمكة ، فأما الحسين فخرج الى الكوفة حتى استشهد بكربلاء . وأما عبدالله فامتنع بمكة ولاذ بالكعبة ودعا الناس الى الشورى ، وجعل يلعن يزيد وسماه الفاسق المتكبّر ، وقال : لايرضى الله بعهد معاوية الى يزيد ... وبلغ الخبر يزيد فبعث مسلم بن عقبة المُرّي في جيش كثيف ... فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة ، وقتل اربعة آلاف رجل من أفناء الناس ، وسبعين رجلا من الأنصار ، وبقر بطون النساء وأباح الحُرم ، وأنهب المدينة ثلاثة أيام ، وبايعهم على أنه فيء ليزيد وجعل يفعل فيهم ماشاء ، وكانت الوقعة بالحرة وهي ضاحي المدينة ... ثم سار نحو مكة ... وكان وُلد يزيد بالماطرون ومات بحوارين ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة . وفيه يقول الشاعر

يا أيها القبر بحوارينا ضممت شر الناس أجمعينا

    ولما مات يزيد ، صار الأمر الى ولده معاوية بن يزيد ، وكان قدريّا ... فخطب معاوية فقال : إنا بُلينا بكم وابتليتم بنا ، وان جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحقّ ، فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهنا بعمله ، ثم تقلّده أبي ، ولقد كان غير خليق به ، فركب رَدعه واستحسن خطأه ، ولا أحبّ أن ألقى الله بتباعتكم ، فشأنكم وأمركم ، ولّوه من شئتم ، فوالله لئن كانت الخلافة مغنما ؛ لقد أصبنا منها حظا ، وإن كانت شرا ؛ فحسبُ آل ابي سفيان ما أصابوا منها . ثم نزل وأغلق الباب في وجهه (1) .
1 ـ البدء والتاريخ ج 6 ص 13 .


435
    الامامة والسياسة : فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ، ثم قال : أما بعد يا معاوية فلن تؤدّي القائل وان أطنب في صفة الرسول « ص » ... وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد : تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المُهارشة عند التحارش والحمام السبق لأترابهن والقينات ذوات المعارف وضروب الملاهي (1) .
    ويروى : وذكروا أنّ مسلما لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها ، كتب الى يزيد بن معاوية ، وفيها : فما صليت الظهر أصلح الله اميرالمؤمنين إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم ، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم ، وأتبعنا مُدبرهم وأجهزنا على جريحهم ، وانتهبناها ثلاثا كما قال اميرالمؤمنين أعزّ الله نصره ، وجعلت دور بني الشهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان ، فالحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنفاق العظيم ، فطالما عتوا وقديما ما طغوا (2) .
    الخلفاء للسيوطي : قال الحسن البصريّ : أفسد أمر الناس اثنان ، عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف ، فحُملت ، ونال منا لقرّاء فحكّم الخوارج فلا يزال هذا التحكيم الى يوم القيامة ، والمغيرةُ بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية اذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه ، فلما ورد عليه . قال : ما أبطأ بك ؟ قال : أمر كنت أوطّئه واهيّئه ، قال : وما هو ؟ قال : البيعة ليزيد من بعدك قال : أو قد فعلت ؟ قال : نعم . قال : ارجع الى عملك . فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك ؟ قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لايزال فيه الى يوم القيامة (3) .
1 ـ الاماة والسياسة ص 152 .
2 ـ نفس المصدر ص 178 .
3 ـ الخلفاء للسيوطي ص 79 .



436
    تاريخ الخلفاء : وكانت وقعة الحرة على باب طيبة ، وما أدراك ما وقعة الحرة . ذكرها الحسن مرّة فقال : والله ما كان ينجو منهم أحد ، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم ، ونُهبت المدينة ، وافتض فيها ألف عذراء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال صلى الله عليه وسلم : من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وان عبدالله بن حنظلة بن الغسيل قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نُرمى بالحجارة من السماء ، أنه رجل ينكح امهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة (1) .
    مروج الذهب : وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين ، فأقبل على ساقيه

اسقني شربة تَروى مشاشـي صاحبَ السر والامانة عندي ثم صل فاسق مثلها ابن زياد ولتسديد مغنمــي وسدادي

    ثم أمر المغنّين فغنّوا ، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب ، وكان له قرد يكنّى بابي قيس يحضر مجلس منادمته (2) .
1 ـ تاريخ الخلفاء ص 81 .
2 ـ مروج الذهب ج 2 ص 94 .