فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
و زنوا بالقسطاس المستقيم

[ 176] [ كذب أصحاب الأيكة المرسلين ]

الأيكة و جمعها أيائك وهي الغياط و الحدائق الكثيفة .

[ 177 - 180] [ إذ قال لهم شعيب ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله و أطيعون * و ما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ]كل الانبياء جاؤوا بمحتوى عقائدي واحد ، و لذلك فالتكذيب برسول تكذيب بكل الرسل ، و لعل تأكيد الانبياء على أنهم لا يطالبون بأجر يعتبر بمثابة اسقاط حقوقهم سلفا .

[ 181] [ أوفوا الكيل و لا تكونوا من المخسرين ]

[ 182] [ وزنوا بالقسطاس المستقيم ]

زنوا بالعدل و القسط ، و القسطاس هو الميزان ، و ليس ميزانا فحسب بل ميزانا مستقيما ، و يبدو ان الواجب هو العطاء بمقدار الوزن لا زيادة ولا نقصان ، و جاءت الروايات لتجعل الوفاء بالميزان من المستحبات ، فواجبك ان تعطي مستقيما ، و لكن من المستحب ان تزيد في الكيل .

[ 183] [ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ]كانت علاقة اصحاب الأيكة ببعضهم علاقة إفساد ، فبدل ان يتعاونوا على الانتاج اذا بهم يفسدون في الارض ، و كان البعض يأكل من الآخر ، فكان الزارع لا يعتمد على زراعته ، و المنتج لا يعتمد على انتاجه ، لأنهما كلما زرعا وانتجا أكل ريعهما الرأسٍماليون الجشعون، فكانوا مضطرين ان ينضموا الى هذا الكيان الفاسد اقتصاديا ، و يبدو أن السلطة كانت للسارقين شأنهم شأن الانظمة الرأسمالية اليوم و الواقع : نفسية الحريص هي نفسها نفسية الفاتح العسكري ، الامبراطور و ,, و ,, ، و نفسية هؤلاء و غيرهم هي نفسية لاستعلاء ، قالتعالى : " وانه لحب الخير لشديد " (1) و جاء في الحديث :

" ان ابن آدم لو كان يملك مثل أحد ذهبا لتمنى آخر "وهذه النفسية قد تكون عند الفقير ، فهناك فقراء متكبرين ، و جاء في قصة : ان الرسول (ص) مر و بعض أصحاب احد طرقات المدينة ، و اذا بامرأة عجوز شمطاء دميمة الخلق ، تلم رزقها من القمامة ، فقيل لها : افسحي الطريق لرسول الله (ص) فقالت : ان الطريق ليس ضيقا ،فنهرها الاصحاب ، فقال لهم الرسول (ص) :

" دعوها فانها امرأة جبارة "

[ 184] [ واتقوا الذي خلقكم و الجبلة الأولين ]

اتقوا الله الذي خلقكم و الذين من قبلكم ، ولا تتعاملوا بينكم بالتطفيف .

[ 185] [ قالوا إنما أنت من المسحرين ]

لماذا قالوا إنك من المسحرين ، اي المسحورين ؟


(1) العاديات / 8 .


قالوا ذلك لأنهم كانوا يحترمون شعيبا (ع) و كان فيهم مرجوا ، و كانوا يعقدون الآمال عليه لسعة عقله .

قال تعالى : " قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا أو ان نفعل في أموالنا ما نشاء انك لانت لحليم الرشيد " . (1)فما نسبوه الى الجنون ، و انما قالوا : انت متأثر بسحر الآخرين .

[ 186] [ وما أنت إلا بشر مثلنا و إن نظنك لمن الكاذبين ]انت بشر مثلنا ، فهل يمكن ان تكون رسولا ؟! انا نظنك من الكاذبين .

[ 187] [ فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ]لم يصدقوا ان الله قادر على ان يزيل النعم عنهم ، فتحدوا رسولهم ان يسقط عليهم كسفا من السماء ، فكيف يؤمن من عاش محاطا بالنعم بعذاب من عند الله ؟!

و يبدو ان شعيبا (ع) خوفهم عذاب الله ، و هل هو الا نذير بين يدي عذاب مبين ؟!

[ 188] [ قال ربي أعلم بما تعملون ]

لم يدع على قومه بالعذاب ، و انما أوكل أمرهم اليه سبحانه ، فهو أعلم بهم ، و أعلم بما هو الأصلح ، ان شاء هداهم و ان شاء عذبهم .


(1) هود / 87 .


[ 189] [ فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ]فلما كذبوا رسولهم أخذهم الله بعذاب يوم الظلة ، اذا أصيبوا بحر شديد ، و استمر ذلك الحر ستة أيام ، فمات الكثيرون ، و لم تنفعهم ايائكهم و غياطهم ، فلما كان يوم السابع ، أرسل الله عليهم سحابه تظللهم ، فصاروا يمشون معها كلما مشت ، فلما توسطوا الصحراء ،أنزل الله عليهم من السحابة صاعقة ، فاذا هم خامدون ، نعم كلما أحدث الناس ذنبا أحدث الله لهم بلاء مناسبا لذلك الذنب ، و يبدو ان نوع العذاب الذي نزل على اصحاب الأيكة كان متناسبا مع ذنبهم ، حيث انخدعوا بالسحابة بمثل ما غشوا بعضهم ، و طففوا في الميزان .


[ 190] [ إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين ]

كل انحراف في أية أمة يتبعه نوع محدد من العذاب ، و كل انحراف في الماضي هناك ما يشابهه في الحاضر ، و كل عذاب هو آية لمن يمارس نفس الانحراف .

[ 191] [ وإن ربك لهو العزيز الرحيم]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس