فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 105] [ كذبت قوم نوح المرسلين ]

الانبياء خط واحد و متكامل ، ارسلوا كلهم من قبل رب واحد ، و تقف رسالاتهم جميعا ، من ناحية المبادىء العامة ، و تفترق في المحتوى الإجتماعي ، فموسى جاء لإزالة طاغوت زمانه ، وإنقاذ أمة مستضعفة ، و نوح جاء لإزالة الطبقية و التجبر ، و مجرد التكذيب برسول واحد يقتضي التكذيب بسائر الرسل جميعا .


وربما معنى هذه الآية أن الله أرسل في قوم نوح أنبياء كثيرين كان آخرهم نوح (ع) .

[ 106] لقد أرسل الله الى قوم نوح الجبارين أخا لهم في النسب لكي لا تمنعهم عصبيتهم من اتباع رسالات الله ، و في هذا غاية المنة عليهم .

[ إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون ]

ألا تحفظون أنفسكم من غضب الرب بترك الفساد ، و يبدو أن قومه كانوا قد بالغوا في عمل السيئات .

[ 107 - 108] [ إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله و أطيعون ]أمرهم بطاعته باعتباره رسول الله اليهم ، وهكذا الرسل هم قادة فعليون للمجتمع ، و يعارضون القيادات الفاسدة .

[ 109] وفرق كبير بين قيادة الرسول لقومه و القيادات الأخرى ، إذ أنه - بخلافهم - لا يكتسب شيئا من قومه ولا يطلب أجرا .

[ و ما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ][ 110] [ فاتقوا الله و أطيعون ]

[ 111] [ قالوا أنؤمن لك و اتبعك الأرذلون ]

هذه هي الطبقية ، أن يتحول المستضعفون إلى أراذل ، و يمتنعون عن الإيمان لمجرد أن هؤلاء قد بادروا إليه .


وجاء في تفسير علي بن إبراهيم : إنهم عنوا بالأرذلين الفقراء ، و جاء في تفاسير أخرى معان مشابهة كأصحاب المهن الدنيئة أو المساكين .

[ 112 - 113] [ قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ]أي إني لا أعلم عنهم إلا خيرا ، فقد دعوتهم فاستجابوا لي ، و ما انا بمحاسبهم ان حسابهم الا على ربي .

[ 114] [ وما أنا بطارد المؤمنين ]

لست مستعدا للخضوع اليكم بطرد المؤمنين ، و إنما أنا نذير لكل الناس .

و هنا نلاحظ أن نبي الله نوح (ع) رفض ان يكون دينه دين المستكبرين ، فالمستضعفون إن كانوا مؤمنين مخلصين فهم خير من المستكبرين ، و الدين ليس ملكا لنوح (ع) انه ملك لله ، فلا يحق له طرد المؤمنين .

[ 115] [ إن أنا إلا نذير مبين ]

هذه حدود مسؤولياتي ، ما انا إلا نذير مبين ، و من دخل في رحاب الله فالله أولى به .

[ 116] [ قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ]انتهى دور الحجة ، و جاء دور التهديد ، فهددوه (ع) بأنه إن لم يكف عن دعوته ليكونن من المرجومين ، لأنه يلحق الضرر بكيانهم الإقتصادي ، و الإجتماعي - في زعمهم - اذ كان يحرض - فيما يبدو - صغار القوم على كبارهم - لانه كانينادى بإزالة الطبقية - ويبدو - انهم كانوا حساسين كما غيرهم من الكفار تجاه الرسالة و أفكارها ، فلذلك ناصبوها العداء .

[ 117 - 118] [ قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني و بينهم فتحا و نجني ومن معي من المؤمني ]أي اقض بيننا قضاء بالعذاب .

[ 119] [ فأنجيناه و من معه في الفلك المشحون ]

جاء في الحديث الماثور عن الامام الباقر (ع) ان المراد من الفلك المشحون :

" المجهز الذي قد فرغ منه ، و لم يبق الا دفعه " (1)[ 120] [ ثم أغرقنا بعد الباقين ]

بعد ان يستيئس الرسل و متبعوهم ، أو يظنوا يقينا أنهم كذبوا آنئذ ياتيهم نصر الله ، لأن إرادة الله اقتضت أن ينصر رسله و الذين آمنوا في الحياة الدنيا ، و يعذب من كذب ، و لكن الله لا ينصر إلا بعد جهد جهيد ، و هذه سنة الله .

[ 121 - 122] [ إن في ذلك لأية و ما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم ]إن الله لا تغره كثرة الكافرين ، و إن أغلب الناس لا يتعظون بالعبرة ، ولا يؤمنون بالرسل ، ولا يستفيدون من أخطاء الماضين .


(1) المصدر / ص 62 .


ومرة أخرى تتجلى العزة الإلهية بإغراق الكافرين ، كما تتجلى الرحمة الالهية بنجاة المؤمنين .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس