وما انا بطارد المؤمنين
هدى من الآيات الصراع الدائر بين رسالة الله ، و ثقافة الأرض ، صراع ممتد عبر الزمن ، لأن رسالات الله تهدف تغيير كل القيم الجاهلية ، و إقامة كيان ثقافي جديد ، فحين يدعو نوح قومه الى التسليم و الإيمان بالله ، فانه يدعوهم في ذات الوقت الى التسليم لكل القيم الإلهية التي تحمل التحضر و التمدن لأولئك الناس الذين سلموا لخرافات الماضي ، و فساد الواقع ، و بالرغم من ان ا لرسل (ع) قد تحملوا الصعوبات في سبيل تبليغ رسالاتهم ، إلا أنهم استطاعوا أن يغيروا أفكار البشر ، حتى أن الأفكار الصحيحة التي نجدها في الأقوام الجاهلية لابد أن يكون مصدرها الرسل ، لأن الرسل كانوا بحق المحرك الاساسي للبشرية ، وإلا فإن البشرية كانت تسير بشكل طبيعي نحو النهاية .
و مــن الصعب على بشر عادي ، ان يربي جيلا كاملا ، و يرفعه الى سماء القيم ، لأن ذلك يستوجب ان يبث فيهم و عيا و ثقافة و روحا إيمانيا يستحيل على البشرالعادي امتلاكه ، فكيف يبثه في جيل كامل ، و عليه أيضا ان يتحدى الثقافة الموجودة ، ومن يقف خلفها .
و يجب ان نقف إجلالا لذلك الفكر الذي يصيغ أجيالا مؤمنة . أن نقف إجلالا أمام صبر الرسل و تضحياتهم كنوح على نبينا وآله و عليه أفضل الصلاة و السلام .
كان يعيش مجتمع نوح الطبقية و التجبر في الأرض ، فكانوا يحتجون على نوح (ع) بقولهم : كيف نؤمن لك و اتبعك الأرذلون ؟! و كانوا يهددون نوحا - عليه السلام - و من اتبعه بالرجم تجبرا و علوا في الأرض .
و اتباع الارذلين لنوح ليست مبررا لعدم الإيمان ، فان كانوا ارذلين ، فربهم أولى بحسابهم ، و على كل حال فلم تكن نهاية قوم نوح بأفضل من نهاية قوم فرعون أو قوم إبراهيم حيث دعا نوح ربه عليهم ، وسأله أن يفتح بينه و بينهم فتحا ، فأغرقهم الله و نجى نوحا ومنمعه من المؤمنين .
و مرة أخرى تجلت عزة الله بالانتقام من قوم نوح ، كما تجلت رحمته بنجاة المؤمنين ، و كان في ذلك أعظم آية ، و لكن أكثر الناس لا يؤمنون .
|