الاطار العام
يد الله فوق أيديهم
هدى من الآيات تدور آيات السورة كما يبدو من فاتحتها حول السلطات الفاسدة ، و كيفية القضاء عليها ، كما تبحث موضوع الحركات الرسالية التي عن طريقها يبدل الله - سبحانه و تعالى - حاكما ظالما بآخر عادل ، و سلطة فاسدة بأخرى صالحة ، و نستطيع أن نستوحي هذه الحقيقة و بصورةواضحة من الصراع الرسالي الذي قاده موسى (ع) مع بني إسرائيل ضد فرعون بجاهليته ، و المستكبرين من ملئه .
و قبل كل شيء يبين القرآن لنا أن للصراع أداة ايدلوجية ، و عوامل ثقافية ، وان أبرز أدوات الصراع الرسالي الجاهلي ، و أوسع قنواته ، و افضل عوامله المؤثرة في انتصار جبهة الحق هو القرآن الحكيم ، لذلك تبدأ هذه السورة باشارة مبينة الى القرآن ذاته ، و بعدئذيبين القرآن أسباب الصراع ، و لماذا ينهض الرساليون ، و يفجرون الثورات ضد السلطات الجاهلية عبر التأريخ ؟
و يجيب القرآن بأن المسؤول الاول عن الصراع هو امام الجاهلية ، و النظام الذييجسده ، فلأن فرعون خرج عن سنة الله ، و علا في الأرض ، و عاث فيها الفساد بشتى الوانه و صوره ، و استضعف طائفة من المجتمع فسلب حقوقهم ، لذلك كله فإنه هو المسؤول عن الصراع و آثاره ، و ليست الحركة الرسالية . اذ لا يمكن للناس ان يسكتوا عن سلطة تضيع في ظلهاحقوقهم و حرياتهم ، و الذي يزرع بذور الثورة بظلمه و فساده لا يحق له بعد ذلك ان يتهم الرساليين بالإرهاب و الشغب ، و هكذا تبدأ السورة بالإشارة إلى سبب الصراع و هو فرعون .
ثم يمضي السياق يبين سنتين في هذه الحياة : سنة يرعاها قضاء الله ، و سنة يجريها قدره سبحانه ، فقدر الله في الحياة ان السلطة التي تتمسك بأسباب القوة ، و الاستمرار المادية وهي الإرهاب و الإغراء و التضليل فانها تبقى و تستمر ، و لكن فوق هذه السنة سنة و قانون أعلى و هو قضاء الله ، فالعدالة الإلهية تأبى ان تستمر سلطة جائرة تعتمد على هذا الثالوث ، فيأبى الله ذلك و هو العزيز الرحيم ، الذي أجرى الاشياء بالحق ، و خلقه كل شيء لحكمة و هدف . يا ترى هل يدع الناس و هم عياله يسحقون تحت أقدام الجبابرة ؟! كلا ..
ان هناك ارادة عليا يعبر عنها القرآن الحكيم في هذه السورة بصورة واضحة حين يقول : " و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين " و لكن كيف تتم هذه الارادة ؟ فهل إرادة انتصار الحق على الباطل تتحقق بحركة كونية تنطلق من النجوم ؟ أو باشاعة مرض قاتل في صفوف المستكبرين ؟
ربما يتحقق ذلك عن هذا الطريق ، و لكن الأكثر أن إرادة انتصار الحق على الباطل التي هي ارادة الله لا تتحقق من خلال العوامل الغيبية فقط ، و إنما على أيدي المؤمنين أنفسهم ، و قبلهم قيادتهم و أمامهم ، لذلك نجد السياق القرآني فور ما يحدثنا عن إرادة الله العليا في الإنتصار ، يبين لنا أن هذه الإرادة . لا تتحقق إلا بتربية قائدرسالي فيقول : " واوحينا الى أم موسى " .
حينما أراد ربنا إنقاذ بني إسرائيل من هيمنة فرعون خلق قائدا رساليا ، و رعاه منذ الطفولة ، و تدرجت مراحل النصر بعد أن أمر الله أم موسى بأن اقذفيه في اليم ، ليحمله الماء الى ساحل قصر فرعون ، فجعل الله تربيته هناك رغم إصرار فرعون على ذبح كل طفل ذكر ، وهكذا تجري سنن الله إلى أن يقضي الله على فرعون و نظامه .
ان موسى (ع) تجل كريم لإرادة الله ، و كان مركز تحقق القضاء الإلهي في ذلك المجتمع ، وإرادته لتحقيق العدالةالإلهية الغيبية ، و تؤكد هذه السورة كما الكثير من سور القرآن على ان هذا القضاء يتحقق بأمرين : احدهما عمل الناس ، و الآخر إرادة الله ، فمن جهة نجد موسى يقبض زمام المبادرة ليتحول إلى إمام للثائرين ضد فرعون و جلاوزته ، و يخوض الصراع ببني إسرائيل و المؤمنين من حوله ، و من جهة أخرى تحوطه العناية الإلهية و ترعاه ، و يمكن لنا القول بأن سنة القدر يجريها الله سبحانه و تعالى ، بينما يرعى سنة القضاء ،و لكنها قد تجري على أيدي الناس أنفسهم .
و هكذا جرى قضاء الله ، بنصر موسى (ع) و من اتبعه باحسان .
|