فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 82] [ و إذا و قع القول عليهم ]

أي أنتهى أجلهم ، و صار يوم الجزاء .

[ أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ]ولأنهم لم يؤمنوا تم القضاء عليهم قضاء مبرما ، و هذا هو بيان المحكمة الإلهية الذي تقرأه الدابة .

و لقد أختلف المفسرون في معنى الدابة على قولين :

الأول : إن الدابة التي تكلم الناس حيوان يختلف عن سائر الدواب ، كأن يكون رأسها رأس فيل ، و جسدها جسد وحيد القرن .

الثاني : إن الدابة إنسان ، فكل ما يدب على الأرض يسمى دابة في اللغة ، و كلامها مع الناس يؤكد هذا المعنى ، إذ لا يتكلم من الدواب غير الإنسان ، و قد أكد الله سبحانه في كتابه هذا المعنى في موضعين ، إذ قال - عز من قائل - : " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " و قال تعالى : " إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهــم لا يؤمنون " (1) و نقل بعض المفسرين رواية مأثورة عن عمار بن ياسر ( رض ) : أن المراد بهذه الدابة هو الامام علي (ع) الذي يخرجه الله حيا من(1) الانفال / 22 - 55 .


بعد استشهاده ، فيقرأ على الناس بيان انتهاء الدنيا ، و بداية عهد الآخرة ، و أن وعد الله حق ، إلا أن اكثر الناس لا يؤمنون ، إلا بعد فوات الأوان .

قال أبو بصير ، قال أبو عبد الله (ع) :

" انتهى رسول الله (ًص) إلى أمير المؤمنين (ع) و هو قائم في المسجد ، قد جمع رملا و و ضع رأسه عليه ، فحركه برجله ، ثم قال : قم يا دابة الارض ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟! فقال : لا و الله ما هو إلا له خاصة ،و هو الدابة الذي ذكره الله في كتابه ، فقال عز وجل : " و اذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " ثم قال : يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ، معك ميسم تسم به اعداءك " (1)

و على هذا فهذه الآية تشير إلى الرجعة، حيث تتظافر أحاديث آل البيت أن هناك قيامة صغرى قبل القيامة الكبرى ، و في ذلك اليوم يبعث بعض المجرمين و بعض الصالحين ، و على هذا فالآية التالية تشير أيضا الى هذا اليوم .

[ 83] و اذا قامت القيامة الصغرى حشر الله من كل أمة فوجا من مجرميها ، يخرجهم إلى الدنيا قبل غيرهم ، ليشهدوا على أنفسهم ، و يشاهدوا جرائمهم ، و تكذيبهم بآيات الله .

[ و يوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون ][ 84] و هناك تجري محاكمتهم :


(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 98.


[ حتى إذا جاءو قال أكذبتم بآياتي و لم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون ]من الأخطاء التي يقع فيها البشر ، هو تكذيبهم بالحقائق لأنهم لم يحيطوا علما بجوانبها المختلفة ، كالذي لا يؤمن بوجود منطقة في العالم إسمها أمريكا اللآتينية ، لأنه لم يعرف تفاصيل الوضع هناك ، هذا هو حال الكفار الذين كذبوا بالآخرة لعدم إحاطتهم بجوانبهاالمختلفة ، و معنى الآية : أكذبتم بآياتي دون أن تحيطوا بها علما ، أم كنتم تعملون عملا آخر غير التكذيب ؟! كلا .. إنكم كنتم مشغولين بالتكذيب حتى صار شغلكم الشاغل ، و الآية بهذا المعنى تتشابه و قوله سبحانه : " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله " (1)

[ 85] و جرى قضاء الله سبحانه فيهم بالعذاب بسبب ظلمهم ، و لم يحتجوا على ذلك لعدم وجود حجة بالغة لهم .

[ و وقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ]

اذ لا يجــدون عذرا ولا منطقا يخلصهم من المسؤولية ، لأن الله محيط بكل شيء ، و له الحجة البالغة ، حيث تشهد أيديهم وجوارحهم عليهم ، وإذا كان الإنسان يستطيع المراوغة و التكذيب في محاكم الدنيا فهو لا يستطيع ذلك في الآخرة .

[ 86] و من احتجاجات الله عليهم أنه يقول لهم : هل كانت الآيات و الدلالات على الإيمان قليلة أو غامضة حتى كفرتم ؟!

[ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه و النهار مبصرا ](1) يونس / 39 .


و كل ذلك من آثار حكمة الله التي تدلنا على الآخرة ، و تبعث فينا الإيمان بها لو كنا نريد الإيمان ، فلو كانت الحياة كلها ليلا أو العكس لاستحالت الحياة .

[ إن في ذلك لأيات لقوم يؤمنون ]

إن في اختلاف الليل و النهار ، و ما يحملانه من تغيرات هائلة في الطبيعة ، و تدبير تصريفهما بتلك الدقة المتناهية ، إن في ذلك علامات تشهد على الحقيقة ، إلا أن القلوب القاسية لا تستفيد منها شيئا .

[ 87] و مع أن الآيات واضحة و تكفي دلالة للإنسان على الآخرة و البعث ، إلا أن أكثر الناس يأتي إيمانهم متأخرا حين تقع القيامة ، و هل ينفع ذلك الإيمان إذا ضيعنا فرصة العمل في الدنيا ؟!

[ و يوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات و من في الأرض ]و يبقى المؤمنون مطمئنة قلوبهم ، فلماذا يخافون و قد عملوا بمرضاة الله ، و استعدوا لهذا اليوم ؟! إنهم على العكس من ذلك ينتظرون ساعة الجزاء ، و دخول الجنة ، و لقاء الله .

[ إلا من شاء الله و كل أتوه داخرين ]

خاشعين ، مطأطئين رؤوسهم .

[ 88] لقد بين الله لنا آية من واقع الليل و النهار تدلنا على حكمته ، و الآن يضرب لنا من حركة الارض آية على أنه خبير بما يعمله العباد .

و هذه من آيات القرآن الحكيم أنه يبين لنا حركة الارض من قبل أن يكتشفهاالبشر ، و ضرب مثلا رائعا لها حين شبهها بحركة السحاب التي قد لا يحس بها البشر ايضا .

[ و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب ]

في حركتها ، و لكننا لا نشعر بذلك .

[ صنع الله الذي أتقن كل شيء ]

فهو يؤدي وظيفته على أكمل وجه ، و بلا أي خلل .

[ إنه خبير بما تفعلون ]

[ 89] الاتقان المتجلي في الخلق يدلنا على حكمة الصانع ، و أن للانسان هدفا يحاسب عليه ، فإما ينتهي إلى الجنة أو إلى النار .

[ من جاء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع يومئذ ءامنون ]المؤمنون الذين تكون مجمل أعمالهم حسنة يحسون بالاطمئنان يوم الفزع ، و ذلك بسبب طاعتهم لله - الذي تطمئن القلوب بذكره - و أول ما يخرج المؤمن من قبره يوم البعث يجد على يمينه و شماله ملكين يسلمان عليه ، و يفرغان السكينة في روعه ، كما أن الله يجعل للمؤمننورا في جبهته من نور أعماله الخيرة ، يضيء له في المحشر .

[ 90] و في المقابل نجد الكافــر و المنافق يتخبطان في الظلمات فلا يبصران الطريق .

[ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ]


وهذا المصير ليس بظلم من الله - حاشاه - بل هو نتيجة أعمالهم ، لذلك يأتيهم النداء و هم يتجرعون العذاب مؤكدا على أنه جزاء عادل لأعمالهم .

[ هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ]

[ 91] ثم إن ربنا سبحانه ذكرهم بالنعمة التي كانوا يرفلون فيها ، و أنه هو الذي أسبغها عليهم ، وهي نعمة الأمن في الحرم المكي ، فقال :

[ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ]

و ليس الأصنام التي وضعت فيها .

[ و له كل شيء ]

فهو ليس رب البلدة و حدها ، بل رب كل شيء .

[ و أمرت أن أكون من المسلمين ]

إن من علامات الرسول و آياته كما من أهم واجباته أنه يطبق القيم التي جاء بها على نفسه ، ثم يأمر الناس بذلك .

[ 92] كما أن من مسؤوليات الرسول تبليغ الرسالة إلى الناس على أكمل وجه ، أما مــاذا يكون بعدها أيهتدي الناس أو يتمادون في الضلالة فذلك ليس من شأنه .

[ وأن أتلوا القرءان فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فقل إنما أنا من المنذرين ][ 93] [ و قل الحمد لله ]

و حينما نحمده فإنما نعكس نظرتنا إلى الحياة بأنها قائمة على أساس الخير ، أما الشر فهو من أنفسنا ، ذلك أن الحمد تنزيه لله بأن خلقه كان حميدا و صالحا .

[ سيريكم ءاياته فتعرفونها ]

آيات الله تتجلى في كل شيء من حولنا و في أنفسنا ، بينما أكثر الناس لا يرونها ، و لكن الله سيعرف الجاحدين آياته الخارقة بحيث يرونها ، و لكن يومئذ تنتهي فرصتهم ، و تحين ساعة الجزاء .

[ وما ربك بغفل عما تعملون ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس