الطبقات : عن المعيصي قال : رأيت محمد بنعلي على جبهته وأنفه اثر السجود ، ليس بالكثير (1) .
ويقول : وكان ثقة كثير العلم والحديث (2) .
الوفيات : ابوجعفر محمد بن زين العابدين عليّ بن الحسين ، الملقّب بالباقر ، أحد الأئمة الاثنى عشر في اعتقاد الامامية ، وهو والد جعفر الصادق ، وكان الباقر عالما سيدا كبيرا ، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقّر في العلم أي توسّع ، والتبقّر التوسّع . وفيه يقول الشاعر :
يا باقر العلم لأهل التقى
| |
وخير من لبى على الأجبل
|
ومولده بالمدينة سنة سبع وخمسين ، وكان عمره يوم قتل جده الحسين عليه السلام ثلاث سنين ، وتوفى سنة ثلاث عشرة ومائة ، ودفن بالبقيع (3) .
تذكرة الحفاظ : محمد بن علي الامام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام ، مولده سنة ست وخمسين ، وكان سيد بني هاشم في زمانه ، اشتهر بالباقر ، قولهم بقر العلم : يعني شقّه (4) .
حلية الأولياء : عن عبدالله بنعطاء قال : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلّم (5) .
1 ـ الطبقاتج 5 ص 321 .
2 ـ نفس المصدر ص 324 .
3 ـ الوفيات ج 2 ص 23 .
4 ـ تذكرة الحفاظ ج 1 ص 124 .
5 ـ حلية الأولياء ج 3 ص 186 .
442
البيان والتعريف : عن الأوزاعي ، قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين عن قوله عزوجل ـ يمحو الله ما يشاء ويثبت ؟ قال : حدثني أبي عن جدي عليّ بن أبي طالب قال : سألت عنها رسول الله « ص » فقال : لأبشّرنّك بها يا عليّ فبشّر بها أمتي من بعدي ـ الصدقة على وجهها واصطناع المعروف وبرّ الوالدين وصلة الرحم تُحوّل الشقاء سعادة وتزيد في العمرو تقي مصارع السوء (1) .
حلبة الأولياء : قال محمد بن علي : كان ليّ أخ في عيني عظيم ، وكان الذي عظّمه في عيني صغر الدينا في عينه (2) .
ويروى أيضا : عن جعفر بن محمد بن علي قال : فقد أبي بغلة له ، فقال لئنن ردّها الله تعالى لعيّ لأحمدنه محامد يرضاها ، فما لبث ان أتى بها بسرجها ولجامها ، فركبها فلما استوى عليها وضمّ اليه ثيابه ، رفع رأسه الى السماء فقال : الحمدلله ، لم يزد عليها فقيل له في ذلك . فقال : وهل تركت شيئا ، جعلت الحمد كله لله عزوجل .
ويروى أيضا : عن جابر ، قال لي محمد بن عليّ : يا جابر ، أنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء ، إنما هي مع اهل اللبّ والعالِمين بالله تعالى كفيء الظِلال . فاحفظ ما استرعاك الله تعالى من دينه وحكمته (3) .
عيون ابن قتيبة : أخبرنا جابر بن عبدالله أن النبي « ص » قال : يا جابر انك ستُعمّر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا فاذا لقيته فأقرأه منّي السلام ! فكان جابر يتردّد في سكك المدينة بعذ ذهاب بصرة وهو ينادي : يا باقر ! حتى قال الناس قد جُنّ جابر . فبينا هو ذات يوم بالبلاط اذ بصر بجارية يتورّكها صبيّ ، فقال لها : يا جارية من هذا الصبي ؟ قالت : هذا محمد بن علي بن الحسين بن عليّ ، فقال أدنيه مني فأدنته منه فقبل بين عينيه ، وقال
1 ـ البيان والتعريف ج 2 ص 87 .
2 ـ حلية الأولياء ج 3 ص 186 .
3 ـ حلية الأولياء ج 3 ص 187 .
443
يا حبيبي ، رسول الله « ص » يقرئك السلام ، ثم قال : نعيت اليّ نفسي وربّ الكعبة ، ثم انصرف الى منزله وأوصى فمات من ليلته (1) .
تذكرة الخواصّ : روى أن أبا جعفر دخل على جابر بعد ما أضر ( أي صار ضريرا وأعمى ) فسلم عليه ، فقال : من أنت ؟ فقال محمد بن علي بن الحسين . فقال : أدن مني فدنى منه ، فقبّل يديه ورجليه ثم قال : له : رسول الله يسلّم عليك .
فقيل لجابر : وكيف هذا ؟ فقال : كنت جالسا عند رسول الله والحسين في حجره وهو يُداعبه ، فقال : يا جابر يولد مولود اسمه عليّ ، اذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام (2) .
امالى القالى : عن عُفير : دخل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين على عمر بن عبدالعزيز ، فقال : يا أبا جعفر أوصيني قال أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا واوسطهم أخا ، وكبيرهم أبا ، فارحم ولدك وصِل أخاك وبرّ أباك ، واذا صنعت معروفا فرُبّه (3) .
وقال أبو علي : قوله فربه أي أدمه ، يقال رب بالمكان وأرب أي أقام به ودام .
تذكرة الخواص : روى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره ، قال أبو يوسف : قلت لأبي حنيفة لقيت محمد بن عليّ الباقر ؟ فقال : نعم . وسألته يوما فقلت له اراد الله المعاصي ؟ فقال : أفُيعصى قهرا . قال أبوحنيفة : فما رأيت جوابا أفحم منه .
وقال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب ، ويعني بالحكم الحكم بن عُيينة ، وكان عالما نبيلا جليلا في زمانه (4) .
1 ـ عيون ابن قتيبة ج 1 ص 212 .
2 ـ تذكرة الخواص ص 190 .
3 ـ أمالي القالي ج 2 ص 309 .
4 ـ تذكرة الخواص ص 190 .
444
مطالب السؤول : قال أفلح مولى أبي جعفر : خرجت مع محمد بن علي حاجا ، فلما دخل المسجد نظر الى البيت فبكى حتى علا صوته . فقلت : بابي وأمي أنّ الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلا ، فقال لي : ويحك يا أفلح ولمَ لاأبكي لعل الله أن ينظر اليّ منه برحمته فأفوز بها عنده غدا ، ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده ، فاذا موضع السجود مبتلّ من كثرة دموع عينه (1)
1 ـ مطالب السؤول ( الباب الخامس ـ أبو جعفر ) .
445
الوفيات : أبو عبدالله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الامامية ، كان من سادات أهل البيت ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفال ، وكان تلميذه أبوموسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسيّ ، قد ألّف كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائل جعفر الصادق عليه السلام ، وهي خمسمائة رسالة . وكان المنصور أراد أشخاصه الى العراق معه عند مسيره الى المدينة فاستعفاه من ذلك فلم يُعفه ... وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة ... وتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة ودفن بالبقيع . انتهى ملخصا (1) .
تذكرة الحفاظ : جعفر بن محمد الامام أبو عبدالله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام .
عن أبي حنيفة قال : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد . وقال أبوحاتم : ثقة لايُسأل عن مثله . وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لايحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي . وقال هياج بن بسطام : كان جعفر الصادق يُطعم حتى لايبقى لعياله شيء (2) .
حلية الأولياء : عن عبدالله بن شبرمه قال : دخلت أنا وأبوحنيفة على جعفر بن محمد ، فقال لابن أبي ليلي : من هذا معك ؟ قال : هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين . قال : لعله يقيس أمر الدين برأيه ؟ قال : نعم . فقال جعفر لأبي حنيفة :
1 ـ الوفيات ج 1 ص 112 .
2 ـ تذكرة الحفاظ ج 1 ص 166 .
446
ما اسمك ؟ قال : نعمان . قال : يا نعمان هل قست رأسك بعد ؟ قال : كيف أقيس رأسي ؟ قال : ما أراك تُحسن شيئا ، هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الاذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين ؟ قال : لا . قال : ما أراك تُحسن شيئا . قال : فهل علمت كلمة أوّلها كفر وآخرها ايمان ؟ فقال ابن ابي ليلى : يا ابن رسول الله أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها ؟ فقال : أخبرني ابي عن جدّي ان رسول الله « ص » قال : ان الله تعالى بمنّه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولو لاذلك لذابتا ، وان الله تعالى بمنّه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الاذنين حجابا من الدوابّ فإن دخلت الرأس دابة والتمست الى الدماغ فاذا ذاقت المرارة التمست الخروج ، وان الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولو لاذلك لأنتن الدماغ ، وان الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه . قال : فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها ايمان ؟ فقال اذا قال العبد : لا اله فقد كفر ، فاذا قال : الا الله فهو ايمان . ثم أقبل على أبي حنيفة فقال : يا نعمان حدثني أبي عن جدي ان رسول الله « ص » قال : أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس ، قال الله تعالى له اسجد لآدم فقال ـ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ـ فمن قاس الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بابليس لأنه اتبعه بالقياس . وزاد ابن شبرمة في حديثه : ثم قال جعفر : أيهما اعظم قتل النفس أو الزنا ؟ قال : قتل النفس ، قال : فإن الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا الا اربعة . ثم قال : أيهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال الصلاة قال : فما بال الحائض تقتضي الصوم ولاتقتضي الصلاة . فكيف ويحك يقوم لك قياسك اتق الله ولاتقس الدين برأيك (1) .
مطالب السؤول : قال مالك بن أنس : قال جعفر يوما لسفيان الثوري : يا سفيان
1 ـ حلية الأولياء ج 3 ص 196 .
447
اذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله عزوجل قال في كتابه العزيز : لئن شكرتم لأزيدنّكم ، واذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار ، فإن الله عز وعلا قال في كتابه : استغفروا ربكم انه كان غفارا يُرسل السماء عليكم مدرارا ويُمددكم بأموال وبنين ـ يعني في الدنيا ـ ويجعل لكم جنات ـ في الآخرة . يا سفيان اذا حزنك امر من سلطان أوغيره . فأكثر من ـ لاحول ولاقوة إلا بالله ـ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة (1) .
تذكرة الخواص : وقال الثوري بالاسناد المتقدم : قلت لجعفر يا ابن رسول الله اعتزلت الناس ! فقال : يا سفيان فسد الزمان وتغيّر الإخوان فرأيت الانفراد اسكن للفؤاد (2) .
1 ـ مطالب السؤول ( الباب السادس ـ أبو عبدالله ) .
2 ـ تذكرة الخواص ص 195 .
448
الوفيات : ابوالحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ، قال الخطيب في تاريخ البغداد : كان موسى يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده ، روى أنه دخل مسجد رسول الله « ص » فسجد سجدة في أول الليل وسُمع وهو يقول في سجوده : عظم الذنب عندي فليَحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة فجعل يُرددها حتى أصبح ، وكان سخيّا كريما ، وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد ، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول : يا محمد فهل توليتم ان توليتم ان تُفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم . قال الربيع : فأرسل اليّ ليلا فراعني ذلك ، فجئته فاذا هو يقرأ هذه الآية ، وقال : علي بموسى بن جعفر ! فجئته به فعانقه وأجلسه الى جانبه وقال : يا ابا الحسن إني رأيت اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليّ كذا ، فتُؤمنني أن تخرج عليّ ؟ فقال : والله لافعلت ذلك ولا هو من شأني . وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد من عمره سنة تسع وسبعين ومائة فحمل موسى « ع » معه الى بغداد وحبسه بها الى أن تُوفى في محبسه سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومائة ـ انتهى ملخصا (1) .
مطالب السؤول : هذا هو الامام الكبير القد العظيم الشأن الكثير التهجّد الجد في الاجتهاد المشهود له بالكرامات المشهور العبادة المواظب على الطاعات يبيت الليل ساجدا وقائما ويقطع النهار متصدقا وصائما والفرط حمله وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظما ، كان يُجازي المسيء باحسانه اليه ويُقابل الجاني بعفوه عنه (2) .
1 ـ الوفيات ج 2 ص 256 .
2 ـ مطالب السؤول ( الباب السابع ـ أبو الحسن ) .