فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


إنا دمرناهم و قومهم أجمعين
هدى من الآيات

لقد تحدث القرآن الكريم في سورة الشعراء السابقة عن قصة نبي الله صالح (ع) و قومه ثمود ، و هنا يذكر تلك القصة مرة أخرى و ظاهرة التكرار و اضحة في القرآن ، فمثلا قصة موسى (ع) مع فرعون ذكرت سبعين مرة ، و إنما تتكرر قصص الانبياء في القرآن حسب المناسبات ،و في كل مرة بهدف متميز يختلف عن المرة السابقة ، و الهدف العام من ذكر القصص هو بث الروح الإيمانية فينا من خلال الحوار و الصراع الجاري بين الأنبياء و الجاهلين من قومهم ، وتكرار الفكرة ذاتها يفيد التذكرة ، لأن غفلة الإنسان و شهواته لا تنفك تحجبه عن الحقيقة حينما بعد حين ، و حينما لا يتذكر الإنسان يغفل ، فتهجم عليه حجب الشهوات لتحجب عقله ، فهو بحاجة إلى التذكرة باستمرار .

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ، و الإنسان لا يكتفي بصلاة و احدة في اليوم و الليلة ، و إنما يجب أن يصلي خمس مرات في اليوم ليمحي آثار الشهوات ،و ليرصد الشهوات الطارئة ، و يطهر قلبه من آثارها .. و هكذا يستمر المرء يحارب بالصلاة حتى يختتم عمله و سلوكه بخير .

و كلما ذكرنا القرآن بالله سبحانه و برسالاته ، و الصراع الأبدي بين الحق و الباطل ، و الرساليين و الجاهليين ، كلما ضغطت علينا الظروف باتجاه تناسي ذلك الصراع ، و جرتنا نحو الغفلة عما يجري في أنفسنا و في الساحة الإجتماعية من صراع بين الكفر والإيمان ، ويكرر الذكر الحكيم قصص المرسلين للتذكرة بهذا الأمر .

أما الهدف الخاص من تكرار القصص القرآنية فهو تبيان الفارق بين النور الالهي الهابط من عند الله باسم الرسالة ، و بين الثقافة الأرضية الموغلة في وحل الشهوات و الأهواء . و بين هاتين الثقافتين فرق كبير جدا ، و قد حدد القرآن الكريم هذا الفرق عبر التمييز بين من يحمل هذا النور الإلهي ، و بين من يتأثر بالثقافة الأرضية ، فبينما تجد الشعراء في كل واد يهيمون ، و أنهم يقولون مالا يفعلون ، تجد الأنبياء على نقيض مما يفعله الشعراء ، يتحملون مسؤوليتهم ، ويتصدون للصراع .

و في هذه السورة يتابع السياق تأكيد وايضاح الهدف ذاته ، ليبين لنا أن رسل الله على حق ، و لكن يؤكد ذلك بعد صمود النبي أمام الإغراءات المادية ، و الضغوط المختلفة ، لذلك نجد سليمان (ع) يصمد أمام الإغراءات المادية و السلطوية للملك ، فلا يعتدي ولا يتجاوز حتى على حدود النملة و حقوقها ، و من ناحية أخرى نجد أن صالحا - عليه السلام - الذي أرسل إلى ثمود يقاوم ضغط التهديد ، فيتآمرون على قتله ، و هو منهم ، و قوانين بلدهم لا تسمح لهم بذلك بأي شكل من الأشكال ، فيخططون من أجل القضاء عليه (ع) بطريقة معينة ، وهي أن تختاركل قبيلة من القبائل التسع المتواجدة في مدينة حجر - الواقعة بين الشامات و الحجاز - رجلا منها فيقتلونه ثم ينكرون قتله ، فيضيع دمه بين القبائل .. و هكذا أرادوا أن يشترك جميعأبناء البلد في دمه ، و بذلك يتخلصون من وطأة القوانين التي تمنع قتله .

وفي تلك الليلة التي قررت فيها ثمود قتل نبيهم ، أمر الله صالحا (ع) بالرحيل عن المدينة ، و لما رحل عنها جاء ثمود العذاب الشديد فدمرهم تدميرا ، و تشبه قصة المؤامرة هذه قصة تآمر كفار مكة على قتل النبي (ص) ليلة هجرته ، و مبيت علي (ع) على فراشه ، و التيباءت بالفشل بسبب هجرة النبي عن مكة .

ان هذه القصة هي قصة صراع و تحد ، و هاتين الصفتين من سمات الرسالة الالهية ، و لهذا فإن الرسل يتحدون ، و يقاومون الضغوط ، و يتعرضون اللأزمات ، فهم يسعون من أجل تغيير الأوضاع باجتثاث الفساد من جذوره ، و من هنا نعلم أنه لا يمكن أن يكون الرسل ممن ينعزلون عن الأعمال الجهادية ، ويتركون التحدي و المواجهة و التصدي .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس