فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بآياتنا انتما و من اتبعكما الغالبون
هدى من الآيات



لحظة الوحي هي لحظة حساسة في تأريخ البشرية ، لأنها لحظة الاتصال الخارق للعادة ، بين رب السماء و الارض عبر مشكاة طاهرة تتجسد في قلوب الرسل الذين يستقبلون الوحي ، ثم يبلغونه للناس دون زيادة أو نقصان ، و هذه اللحظة لا تتكرر كثيرا في حياة البشر ، إلا وفق حكمة الله البالغة ، و قد تحققت لأمة بني إسرائيل عندما كلم الله نبيه موسى (ع) في طور سيناء ، كما تحققت للأمة الاسلامية في ليلة القدر ، حينما نزل القرآن كله على قلب النبي محمد (ص) و لعظمة هذه اللحظة كانت ليلة القدر خيرا من الف شهر .

لقد كلم الله نبيه موسى تكليما ، و لكنه أجل من ان يكون له لسان ، انما يخلق الصوت خلقا و بذلك تغيرت صفحة الحياة ، و بدأت المسيرة الحقيقية لبناء الأمة المؤمنة .


و لقد زود الله نبيه موسى (ع) بآيتين عظيمتين هما العصا ، و يده التي تصير بيضاء حينما يضمها الى جيبه ، ثم أمره بالتوجه إلى رأٍس الفساد و الإنحراف في المجتمع و هو الطاغوت ، و ذلك أن من خصائص الرسالات الآلهية عبر التاريخ أنها شجاعة مقدامة ، لهذا نجد موسى (ع) حينما يامره الله بالتوجه إلى قلب الكفر يفعل ذلك و يترك العمل السري دون ان يخشى من فرعون ، و لماذا يهاب أحدا و قد اتصل بالوحي و بخالق الكون كله ؟!

و في مقــابل موســى يقف فرعون و هو تركيز لشتى أنواع الفساد ، انسان ظالم ، تحوطه الاهواء و الشهوات و الكبرياء المزيفة ، و بالطبع لا يمكن أن يتخلى عن ذلك كله في لحظة واحدة ، و يتجه الى عبادة الله ، و يسلم لقيادة رسوله ، إلا أن موسى يبقى ثابتا أمام ذلك ، و اثقا من " انه لا يفلح الظالمون " و انهم مهما فعلوا ، و مهما استمروا ، وتشبثوا بأسباب القوة فان عاقبتهم الخسران .

ان العبر التي نستوحيها من هذا الدرس كثيرة ، و تنفعنا في حياتنا و نحن ندعوا الى الله ، و لكن أبرزها ان يعرف الفرد الرسالي بان النقطة المحورية لتحركه هو تقربه من الله ، فليدع و ليعمل و ليعارض و لكن انطلاقا من هذه النقطة و انتهاء اليها .

هل رأيت المحارب ينطلق من خندقه ، ثم يعود اليه ليغير سلاحه ، و يحكم خطته ، ثم يهجم مرة أخرى ؟ كذلك المؤمن يواجه السلبيات و المشاكل و التحديات ، فيضعف سلاحه ، و ينفذ زاده ، و تتعب نفسه فيعود الى خندقه ليجبر ضعفه ، و يحمل زاده ، و يستعيد نشاطه ، و لكنه اين هو خندق المؤمن ؟ انه المحراب يقف فيه للصلاة ، و القرآن يستوحي منه خطط العمل و التحرك ، و الصوم يشد به أزره ، و التبتل يستفيد منه العزم و الإرادة و الإصرار عبر اتصاله بالله .


انا لو فصلنا الحركة الرسالية عن الروحيات ( الصلاة ، و الصوم ، تلاوة القرآن ، الايمان بالغيب و ,, و ) فانها تصبح كأية حركة مادية أخرى لاقيمة لها ، كما الانسان لو أخذنا منه عقله ، أو الحيوان نسلب روحه . أنه يتحول الى كتلة لحم تتعفن بمرور الأيام ، فالحركة الرسالية يجب ان تكون من الله ، و الى الله ، و بالله ، و في سبيل الله ، و ليس من الله الى غيره ، أو من غيره تعالى اليه .

و حينما تتخلى أمة عن الوحي تضحى كبني إسرائيل كانوا حركة رسالية ، فتحولوا الى حركة مادية بحتة أفرزت دويلة إٍسرائيل ( فلسطين اليوم ) أما المسلمون فقد تقدموا لما اتصلوا بالرسالة ، و لما تركوا الرسالة سلب منهم كل شيء .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس