بينات من الآيات
خصائص الرسول [ 141] [ كذبت ثمود المرسلين ]
الذي يكذب برسول ما ، لو فكر قليلا لرأى ان سنة الله في الحياة ان يبعث رسلا ، وارسال صالح الى قومه ثمود لم يكن خارجا عن تلك السنة ، قال تعالى : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " . (1)[ 142 ] [ إذ قال لهم أخوهم صالح الا تتقون ]
و التقوى هنا الحذر من العذاب الذي يتوقع نزوله بسبب فسادهم في الأرض .
و لعل تكرار استخدام هذه الكلمة في هذه السورة يهدف زرع نيتة التقوى في القلب ، إذ أن السياق يربط بين هلاك القوم بذنوبهم و بين أعمالهم ، لعل التالي للذكر - انا و أنت - يزداد إيمانا بهذه الحقيقة : إن الجزاء سيتبع العمل ، فلا يختار عملا سيئا مهما كان صغيرا ، ذلك أن سنة الله واحدة في الحقائق الكبيرة و الصغيرة ، فالنار هي النار ، طبيعتها واحدة في قليلها و كثيرها .
[ 143] و للداعيــة الى الله شرطان : رسالة يعيها تماما ، و أمانة يحافظ عليها .
[ إني لكم رسول أمين ]
[ 144 - 145] وهكذا تنتظم الحياة اليوم بفقه الدين ( الرسالة ) و الإلتزام به ، و الاتسام بالعدالة الشرعية ( الأمانة ) .
(1) فاطر / 24 .
و مسؤولية الناس تجاه الرسالة تقوى الله ، و تجاه حامل الرسالة طاعته .
[ فاتقوا الله و أطيعون * وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ]تأكيد لله - سبحانه و تعالى - على هاتين الآيتين في هذه السورة يبين لنا أن من صفات الرسل أنهم يتخذون رسالتهم وسيلة للتقرب الى الله ، بيد أن الشعراء يتخذون شعرهم وسيلة للإكتساب .
[ 146 - 147 - 148] [ أتتركون في ماها هنا ءامنين * في جنات و عيون * و زروع و نخل طلعها هضيم ]اتحسبون أنكم متروكون .. تتمتعون بالنعم و الأمن ، و حولكم جنات و عيون ، و زروع و نخيل طلعها جميل جذاب و منسق .
فلا تحسبوا أن النعم والأمن تدون لكم ، و انتم مخلدون فيهما ، فقد يأخذكم عذاب بئيس ، فلا تستطيعون صرفا ولا نصرا .
[ 149] و كذلك لا ياخذكم الغرور بقوتكم لأنكم تبنون لكم بيوتا فارهة ، غاية في القوة و المتانة و الإبداع .
[ و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين ]
لقد بلغت حضارة ثمود مبلغا من التقدم ، حيث اهتموا بالزراعة ، كما اهتموا ببناء المصائف و المدن الجبلية ، و قد وصف الله بيوتهم التي ينحتونها بانها فارهة ، و هذه ليست من عادة المناطق الجبلية ، و انما يبنون الواسع من البيوت في سفوح الجبال لأنهم استكبروافي الأرض .
[ 150 - 151] [ فاتقوا الله و أطيعون * و لا تطيعوا أمر المسرفين ]للإسراف أبعاد : إما في المال ، أو في الظلم ، أو في المعاصي ، و هذا يؤكد انه كان في قوم ثمود كثير من الطواغيت المتكبرين .
و الملاحظة الأخرى أن الطبقية كانت منتشرة فيهم ، إذ قال نبيهم صالح (ع ) لهم : " ولا تطيعوا أمر المسرفين " حيث يبدو أن هذه الطبقة أضحت طائفة خطيرة تزحف نحو القيادة.
و قال لهم نبيهم صالح (ع) اطيعوني ، ولا تطيعوا أمر المسرفين ، و قد سبق طاعته بتقوى الله وقال : " فاتقوا الله و أطيعون " لكي يبرر طاعته للناس بأن طاعته امتداد لطاعة الله .
و يبدو أن جوهر الفساد ، أو العامل الرئيسي له هو الإسراف ، فاذا زادت النعمة على الإنسان أسرف في تلك التي أعطاها الله إياها ، و بالتالي جعلها مادة لفساده ، فقد يعطي الله إنسانا نعمة الجمال فيفسد بها ، أو نعمة الجنس فيفسد بها ، أو نعمة المال و الولد فيتجبر بهما ويطغى على من هو دونه ... وهكذا .
فبدل أن يصل بهذه النعم إلى رضوان الله ، و إصلاح المجتمع ، و عمارة الأرض ، إذا به يصل إلى عبادة ذاته ، و بالتالي الإفساد في الأرض .
ان الله يرزقنا النعم كي نستفيد منها في عمارة الأرض ، و البلوغ الى جنانه و مرضاته - سبحانه - فقد رزقنا الله اليد لنأخذ بها حقنا لا ان نبطش بها ، و العين لنبصر بها لا ان ننظر الى الحرام ، و اللسان كي نسمع الناس الحكمة لا ان نتطاول به بالغيبة و البهتان و السباب .. . و هكذا .
وفي يوم القيامة يحتج الله على العباد ، فيأتي بيوسف حجة لمن فسد بجماله ، و بمريم لمن باعت نفسها ، وبأيوب لمن لم يصبر عند البلاء .
[ 152] من هم المسرفون ؟
بعد ان كانت ثمود تعمر الأرض بالزراعة و البناء ، نمت فيها طبقة المسرفين الذين أصبحوا بؤرة الفساد ، و عندما تنحرف مسيرة المجتمع ، و يتسنم ذروة القرار فيها أناس همهم الإفساد ، فان خطاهم نحو النهاية سوف تتسارع ، و في هذه اللحظات الحاسمة من تأريخ الأمميبعث الله رسله لعلهم يتوبون اليه ، و يتقونه و يطيعون رسله .
[ الذين يفسدون في الأرض ]
واذا غلب على الانسان حالة الإفساد فانه لن يكون مصلحا ، و ما يتظاهر به من الدعوة الى الاصلاح هواء ، و هذا شأن المسرفين .
[ ولا يصلحون ]
و اليوم يصنع المستكبرون و سائل إبادة البشرية جميعا ، ثم ينادون بالسلام أو بحقوق الانسان و هم كاذبون .
و لعل من معاني الاسراف بالاضافة الى الاسراف بالمال ، الاسراف بالفساد ، و سفك الدماء .
جاء في الحديث عن الامام الباقر (ع) :
" المسرفون هم الذين يستحلون المحارم ، و يسفكون الدماء " (1)(1) ميزان الحكمة / ج 4 / ص 447 .
[ 153] [ قالوا إنما أنت من المسحرين ]
أي أنه قد أصيب بسحر ، و يبدو ان هذا الكلام تهمة خفيفة بالجنون ّ |