فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


و كم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها
هدى من الآيات

للانسان موقفان متناقضان تجاه النعمة ، فإما الشكر و إما الكفر .

الشكر ان تكون النعمة سبيلا للوصول الى هدفها ، فكل شيء في الحياة هو وسيلة لهدف أسمى منه ، فالنشاط و سيلة للسعي ، و السعي و سيلة لعمارة الأرض ، و عمارة الارض و سيلة لرخاء الإنسان وراحته ، و الرخاء و الراحة و سيلة للكمال الروحي ، و هكذا تستهدف من كل نعمة نعمة أخرى أعظم منها ، في سلسلة متصاعدة و يكون المنتهى فيها ما قاله عز وجل : " وان الى ربك الرجعى " .

و الشكر الحقيقي هو الذي يوصل الانسان ، الى التفكير في عوامل النعم و أسبابها ، و بالتالي المحافظة عليها ، لتدوم له النعم ، حيث ان بقاءها مرهون ببقاء عواملها ، فظاهره الصحة - هذه النعمة - باقية مادامت الوقاية ، و مادامت سلامة النفس و الحركة ، هذا منجهة .


و من جهة أخرى نجد موقف الكفر ، و الذي يتخلص في ثلاثة أمور هي : عدم الإهتمام بعوامل النعمة أولا ، و عدم السعي لتحقيق أهدافها ثانيا ، و أتخاذ الموقف الخاطىء منها ثالثا .

و في هذا الدرس نجد معالجة عميقة لهذين الموقفين - الشكر و الكفر - فمع أننا لا نجد هاتين الكلمتين الا ان الأيات - من هذا الدرس حتى قصة قارون - تحدد للانسان الموقف السليم من النعمة .

إن أهل مكة من العرب كانوا يتصورون ان النعمة التي يتقلبون فيها ناشئة من الواقع القائم ، حيث عبادة الأصنام ، و فرض السيطرة على العرب من خلال الموقع الاقتصادي و الاجتماعي ، لذلك لم يكونوا يريدون الإيمان بالرسول (ص) خوفا من تمرد العرب ضدهم ، و بالتاليخسران هذه المكتسبات ، فأجابهم الله :

أولا : انكم لم تعرفوا السبب الحقيقي للنعمة . انه ارادة الله ، و حكمه الذي قضى بحرمة البيت ، و هكذا اذا تمسكوا بسائر أحكام الله نزلت عليهم البركات لا تلك القيم الفاسدة التي تتصورونها ، و بالتالي فان الايمان به و برسوله سوف يزيد هذه النعمة و يحافظ عليها .

ثانيا : ان النعم قد تكون نقمة على صاحبها ، و ذلك عندما تخدعه و تدعوه للغرور ، فكم هي القرى التي تصاعدت في مدارج النعم المادية الى ان بطرت معيشتها فدمرها الله بسبب كفر أهلها ، بعد ان أقام الله عليهم الحجة ببعث رسله و انبيائه ، و اذ يشير الله الى ماآلت اليه تلك القرى ، فان في ذلك إنذارا لاهل مكة .

ثالثا : ثم لو افترضنا جدلا أنها لم تكن من عند الله ، فان دعوة القرآن لهم ليست من أجل الرخاء المادي فحسب ، بل من أجل نعيم الآخرة الذي لا يحصىأيضا ، و لو انهم خسروا هذا النعيم المحدود بسبب إيمانهم بالرسالة ، فان الله سيعوضهم ما هو أفضل منه في الدار الآخرة ، فكيف و الحال ان الايمان بها يمنحهم مزيدا من النعيم في الدنيا ، و الثواب في الآخرة ؟!

و الدرس بمجملــه يطهـر القلب من أدران حب الدنيا المانعة من الايمان بالرسالة ، و ذلك من خلال بيان خطأ موقف أهل مكة الذين لم يبادروا الى الايمان خشية فقدان مصالحهم العاجلة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس