فتنة
« بني العاص »
    مستدرك الحاكم : عن أبي ذرّ ، قال رسول الله « ص » : اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا (1) .
    ويروى : نظيره عن أبي سعيد الخدري وغيره .
    ويروى : عن عبدالرحمن بن عوف ، قال : كان لايولد لاحد مولود الا أتى به النبي « ص » فدعا له ، فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون (2) .
    ويروى : عن أبي هريرة ، قال رسول الله « ص » : إني اُريت في منامي كأنّ بني الحكم بن ابي العاص ينزون على منبري كما تنزء القردة (3) .
    اقول : في حياة الحيوان ـ وفي الصحيحين : إن النبي « ص » امر بقتل الوزغ وسماه فويسقا ، وقال : كان ينفخ النار الى ابراهيم ونزأ عليه : وثب .
    وأما مروان فهو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . فهو ابن عم عثمان بن عفان بن أبي العاص .
    ويروى : لما بايع معاوية لابنه يزيد ، قال مروان : سنّة أبي بكر وعمر ، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر : سنة هِرَقل وقيصر ... مر الحديث في بني أمية (4) .
    ويروى أيضا : إن الحكم استأذن على النبي « ص » فعرف النبي « ص » صوته
1 ـ مستدرك الحاكم ج 4 ص 480 .
2 ـ نفس المصدر ص 479 .
3 ـ نفس المصدر 480 .
4 ـ نفس المصدر ص 481 .



473
وكلامه ، فقال : ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه الا المؤمن منهم ، وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة ، يُعطَون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق .
    قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يُخرجاه .
    ويروى أيضا : عن عبدالله بن الزبير : إن النبي « ص » لعن الحكم ووُلده .
    قال الحاكم : ليعلم طالب العلم ان هذا باب لم أذكر فيه ثُلث ما روى وان اول الفتن ي هذه الأمة فتنتهم ولم يسعني فيما بيني وبين الله تعالى أن اُخلّي من ذكرهم .
    الفائق : ابو هريرة : اذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلا ومال الله نُحلا وعباد الله خولا (1) .
    قال الزمخشري الدّخل ( بفتحين ) هو الغش والفساد ، وحقيقته ان تدخل في الأمر ما ليس منه ، أي يُدخلون في الدين امورا لم تجر بها السنة . والنّحل ( بالضم ) من العطاء ما كان ابتداءا من غير عوض والمراد انهم يُعطون بغير استحقاق . الخول ( بفتحتين ) الخدم : جمع خائل .
    أقول : الدغل كالدخل لفظا ومعنى . ثم ان الحكم بن ابي العاص عم عثمان وابن عم أبي سفيان ، وهومن مسلمة الفتح ، وأخرجه رسول الله « ص » من المدينة وطرده منها ، فنزل الطائف فلم يزل بها الى ان وُلّى عثمان ، فردّه الى المدينة .
    البيان والتعريف : ويل لامتي من هذا ووُلد هذا . أخرجه ابن عساكر عن ضميره ، سببه : أتي رسول الله « ص » بمروان بن الحكم وهو مولود ليُحنّكه فلم يفعل ، وقال : ويل لامتي ... الخ . وأخرج عن نافع قال : كنا مع النبي « ص » فمرّ الحكم بن العاص ، فقال النبي « ص » : ويل لأمتي ... الخ . وأخرج عن نافع قال : كنا مع النبي « ص » فمرّ الحكم بن العاص ، فقال النبي « ص » : ويل لأمتي مما في صلب هذا . رواه السيوطي في الجامع الكبير (2) .
    الاستيعاب : فقيل في سبب نفي رسول الله « ص » اياه : انه كان يتحيّل
1 ـ الفائق ج 1 ص 393 .
2 ـ البيان والتعريف ج 2 ص 266 .



474
ويستخفي ويتسمّع مايسره رسول الله « ص » الى كبار الصحابة في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين ، فكان يفشي ذلك عليه ، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته الى امور غيرها كرهت ذكرها (1) .
    أقول : يستفاد من هذه الروايات امور :
    1 ـ إن الحكم كان ممن يؤذي رسول الله « ص » ولايبالي ، بل من الجواسيس عليه ، ويستخفي الأخبار الى مشركي قريش .
    2 ـ إنه كان طريدا لرسول الله وملعونا على لسانه .
    3 ـ أعاذ الدين والمسلمين بالله من شره ومن شر ولده .
    4 ـ إن عثمان ردّه الى المدينة وقرّبه منه وأعطاه وولده المال الكثير من بيت مال المسلمين ، مع علمه بأن رسول الله « ص » لعنه وطرده ولعن وُلده ، وهذا غاية العجب من عثمان حيث أنه خالف صريح عمل رسول الله « ص » وأحب من يبغضه .
    الطبقات : فلما حُصر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشدّ القتال ،وارادت عائشة الحج وعثمان محصور ، فأتاها مروان وزيد بن ثابت وعبدالرحمن بن عتّاب فقالوا : يا أم المؤمنين لو أقمت فإن أميرالمؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع الله به عنه ! فقالت : قد حلبت ظهري وعرّيت غرائزي ولست أقدر على المقام ... فقالت عائشة ( في جواب مروان ) : وددت والله انك وصاحبك هذا الذي يعنيك امره في رِجلِ كل واحد منكما رحا وانكما في البحر ، وخرجت الى مكة (2) .
    أقول : وهذه عائشة تقول علنا ما تقول في عثمان وفي مروان ، ثم تراها بعد أيام قليلة تصاحب مروان وتمشي في البراري طلبا لدم عثمان ، كل ذلك خلاها لأهل البيت وبغضا لعلي بن أبي طالب .
    الاستيعاب : ان عائشة قالت لمروان أما أنت يا مروان : فأشد أن
1 ـ الاستيعاب ج 1 ص 359 .
2 ـ الطبقات ج 5 ص 36 .



475
رسول الله « ص » لعن أباك وأنت في صلبه (1) .
    تاريخ الخلفاء : والأصح ما قال الذهبي : إن مروان لايُعد في امراء المؤمنين بل هو باغ خارج على ابن الزبير ، ولا عهده الى ابنه بصحيح (2) .
    ويروى : أسلم يهوديّ اسمه يوسف وكان قرأ الكتب ، فمرّ بدار مروان فقال : ويل لامة محمد من أهل هذه الدار ، فقلت له : الى متى ؟ قال حتى تجيء رايات سود من قبل خراسان ، وكان صديقا لعبد الملك بن مروان ، فضرب يوما على منكبه وقال : اتّق الله في امة محمد اذا ملكتهم . فقال : دعني ويحك ما شأني وشأن ذلك (3) .
    مستدرك الحاكم : ان رفاعة بن صامت قام قائما في وسط دار اميرالمؤمنين عثمان بن عفان ، فقال : إني سمعت رسول الله « ص » يقول سيلي اموركم من بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلاتعتبوا أنفسكم فوالذي نفسي بيده إن معاوية من اولئك ، فما راجعه عثمان حرفا (4) .
    تاريخ الخلفاء : وجهّز يزيد جيشا الى اهل مكة ، فقال : أعوذ بالله أيبعث الى حرم الله ؟ فضرب يوسف ( وهو من قرأ الكتب السافلة ) منكبه وقال : جيشك اليهم أعظم (5) .
    ويروى : ومن وصية عبدالملك : يا وليد اتق الله فميا أخلفك فيه ، وانظر الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطّأ لكم المنابر ، وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناواك ، فلا تسمعنّ فيه قول أحد ، وأنت اليه احوج منه اليك ، وادع الناس اذا متّ الى البيعة فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا (6) .
1 ـ الاستيعاب ج 1 ص 360 .
2 ـ تاريخ الخلفاء ص 82 .
3 ـ تاريخ الخلفاء ص 84 .
4 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 357 .
5 ـ تاريخ الخلفاء ص 84 .
6 ـ نفس المصدر ص 85 .



476
    ويقول : قلت : لولم يكن من مساوي عبدالملك الا الحجاج وتوليته اياه على المسلمين وعلى الصحابة رضي الله عنهم يُهينهم ويُذلهم قتلا وضربا وشتما وحبسا ، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين مالا يُحصى فضلا عن غيرهم ، وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة ختما يريد بذلك ذلهم ، فلا رحمه الله ولاعفا عنه (1) .
    ويروى : قال ابن عائشة : اُفضى الأمر الى عبدالملك والمصحف في حجره ، فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك (2) .
    مستدرك الحاكم : عن سعيد ، عن سعد قال : جاء الحارث بن البرصاء وهو في السوق فقال له : يا أبا اسحاق اني سمعت مروان يزعم أن مال الله ماله ! من شاء أعطاه ومن شاء منعه ، فقال له : أنت سمعته يقول ذلك ؟ قال : نعم ، قال سعيد : فأخذ بيدي سعيد وبيد الحارث حتى دخل على مروان فقال : يا مروان أنت تزعم انّ مال الله مالك من شئت أعطيته ومن شئت منعته ؟ قال : نعم ، قال : فأدعو ؟ ورفع سعد يديه ، فوثب اليه مروان وقال : أنشدك الله أن تدعو هو مال الله من شاء أعطاه ومن شاء منعه (3) .
    ويروي بسند آخر مايقرب منه .
    البدء والتاريخ : ذكر مروان بن الحكم وأخذ بيعة أهل الشام له : بويع له بالاردن سنة أربع وستين ، وهو أول من أخذ الخلافة بالسيف ، وكان يلقّب خيط باطل لطوال قامته واضطراب خلقه . وفيه يقول الشاعر :

لحى الله قوما أمّروا خيط باطــل على الناس يُعطي من يشاء ويمنع (4)

    ويروى : ومات الحجاج في ولاية الوليد بن عبدالملك بن مروان ، وقد بلغ من السن ثلاثا وخمسين سنة ، وولى الحجاز والعراق عشرين سنة ، وكان قتل من
1 ـ نفس المصدر السابق ص 86 .
2 ـ نفس المصدر ص 84 .
3 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 500 .
4 ـ البدء والتاريخ ج 6 ص 19 .



477
الأشراف والرؤساء مائة الف وعشرين الفا سوى عوام الناس ومن قُتل في معارك الحروب ، وكان مات في حبسه خمسون ألف رجل وثلاثون الف امرأة . وقالت امرأة الحجّاج :

الا يا أيها الجسـد المُسجّى وكنت قرين شيطان رجيم لقد قرّت بمصرعك العيون فلما مُتّ سلّمك القرين (1)

1 ـ نفس المصدر السابق ص 40 .