بينات من الآيات [ 69 - 70] نستوحي من قصص سيدنا إبراهيم - عليه السلام - أن فطرته الإيمانية تجلت حتى قبل ان يوحى اليه ، فاذا به يواجه أكبر فساد استشرى في قومه وهو عبادة الأصنام ، و اتباع الاباء على غير هدى .
يبدأ انحراف البشر بسبب همزات الشيطان ، و دفعات الشهوات ، و لكنه سرعان ما يلبس ثياب الشرعية ، و يضفي عليه أدعياء الدين و العلم و يأمر من المترفين القداسة الدينية ، و كذلك كانت عبادة الأصنام عند قوم إبراهيم .
[ واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه و قومه ما تعبدون ]ان ابراهيم يتحدى أولا أباه ، الذي لم يكن والده انما كان عمه آزر الذي تبناه ، و لعل السبب يتلخص في أمرين :
اولا : ان أباه كان هو المسؤول المباشر عنه ، و الذي كان ينفذ عليه تعاليم مجتمعه ، و من خلاله كان يتعرض إبراهيم لضغط المجتمع الفاسد ، و دفعه باتجاه عبادة الأصنام .
ثانيا : ان ابراهيم كان في مجتمع رجعي يقلد الآباء ، و لذلك كان ينبغي أن يبدا تحديه لهم حتى يصبح قدوة لكل من يعيش في مثل هذا المجتمع المتخلف .
[ 71] لقد اعترفوا بفسادهم ، و أنهم إنما يعبدون أصناما لا تضر ولا تنفع .
[ قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ]
نصلي لها ، و نديم عبادتها ، و لعل هذا التعبير يوحي بانهم كانوا في شك من جدوائية عبادتهم لها ، و انما مضوا عليها اقتداء بالسابقين .
[ 72] ان نظام الحياة قائم على النفع و الضر ، و ان فطرة الانسان تهديه إلى الرب في أوقات الشدة و عند الحاجة ، و هكذا سألهم إبراهيم : هل تستجيب هذه الاصنام عند الشدة ، حيث ينقطع رجاء الإنسان من الوسائل المتاحة له ( كما يستجيب الرب سبحانه ) أو هل تنفع أو تضر في الأوقات العادية ؟!
[ قال هل يسمعونكم إذ تدعون ]
في حالة الشدة تتساقط الاوهام ، و يتعلق القلب بالخالق فلا يدعو غيره ، و هذا أكبر برهان على بطلان عبادة الأصنام .
[ 73] [ أو ينفعونكم أو يضرون ]
هكذا ألقى إبراهيم حجرا كبيرا في محيط قلوبهم الراكد ، و أحدث فيها أمواجامتلاحقة من الشك ، و الواقع : إن زرع الشك في القلب بالنسبة إلى الوضع الفاسد خصوصا عند أولئك الجامدين يعتبر أكبر إنجاز .
ففي حوار بين طبيب هندي ملحد ، و الإمام الصادق - عليه السلام - يلقي الامام الشك في روعه فيما يتعلق بعقائد الطبيب الفاسدة ، فيقول : لا ادري لعل في بعض ما ذكرت مدبرا ، و ما ادري لعله ليس في شيء من ذلك ؟
فيقول له الامام :
" اما اذا خرجت من حد الإنكار الى منزلة الشك ، فاني أرجو أن تخرج الى المعرفة " (1)[ 74] و لم يملك القوم حجة ، فأحالوا القضية إلى التراث الذي هو آفة المتدينين ، حيث يختلط بالدين في ذهن الناس بما يصعب فكاكه عنه .
[ قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون ]
[ 75] هناك تجلى تحدي إبراهيم لقومه ، فأعلنها صراحة : أنني براء منكم و مما تعبدون ، لأن تلك الاصنام عدوة لي :
[ قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون ]
و هذا التعبير بالغ درجة كبيرة من الاستخفاف و السخرية .
[ 76] [ أنتم و ءاباؤكم الأقدمون ]
(1) بحار الانوار / ج 3 / ص 155 .
اي أنني لا أتحدى فقط آباءكم القريبين إليكم ، بل حتى أولئك الأكثر قداسة عندكم وهم الاقدمون . أليس المجتمع الرجعي يكتسب فيه القديم قيمة تتنامى مع مرور الزمان كانه الخل أو الخمر ؟!
[ 77] [ فإنهم عدو لي ]
أنني أعاديه بصراحة ، لانه هو الذي يعاديني .
لقد كانت تلك كلمة البراءة ، أزال بها ابراهيم الحصانة التي خلعها أولئك الرجعيون على الأصنام ، و لعل إبراهيم (ع) استهدف أيضا من ذلك أمرين آخرين :
أولا : إثبات عدم قدرة الأصنام على الإضرار بأحد اثبت ذلك عمليا ، حيث كان أولئك الجهلة يحذرون الأصنام ، و يتهيبون ترك عبادتها ، فكان قدوة في الرفض ، و هكذا من يتبع نهج إبراهيم من المؤمنين الصادقين ، يرفضون التسليم للطغاة ، و يصبحون قدوة في ذلك ، حيثيثبتون بعملهم ان الطغاة ليسوا بمعجزين في الأرض .
ثانيا : إن الأصنام رمز النظام السياسي و الإقتصادي ، و تقديسها حجر الزاوية في البناء الثقافي للمجتمع الجاهل ، و أن الاستمرار في عبادتها يعني استمرار الوضع الفاسد الذي يضر بالإنسان ، فالأصنام عدوة للانسان فعلا ، و على الانسان أن يتخذها عدوا .
ولا يكفي رفض الأصنام ، بل لابد من التوجه الى الله ، لذلك قال ابراهيم (ع) :
[ إلا رب العالمين ]
[ 78] [ الذي خلقني فهو يهدين ]
لقد خلق الله كل شيء خلقا متينا ، و أجرى فيه سننا بالغة الدقة ، و هدى الإنسان الى تلك السنن بالغرائز ، و الفطرة ، و العقل ، و الوحي ، و تطابق الوحي و السنن أكبر شهادة على صدق الرسالة ، و أبلغ حجة على حكمة الرب ، و حسن تدبيره سبحانه .
[ 79] و البشر مفطور على تقدير من يطعمه و يسقيه ، و لكن يخطأ في معرفة المصدر الحقيقي للطعام و الشراب . انه ينظر إلى الوسيلة ولا ينظر الى المصدر ، يرى الرافد و يغفل عن الينبوع ، يحس بيد الخباز و لكنه يجهل أو يتجاهل هل عشرات الأيدي من قبلها و يد الغيبمن ورائها جميعا .
أما صاحب الفطرة النقية التي تتحدى سلطة المجتمع ، ولا يضيع انسانيته بالتسليم للفساد الثقافي السائد عليهم ، فهو الذي يهتدي إلى لب الحقائق ، و غيب الظواهر ، كمثل إبراهيم اذ قال :
[ و الذي هو يطعمني و يسقين ]
[ 80] لقد جعل الله في جسم الإنسان نظام مناعة ، يقاوم الجراثيم ، و يساعد على التغلب على المرض ، و مدى قدرة هذا النظام أو ضعفه ، و مدى قدرة الجرثومة و ضعفها خاضع لتقدير الله سبحانه ، و هكذا يموت أو يطيب المريض بما لا يتحكم فيه البشر مهما أوتي من علم.
و لو أفقد الله الجسم مناعته ، فلا أحد قادر على حفظه حتى ولو شرب أطنانا من الأدوية المضادة .
هكذا عرف إبراهيم بفطرته النقية الحقيقة هذه ، فقال :
[ وإذا مرضت فهو يشفين ]
ان الشفاء بيد الله ، و الله أودع في جسم الإنسان ما يتغلب به على المرض ، و افضل العلاج مقاومة المرض بقوة الجسم ، و قد أكدت النصوص الاسلامية على هذه الضرورة .
وجاء في الحديث :
" امش بدائك ما مشى بك "
و جاء في حديث ماثور عن الامام الصادق (ع) انه قال :
" مــن ظهــرت صحتــه علـى مرضــه فتعالج بشيء فمات فأنا إلى الله منه بريء " (1)وربما لكي يتحمل آلام المرض ، ولا يسرع الى مقاومته مما يفقده مناعته ، جاءت نصوص تؤكد ثواب المرض للمؤمن .
جاء في حديث ماثور عن عبد الله بن مسعود انه قال :
بينما نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اذ تبسم فقلت له : مالك يا رسول الله ؟ قال :
" عجبت من المؤمن و جزعه من السقم ، و لو يعلم ماله في السقم من الثواب لأحب الا يزال سقيما حتى يلقي ربه عز وجل " (2)(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 55
(2) المصدر / ص 56
وندب الشرع كتمان الألم ثلاثا ، و انبأنا أن في ذلك ثوابا عظيما ، فقد روى عن الإمام الباقر عليه السلام قال :
" قال الله تبارك و تعالى : ما من عبد ابتليته ببلاء فلم يشك الى عواده ، إلا أبدلته لحما خيرا من لحمه ، و دما خيرا من دمه ، فإن قبضته قبضته إلى رحمتي ، و ان عاش عاش و ليس له ذنب " (1)[ 81] في خضم المشاكل اليومية التي يواجهها البشر ينسى الحقائق الكبرى ، كمن يعالج شجرة في طريقه فتحجبه عن الغابة ، وإنما المهديون من عباد الله يتذكرون أبدا تلك الحقائق الكبيرة . من أين والى أين ومن المدبر ؟
و الموت و الحياة هما أخطر ظاهرتين يمر بهما البشر ، و إذا كشفت عن بصره غشاوة الغفلة فانه يهتدي إلى من يقهر الناس بالموت ، ثم يبعثهم للحساب ، قال ابراهيم (ع) :
[ و الذي يميتني ثم يحيين ]
[ 82] علاقة البشر بأي شيء أو شخص تنتهي بالموت ، ولكنها تستمر مع الرب الى يوم الدين ، حيث لا تنفع علاقة أخرى .
[ و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ]
ان القلب الواعي تنكشف له الحقائق حتى يبلغ ذروتها ، المتمثلة في اليقين بالبعث و النشور ، و هكذا كان عند ابراهيم عليه السلام .
(1) المصدر .
[83] لقد تجلت الحقائق لقلب إبراهيم (ع) حيث سلم لرب العالمين ، ففاضت يقينا و سكينة ، و نطقت بتطلعات سامية من وحي تلك الحقائق ، فمن آمن برب العالمين ، و عرف أنه الخالق الهادي ، و المطعم الساقي ، و الشافي ، و المحي المميت ، و الغافر للذنوب فلا يملك نفسه أن يتضرع اليه ، و يطلب حاجاته .
و تطلعات الإنسان كبيرة ، لأن الله خلق الانسان في أحسن تقويم ، و أكرمه ، و فضله ، و أودع في نفسه روح النمو و التسامي إلا أن عبادة الأصنام تكبت النفس و تذلها و تميت تطلعاتها ، أما إبراهيم - عليه السلام - الذي تحرر من هذه العبادة فقد انفتحت قريحته بالدعاء ، و أعظم به و أعظم بمن دعا و أعظم بما دعا ، اذ قال :
[ رب هب لي حكما ]
هذا طلب عظيم ان تسأل الله ان يجعلك خليفته في الأرض ، و يبدو أن الحكم هنا النبوة أو العلم ، و مما يدعو المؤمنون به قولهم :
" ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين و اجعلنا للمتقين اماما " . (1)[ و الحقني بالصالحين ]
و أكرم الصالحين هم الأنبياء ، ويبدو أن إبراهيم (ع) طلب بذلك الإستقامة على الطريقة حتى النهاية ليلتحق بالصالحين ، وذلك لعلمه أن الأمور بخواتيمها ، و على الإنسان ان يوطن نفسه لمقاومة الضغوط حتى يحظى بعاقبة حسنى .
[ 84] قد ينتهي الانسان ، و يمحى أثره ، و ينسى ذكره إلا أن النفس السوية تتطلع الى بقاء ذكره الحسن من بعده ، كذلك قال ابراهيم :
(1) الفرقان / 74
[ واجعل لي لسان صدق في الآخرين ]
و كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - هو دعوة ابراهيم كما قال ، فهو - اذا - لسان صدق في الآخرين ، حيث جدد شريعته ، و اعلى ذكره .
كما فعل ذلك الإمام علي - عليه السلام - حيث جاء في تفسير علي بن ابراهيم في تفسير هذه الآية انه أمير المؤمنين عليه السلام . (1)و قد حرض الاسلام على البحث عن الذكر الحسن ليس باعتباره تطلعا مشروعا فقط ، و إنما أيضا لأنه يعكس كمال النفس و تكامليتها .
جاء في نهج البلاغة أن أمير المؤمنين (ع) قال :
" الا وان اللسان الصالح يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال ، يورثه من لا يحمده " (2)[ 85] ما شر بشر بعده الجنة ، و منتهى رغبة النفس السوية الحصول على الجنة ، التي هي دار من ارتضاه الرب و أرضاه .
[ واجعلني من ورثة جنة النعيم ]
[ 86] أول من تحدى إبراهيم (ع) هو أبوه آزر ، و لعله كان يحس ان له عليه حقا ، فلابد من ان يبر اليه ، فدعا له بالهداية ثم بالمغفرة ، فقال :
[ و اغفر لأبي إنه كان من الضالين ]
(1) المصدر / ص 57
(2) المصدر .
ولعل الإستغفار للضال الذي لم يبلغ درجة الجحود حسن ، لا سيما إذا كان له حق ، و معنى الاستغفار هنا هدايته فيما يبدو .
و كان إبراهيم قد وعد أباه بأن يستغفر له ، فقال : " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا " . (1)ولكن ابراهيم تبرأ منه لما تحول من الضلالة الى العناد و الجحود ، فقال ربنا سبحانه :
" وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة و عدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرء منه إن إبراهيم لأواه حليم " (2)[ 87] لم يكن إبراهيم مذنبا ، انه كان نبيا عليا ، عصمه الله من الذنوب ، و لكنه حين وجد نفسه في حضرة ربه وجدها حافلة بالنقص ، فلم يملك سوى الإستغفار ، و طلب المزيد من الطهارة و الكمال ، و ليست هناك لغة بين القلب و الرب أبلغ في الحب و الهيام من لغة كلغة التذلل و الاعتراف و طلب العفو . فقال ابراهيم عليه السلام :
[ ولا تخزني يوم يبعثون ]
ان الخزي ثمة بالنار حيث يقول المؤمنون : " ربنا انك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار " (3)(1) مريم / 47.
(2) التوبة / 114 .
(3) آل عمران / 192 .
[ 88] [ يوم لا ينفع مال ولا بنون ]
و أعظم ما يستعبد البشر في الدنيا حب المال و البنين ، فاذا تحرر من عبادتهما فقد فاز .
[ 89] [ إلا من أتى الله بقلب سليم ]
فاذا سلم القلب سلمت الجوارح ، و سلامة القلب بتطهيره من حب الدنيا ، لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وآله _ .
و جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق - عليه السلام - في تفسير آية :
" القلب الذي سلم من حب الدنيا " (1)
[ 90] في ذلك اليوم تؤتى الجنة و تزف الى المتقين كما العروس تزف الى زوجها ، أما النار فتبرز للكفار و يعلمون انهم مواقعوها .
[ وأزلفت الجنة للمتقين ]
[ 91] [ و برزت الجحيم للغاوين ]
الذين ضلوا و اضلوا بعد علم .
[ 92] الوحي يفك العلاقات الإجتماعية الفاسدة التي قد تتحول الى اقفال في القلب و أمراض ، و تمنعه السلامة ، ولكي ننظم علاقاتنا على أحسن وجه لابد ان نجعل يوم القيامة المقياس ، و نتساءل : هل نستفيد من هذه العلاقة فنحافظ عليها ،(1) مجمع البيان / ج 5 / ص 161 ( طبعة بيروت ) .
أم لا فنتحرر منها ، قال الله :
[ و قيل لهم أين ما كنتم تعبدون ]
[ 93] [ من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ]
كلا .. فلا ينصرون أحدا ، ولا هم أنفسهم ينصرون .
[ 94] تتلاحق أمواج الكفار وراء بعضها لتلقي في جهنم الذين ضلوا و الذين اضلوهم ، لا أحد ينصر أحدا .
[ فكبكبوا فيها هم و الغاوون ]
أي دهدهوا ، و طرح فيها بعضهم على بعض .
و يبدو ان هناك ثلاث فرق هما الجماهير ، و الطغاة ، و من يؤيدهم . جاء في الحديث المأثور عن الامام الباقر - عليه السلام - قال :
" هم قوم و صفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه الى غيره " (1)[ 95] [ و جنود إبليس أجمعون ]
و هذا الفريق - كما يبدو - هم الذين ايدوا الطاغوت ، فالذين يكبكبون في النار - بالتالي - ثلاث فرق : من اتبعوا من عامة الناس ، ومن اتبعوا من ولاتهم ، و من ساعدوا من جنودهم .
[ 96] و تتقطع في يوم الحسرة أسباب العلاقة بين التابعين و المتبوعين ، بل تجدهم(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 59 .
يتلاومون و يتلاعنون .
[ قالوا و هم فيها يختصمون ]
[ 97] [ تالله إن كنا لفي ضلال مبين ]
[ 98] [ إذ نسويكم برب العالمين ]
لقد أعترفوا بمدى ضلالتهم عن الحق و بعدهم عن الصواب ، إذ جعلوا أندادهم سواء مع رب العالمين .
[ 99] و لكن من المسؤول عن ضلالتهم هذه ؟ انى كان فهو قد ارتكب جريمة كبرى بحقهم .
[ وما أضلنا إلا المجرمون ]
اختلف المفسرون في المجرم فقالوا : الذين اقتدوا بهم من الطغاة ، أو الشياطين ، أو الكفار السابقين ، الذين دعوهم الى الضلال .
و الواقع : أن كل أولئك ينطبق عليه هذا الوصف ، ولكن أحقهم جميعا بهذه الصفة هم أدعياء الدين و العلم الذين يشتغلون بتضليل الناس .
[ 100] و اليوم أين أولئك المجرمون ؟!
[ فما لنا من شافعين ]
[ 101] [ ولا صديق حميم ]
فلا أحد من هؤلاء المجرمين يشفعون لبعضهم ، ولا حتى الصداقات الحميمةتنفع ذلك اليوم .
بلى .. ان المؤمنين يشفع بعضهم لبعض كما جاء في نصوص صريحة .
فالنبي - صلى الله عليه وآله - يشفع لأمته ، و الأئمة - عليهم السلام - يشفعون لشيعتهم ، و المؤمنون يشفعون لبعضهم .
جاء في الحديــث : عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
" ان المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته فيشفع فيهم حتى يبقى خادمه ، فيقول - و يرفع سبابتيه - : يا رب خويدمي كان يقيني الحر و البرد ، فيشفع فيه " (1)[ 102] ثم تقطع الحسرة نياط أفئدتهم ان لو كانت لديهم فرصة أخرى حتى يكونوا مؤمنين .
[ فلو أن لنا كرة ]
رجعة الى الدنيا .
[ فنكون من المؤمنين ]
[ 103] [ إن في ذلك لأية و ما كان أكثرهم مؤمنين ]
بالرغم من تظافر الآيات .
(1) بحار الانوار / ج 8 / ص 61
[ 104] [ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ]
هذه هي الحقيقة التي نستوحيها من كل تلك القصص التي يقصها ربنا في سورة الشعراء . هدى و نورا . ان ربك عزيز يأخذ الكافرين بقوة ، و هو رحيم ينصر المؤمنين بفضله و منه .
|