فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


واسلمت مع سليمان لله رب العالمين
هدى من الآيات

بعد ان استشارت بلقيس قومها في أمر الرسالة التي جاء بها الهدهد ، قالوا : إننا أولوا بأس و قوة ، و مستعدون للحرب ، لكنها قالت : اننا سنتشتري رضى سليمان بالهدايا الثمينة ، فان كان من الذين تستهويهم الدنيا قبل ، و ان لم يكن كذلك و كان نبيا فالأمر يختلف، ولا مجال لدينا يومئذ لمعارضته .

و الذي نستفيده من هذه العملية - حين بعثت بلقيس بالهدايا - ان من عقل هذه الملكة - و اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله = انها لم تحزم في القرار بالحرب أو السلم ، انما تركت لنفسها فرصة - حتى يعود الرسول - تفكر فيها ، حتى لو اتخذت قرارا يكون قرارهاسليما ، و هكذا فان القرار الناجح هو الذي يتخذه صاحبه بعد توافر كل مكوناته : ( المعلومات و الخبرات و التفكير السليم ) .

و هكذا تحرك رسول بلقيس حتى وصل الى سليمان ، فلما سلمه الهدايااستصغرها و استصغرهم أيضا ، و لما عاد الرسول الى بلقيس و أخبرها بما جرى عرفت أن سليمان ليس كسائر الملوك ، و لما كان الرسول يحمل تهديدا بالزحف نحو مملكتها إن لم تأت بلقيس و قومها مسلمين ، جمعت أمرها على المسير الى سليمان ، و قبل أن تتحرك من اليمن كان سليمان يبحث عمن يأتيه بعرشها الذي يبلغ (25) ذراعا طولا و عرضا و ارتفاعا و كان ذهبا ، فقام عفريت من الجن و قال : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، فقام ( آصف بن برخيا ) و صي سليمان ، و كان عنده علم الاسم الاعظم ، فقال : انا آتيك بعرشها قبل ان يرتد اليكطرفك ، فأمره سليمان بذلك ، فرأى العرش أمامه في لحظة و آنئذ أمر سليمان بإجراء تغيير بسيط فيه وذلك بأن تجعل مقدمته فضة بدل الذهب ، و سأل بلقيس ان كان هذا عرشها ، فنظرت اليه نظرة تفكر ، ثم قالت : كأنه هو ، و تدل إجابتها على رجاحة عقلها ، اذ تعرفت على عرشها رغم تنكيره ، و لم تتعجب من انتقاله من تلك المسافة البعيدة الى قصر سليمان ، و لكن الذي أثار دهشتها ، أن عرشها كان في سبعة أروقة متداخلة ، و كلها مغلقة ، و يحيطها الخدم ، و الجيش ، و لم يكن قد طرأ تغيير في ملكها سوى انتقالها هي الى مملكة سليمان (ع)فكيف انتقل عرشها ؟! فعرفت أنه انتقل بقدرة قادر عظيم .

إن هدف سليمان من إحضار العرش هو تذكير بلقيس بأن معرفتها لم تنفعها ، و إن قوتها ليست بكبيرة ، و ان ما بنته ليس سوى نسج للعنكبوت ، لأنه لا يستند على قوة الإيمان ، و لكنها لم تفهم المغزى اذ كانت تفقد بصيرة الايمان التي تهديها الى بواطن الامور - كما هو حال الكثير من المثقفين في عالم اليوم - ولكي يختبرها و يعرفها على الحقيقة أكثر أمر سليمان بأن يوضع عرشه في مكان ما ، و أجرى بين عرشه و الباب ماء ، و وضع على الماء جسرا من الزجاج ، جعل تحته بعض الأسماك ، و الأحياء المائية ، ثم أمر بإدخال بلقيس ، فلما فوجئت بالماء ، ظنت أن


سليمان يريد إهلاكها غرقا ، لكنها قررت اقتحام اللجة ، فكشفت عن ساقيها تهيؤا للعبور ، و إذا بها تصطكان بجسر الزجاج ، الأمر الذي جعلها تنتبه الى أنها لا تملك علما بكــل شيء ، وأن كبرياءها خادع و مزيف ، و أنها من الناحية العقائدية على خطأ ، فأسلمت مع سليمان لله رب العالمين .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس