الطريق
إلى خراسان


2


3
كمال السيّد
الطريق إلى خراسان
أو
عذراء قم

رواية تاريخية



4


5
بسم الله الرّحمن الرّحيم


6
الإهداء
الى من اختـار في أرض الهجرة قم ..
بقعة طيبة ..
فاختاره الله وقد ذرّف على الأربعين ..
الى روح المغفور له أحمد حسن علي ..
أهدي ثواب الكتاب ..


7
الى نجل موسى بن جعفر ..
وشقيق فاطمة ..
علي الرضا ..

مذ كنتُ طفلاً في العراق وكنتُ اُصغي في المساء الى حكايات الشتاء وكنت اشفف بالرياح تدور ما بين الازقة او تجوس وكنت اسمع ان نجماً في السماء هوى بطوس لم ينطفئ أبداً أضاء بين المشرقين بمثل آلاف الشموس *    *    * مذكنتُ طفلاً في العراق وكنتُ أحلم بالنهاز وكنتُ أسمع إن ريماً في القفاز راحت تطارده الذئاب بين المفاوز والشعاب وكان خوفٌ في العيون الحور من غدر السهام .. فرأت على بعد طيوفاً مثل أجنحة الحمام مثل ندى الغمام شمّت به زمن السلام فهوت إليه وكان صدراً للإمام *    *    *


8
لكن .. وبعدمــا مضــت السنون وتكشف الزمن الخـؤون وجدت نَفسي مثل ريمٍ في الضباب كان تطاردني الذئاب في كلّ وادٍ بالجنوب وكل تلٍّ في الشمال الخوف يخنق فيّ أنفاسي ويصفعني السؤال *      *      * وأنا أهيم على مصيري في اليباب البوم يضرب وجهي الدامي حتى إذا انقلب الزمان وينعب بي غراب وراح يؤذن بالفراق واستسلمت لأسى الهوان جميع أرجاء العراق جاءت اليّ فراشة بيضاء مصل نرى الصباح جاءت تلملم ما تشظّى من جراح رسمت بعيني الربيع فرحت أحبو في الصقيع إلى الأمام إلى الإمام صوت تفجر في هيام كأن قلبي يستحيلُ فراشةً مشدودةً للظى الغرام راحت ترفرف نحو غربته الحزينة في التحام والى منائره المضيئة في الظلام عانقت شبّاك الإمام فأضاءت الأنوار روحي والسلام *      *      *          كمال السيّد


9
ليست بداية
    كانت ثلوج « بهمن » ذلك العام تهطل بغزارة ، وقد أوى السيد محمد الى حجرته ، صفق الباب خلفه ، فيما ظلّت الرياح تعصف بشدّة ، وعندما يتزامن هطول الثلج مع هبوب الريح يكون الـ« كولاك » 1 شديدة البرودة .. لهذا انصرف السيد محمد عن فكرة الذهاب الى منزله مفضّلاً البقاء في حجرته الصغيرة القريبة من باب القبلة ..
    كان يمكنه الانصراف الى منزله والتبكير في العودة الى « حرم » السيدة فاطمة .. اذ يتعيّن عليه أن يضيء القناديل في منائر الحرم ...
    كان السيد محمد وهو رجل متوسط العمر قد عوّد أسرته إلا ينتظروا عودته ، فقد يخطر في باله ان يمضي ليلته في مرقد السّيدة للصلاة والتهجد ، فيجد في ذلك حلاوة الايمان في تلك الظلال الوافرة المفعمة بالسلام .
    كانت الريح المجنونة ذلك المساء وهي تلفح العابرين والمسافرين بالبرد والثلج ، قد بذرت في قلب محمد فكرة البقاء واللجوء الى حجرته


10
الصغيرة الدافئة .
    وكانت المدفأة العتيقة تبعث ضوءً خافتاً ، وتنشر فيما حوله دفئاً .. أسرج قنديلاً صغيراً وجلس في فراشه... وقعت عيناه على بعض الكتب القديمة.. فيها كتب الادعية وبعض كتب التاريخ.. ويظهر في مكان مستقل من الرف المصحف الشريف ملفوف بمنديل أخضر .
    وكان من عادته وقد ختم القرآن عدّة مرّات أنه اذا أراد التلاوة أن يغمض عينيه ويهمس خاشعاً بالصلاة على محمد وآله ثم يفتح المصحف الشريف ويقرأ الصفحتين .
    استفتح محمد كعادته في ليالي الشتاء.. فظهرت له سورة « فصّلت » ، وكانت أول آية في أعلى اليمين من الصفحة تحمل رقم 39 راح محمد يرتّل بصوت شجي الآيات متأمّلاً ترجمتها باللغة الفارسية.. لأنه كان يحرص على تدبّر ما يقرأ :
    « ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت وربت ، ان الذي حياها لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير »...
    الرياح لا تزال تزمجر وهي تجوس خلال أزّقة قم الملتوية الضيقة ، وكان صوت الريح يمتزج مع صوت محمدٍ وهو يرتلّ القرآن ترتيلا :
    « ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصّلت آياته