بينات من الآيات [ 50] [ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ]
ذلك ان الرسالة تلتقي مع الجانب الخير في الانسان و هو عقله ، و بالتالي يكون الباعث على مخالفتها هو اتباع الهوى .
[ و من أضل ممن اتبع هواءه بغير هدى من الله ]
الانسان قاصر في ذاته ، فلابد ان يعالج هذا النقص باتباع هدى ربه ، واسع(1) نهج البلاغة / خ 274 / ص 524 / صبحي الصالح .
العلم و القدرة ، و لو لم يفعل ذلك فلن يزداد الا بعدا عن الحقيقة .
[ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ]
الهدى سنة عظيمة لا يمنحها الله للظالمين الذين يعتدون على حقوق الناس و حقوق الله ، و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور ، و الظلم يكرس حب الذات ، و اتباع الهوى في القلب ، مما يشكل حجابا كثيفا عن الحقائق .
[ 51] و مشكلة الذين لم يستجيبوا للرسالة ، ليست في غموضها أو قصر شواهدها ، بل لآنهم لا يريدون الهداية ولا التذكرة ، و الدليل انهم كانوا يرفضون رسل الله و رسالاته .
[ و لقد وصلنا لهم القول ]
أي جعلنا اسباب الهداية متصلة لا تنقطع ، وفي الروايات ان الله بعث مائة واربع و عشرون ألف نبيا غير الاوصياء و الدعاة الى الله من أتباعهم .
[ لعلهم يتذكرون ]
و لم تكن الرسالات الإلهية شيئا غريبا بالنسبة للنفس البشرية ، لأنها تتلاقى مع فطرة الانسان و عقله ، اللذين أودع الله فيهما الحقائق ، و ما الرسالة في غالبها الا و سيلة لاستثارة الذاكرة .
[ 52] و أولئك الذين آمنوا بالكتب ، و دربوا أنفسهم على الانقياد للحق لا يجدون حرجا في التسليم للرسالة الجديدة .
[ الذين ءاتيناهم الكتاب من قبله هم به ]
يعني بالقرآن الحكيم .
[ يؤمنون ]
و ذلك لانهم يجدون هذا الكتاب في جوهره مطابقا للرسالة السابقة ، و موافقا للعقل و الفطرة ، لان المؤمنين بالرسالات السابقة كانوا قد روضوا أنفسهم بالحق . و قاوموا جهل قلوبهم و أهوائهم و شهواتهم ، و سلموا - بالتالي - لربهم ، فانهم كانوا مستعدين نفسيا للايمان بالحق .
[ 53] [ وإذا يتلى عليهم قالوا ءامنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ][ 54] و يعطي الله هؤلاء أجرهم مضاعفا :
[ أولئك يؤتون أجرهم مرتين ]
مرة لايمانهم بهذا الكتاب الذي أكمل الله به رسالاته ، و مرة لأنهم آمنوا بالكتاب الذي أنزل اليهم ، و صبروا عليه فلم يحرفوه كما حرفه علماء السوء منهم ، و لم يخضعوا لضغط السلطة و الثروة .
[ بما صبروا ]
على الاذى الذي لا قوة بايمانهم بالكتاب ، و لعل أعظم الثواب كان لهم بسبب صبرهم أيام الفترة ، حيث سيطر الطغاة ، و انحرف الناس ، و لم يبق الا بقية مستضعفة من المؤمنين أمروا بالصبر ، و العمل بالتقاة ، و رد أذى الكفار و المنحرفين بسعة الصدر ، و حسن الخلق ، و العطاء ، و عدم الخوض في الجدل العقيم مع المنحرفين .
و على هذا يكون معنى الصبر ما يبينه السياق لاحقا ، و تكون هذه الآيات بيانا لمنهاج المؤمنين في عصر التقية ، و يتخلص في : الصبر ، و العفو ، و الانفاق ، و الاعراض عن لغو الجاهلين .
[ و يدرؤون بالحسنة السيئة ]
لقد تقدم أن الظالم يتبع هواه على حساب عقله ، و بالتالي تتضخم ذاته على حساب الآخرين ، أما المؤمن فعكس ذلك : يكبح جماح نفسه و هواه ، فينمو عقله ، فهو يفكر في الآخرين ، فاذا أخطأوا عليه درأهم بالحسنات ، و إذا احتاجوا سد حاجتهــم .
[ و مما رزقناهم ينفقون ]
[ 55] ثم أنهم طوعوا أنفسهم ، و روضوا أهواءهم ، و حددوا حب ذاتهم عن طريق الإعراض عن اللغو ، و هذا ما ينمي العقل ، لانه يخالف الهوى .
[ و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ]
لان طموحاتهم و أهدافهم أسمى من الأهواء و الشهوات ، لذلك لم تستفزهم إثارات الجاهلين ، و لم يبوحوا بأسرارهم ، و لم يخوضوا في الجدل الذي لم يؤمــروا به ، بل إذا طالبهم الجاهلون بالحجة - جدلا - أعرضوا عنهم .
[ و قالوا لنا أعمالنا و لكم أعمالكم ]
هدف هؤلاء أبتغاء رضوان الله ، و ليس العلو في الارض ، و التظاهر ، و الفخر ، و الغرور بما لديهم ، لذلك لا يستفزهم الجاهلون ، ولا يثيرهم سبهم ، و طلبهم للبراز في ميدان الجدل .
[ سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ]
هكذا يقاوم المؤمنون محاولات التحريف بالإستقامة أمام الضغوط ، و عدم التأثر بالمحيط الإجتماعي الفاسد ، و الى هذا دعى الإسلام أبناءه .
قال الامام علي (ع) :
" كن في الناس ولا تكن معهم "
[ 56] وفي آخر آية يحدد الله مسؤولية حامل الرسالة و هي التبليغ ، اما ان يجبر الناس على الهداية ، فليس ذلك من شأنه ، لان الهداية لا تتأتى لاحد الا بسعيه و توفيق الله له .
[ إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ] |