فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 18] [ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون ]و لم تقل النملة ان سليمان و جنوده لا يملكون الاحساس أساسا ، و انما قالت بأن اهتمامهم بأشياء أخرى قد يجعلهم لا يدركون بأن تحت أرجلهم شيئا و هذه اشارة للانسان المقتدر بأن لا ينسى النملة بل يهتم بها ، لانها ذات روح و شعور .

و الحاكم العادل ياخذ حساباته حتى بالنسبة لهذه النملة ، و لنستمع إلى كلمة الإمام علي (ع) و هو يومذاك حاكم على إمبراطورية عظمى :

" و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها ، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته ، و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها . ما لعلي و لنعيم يفنى ، و لذة لا تبقى " (1)أما الطغاة فانهم يتجاهلون شعوبا بأكملها ، فأمريكا تفكر ان تضغط على روسيا في افغانستان مادامت الاخرى تضغط عليها في بولونيا و في كلتا البلدين(1) نهج البلاغة / خ 224 / ص 347 .


شعب مستضعف الا ان المهم عندهم ان تمشي سياستهم و مصالحهم ولو دفع ملايين المستضعفين الى الجحيم .

كما تزرع كلتا الدولتين صواريخها النووية المرعبة بين ملايين البشر ، و تسلبهم الراحة و الاطمئنان ، فالمهم عندهم ان يكونوا اقوياء ، و هذا هو الفرق بين مملكة الإيمان و إرهاب الطغاة .

[ 19] [ فتبسم ضاحكا من قولها ]

قيل : ان سليمان (ع) لما سمع كلام النملة ، أمر الجيش بالتوقف في الصحراء حتى دخل النمل أجمعهم الى بيوتهم ، فأمرهم بعد ذلك بمواصلة المسير ، و في الوقت ذاته تعجب سليمان من كلام النملة ، و عرف انه و صل ذروة رفيعة من القوة و السلطة ، و انه استجيبت دعوتهالتي قال فيها : " رب اغفر لي و هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب " (1) لذلك توجه بالشكر الى الله لكي لا تبطره النعمة فيطغى .

و هناك حديث شريف ينقل حوارا بين سليمان و النملة :

في عيون الاخبار باسناده الى داود بن سليمان الغازي ، قال : سمعت علي بن موسى الرضا (ع) يقول عن ابيه موسى بن جعفر (ع) في قوله : " فتبسم ضاحكا من قولها " و قال : " لما قالت النملة : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده " حملت الريح صوت النملة الى سليمان (ع) و هو مار في الهواء ، فالريح قد حملته ، فوقف و قال : علي بالنملة ، فلما أتي بها قال سليمان : يا ايتها النملة اما علمت اني نبي الله واني لا اظلم أحدا ؟! قالت النملة : بلى . قال(1) سورة ص / 35 .


سليمان : فلم تحذرينهم ظلمي و قلت : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ؟" قالت النملة : خشيت ان ينــظروا الى زينتك فيقيسوا بها ، فيبعدون عن الله عز وجل ، ثم قالت النملة : انت اكبر ام ابوك داود ؟ قال سليمان : بل ابي داود ، قالت النملة : فلم يزيدفي حروف اسمك على حروف اسم ابيك داود ؟ قال سليمان : مالي بهذا علم ، قالت النملة : لان اباك داود داوى جرحه بود فسمى داود ، و انت يا سليمان ارجو ان تلحق بأبيك ، ثم قالت النملة : هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة ؟ قال سليمان (ع) : مالي بهذا علم ، قالت النملة : يعني عز وجل بذلك لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يديك كزوال الريح ، فحينئذ تبسم ضاحكا من قولها " (1)[ و قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ]لقــد كان سليــمان ملكا و نبيا ، كما كان ابوه ملكا و نبيا ، و أمه مؤمنة صالحة ، و كان يعمل الصالحات التي يرضاها الله ، و لكنه لم يكتف بتلك الصفات بل دعى الله ان يجعله مع الصالحين ، فماذا ينفع الانسان ان يكون ابواه صالحين اذا لم يكن هو كذلك كما ينبغي على من أوتي الحكم و النبوة و الصلاح ان لا يتخذ ما أوتي من الفضل اداة للتفرقة بينه و بين الصالحين الآخرين .

[ 20] [ و تفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ](1) نور الثقلين / ج 4 / ص 82


[ 21] و لعله خشي ان خروجه من غير إذن قد يشجع الآخرين على عدم الانضباط ، لذلك توعده بالعذاب .

[ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأاذبحنه أوليأتيني بسلطان مبين ]ان كان غيابه لعذر ، و الا فالعذاب الشديد أو الذبح العاجل ينتظره .

[ 22] [ فمكث غير بعيد ]

عاد الهدهد فبادره سليمان بالسؤال : أين كنت ؟!

[ فقال أحطمت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين ]لا يقبل الشك .

تقول رواية شريفة :

" قال ابو حنيفة لابي عبد الله (ع) : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير ؟ قال : " لان الهدهد يرى الماء في بطن الارض كما يرى احدكم الدهن في القارورة ، فنظر ابو حنيفة الى أصحابه ، و ضحك قال ابو عبد الله (ع) : ما يضحكك ؟ قال : ظفرت بك جعلت فداك قال : و كيف ذلك ؟ قال : الذي يرى الماء في بطن الارض لا يرى الفخ في التراب حتى يؤخذ بعنقه ؟ قال ابو عبد الله (ع) : يا نعمان اما علمت انه اذا نزل القدر أغشي البصر ؟! (1)[ 23] [ إني وجدت امرأة تملكهم ]


(1) المصدر ص / 85 .


أي تحكمهم و تقودهم .

[ و أوتيت من كل شيء ]

لديها انواع الخير و الملك .

[ ولها عرش عظيم ]

نقل ان عرش بلقيس كان خمسة و عشرين ذراعا طولا و عرضا و ارتفاعا ، و كانت مقدمته من الذهب ، و كانت بلقيس بنت شرحبيل تحكم قومها بمجلس شورى ، يضم اكثر من (313) رجلا ، يمثل كل واحد منهم قبيلة .

[ 24] [ و جدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله ]الناس نوعان : نوع يعمل بعد التفكير ، و نوع يعمل من دون تفكير ، و لو كان هؤلاء يفكرون قبل ان يتعبدوا للشمس لاهتدوا الى الصواب ، و لكنهم عطلوا تفكيرهم ، و اكتفوا بالواقع الموجود أو المورث .

بلى . هو كما قال الإمام علي (ع) :

" ولو فكروا في عظيم القدرة ، و جسيم النعمة ، لرجعوا إلى الطريق ، و خافوا عذاب الحريق ، و لكن القلوب عليلة ، و البصائر مدخولة ! " (1)[ و زين لهم الشيطان أعمالهم ]

عبر التبرير و التضليل .


(1) نهج البلاغة / خ 184 / ص 270 .


[ فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ]

و كيف يهتدي من استسلم للشيطان ، و جعله يفكر و يخطط بالنيابة عنه ؟!

[ 25] [ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات و الأرض ]و ليس الشمس هي التي تخرج القوى و الطاقات الكامنة حتى نعبدها .

[ و يعلم ما تخفون وما تعلنون ]

[ 26] [ الله لا إله الا هو رب العرش العظيم ]

الذي لا يقاس به عرش بلقيس و سائر السلاطين حتى نخضع لهم من دونه ، ولا بسائر المخلوقات كالشمس حتى تؤلهها و نتصورها ربا .

هكذا كانت البداية للقاء حضارتين ( حضارة عربية و اخرى عبرية ) .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس