الإطار العام أولى آيات سورة الحج تصور لنا اهوال الساعة بهدف بث روح التقوى من الله .
و لعل التقوى من الأهداف التي تحققها كل السور القرآنية ، الا ان انعكاساتها على الحياة تختلف ، و قد سبق الحديث عند التدبر في سورة البقرة ان آياتها تهدف بيان صبغة الله التي جعلها للامة المسلمة ، و التي تتجسد في التقوى . و تكاد تكون سورة الحج تأكيدا على تلك الصبغة ، حيث أنها تشرع بأمر الناس بالتقوى ، و تذكرنا بمناسك الحج ، و واجبات الجهاد ، و تنتهي ببيان خصائص الامة الاسلامية .
ولكن هذه السورة التي اختلف المفسرون في أنها نزلت بمكة أو المدينة ، أو فيهما معا تتميز عن سورة البقرة - فيما يبدو لي - في انها شفاء للقلب من أمراض الغفلة و الجدل و الجهل و النفـــاق ، و هي تعالج أيضا الأعذار التي يلجأ اليها الانسان هربا من المسؤولية ! مثل التظني و التمني ، و الاتكال على عبادة الأوثان ، و الخوف منالطغاة ، و الخشية من الهزيمة أمام قوتهم .
كيف يشفي الله بآيات هذه السورة تلك الأمراض ، و يطهر القلب من الأعذار و المانعة عن التقوى ؟
فيما يلي نتذكر معا الحقائق التي نستوحيها من التدبر في آيات هذه السورة التي تفيض هيبة و جلالا :
نرى في بدايتها هزة عنيفة تزلزل قناعات الانسان ، السادر في الغي ، الغافل عن المصير الفظيع الذي ينتظره .
ثم يعالج السياق التبرير القديم الجديد ، الذي تلجأ اليه النفس البشرية هربا من عظمة المسؤولية و هيبة الجزاء .. و ذلك هو الجدل في الله بغير علم ، و الريب في البعث باعتباره مستحيلا .
و بعد التذكرة بقدرة الله على النشور - ِأوليس قد خلق الانسان اطوارا ؟! - يعالج حالــة الجدل بغير علم ، و حالة الايمان الحرفي ، حيث يهدف صاحبه المصالح العاجلة ، ويحذره بأنه الخاسر في الدنيا و الآخرة .
و يهدينــا السياق القرآني الى ضلالة من يظن بان الله لا ينصره في الدنيا و الآخرة ، أوليس هو السلطان الحق للسموات و الارض ، و هو الذي يفعل ما يشاء ؟!
و هو الذي يفصل بين الناس - على اختلافهم - بالحق .
ثـم يبيـن جزاء المؤمنين ، و عقاب الكفار ، و بالذات الذين يصدون عن المسجد الحرام .. ذلك البيت الذي بناه ابراهيم و يجب قصده ابتغاء مرضاة الرب .
ان من اعظم حكم الحج بث روح التقوى في القلب ، لتطهيره من درن الشرك ، و ذلك عبر ذكر الله ، و اطعام البائس و الفقير ، و تطهير البدن من التفث .
و هكذا يبدء السياق بذكر الحج من آية (26) ، و يستمر ببيان جانب هام من التقوى ، هو تعظيم حرمات الله و احترام شعائره ، و ينهى عن الاوثان ، و يأمر برفضها عبر الحنفية التي تعني الطهارة و النقاء .
ان تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب ، و الهدف من الذبح تنمية التقوى ، عبر ذكر الله عليها . و قد حدد الله لكل امة منسكا ، ليذكروا الله على نعمائه .
و أسمى درجات التقوى حالة الإخبات حيث يذكرنا السياق بصفات المخبتين ، من خشية الله و الصبر و اقامة الصلاة و الانفاق .
و خلال آيات (38 - 41) يذكرنا السياق بالجهاد الذي هو حصن المقدسات ، و درع الحرمات . و العلاقة و ثيقة بين الحج الذي يسمى بجهاد الضعفاء و الجهاد ، أوليسا يهدفان معا اعلاء كلمة الحق ، احدهما بصورة سلمية ، و الثاني بالدفاع الدامي ؟!
و لعل الإذن بالجهاد في هذا السياق لتكميل جوانب التقوى ، حتى لا يتبادر الى الذهن ان التقوى تعنــي العزلة و التقوقع و الرهبنة .. و عموما يبدو ان هذه الآيات هي سنام السورة .
ثم يعالج السياق تبريرا شيطانيا آخر حيث يظن المكذبين بالرسالات ان تأخير العذاب دليل إهمال الله لهم . بينما ينبغي السير في الأرض للنظر في عواقب المكذبين الذين أملى الله لهم ثم أخذهم أخذا شديدا ، بينما أسبغ على الصالحين نعمه ظاهرة و باطنة . و السير في الأرض لا ينفع الذين يسعون في آيات الله معاجزين ، و هميعاندونها و يتحدونها و لكن لهم عذاب شديد .
و يداوي الذكر الحكيم قلب البشر من التمنيات التي هي أرضية وساوس الشيطان ، و الله سبحانه يؤيد انبياءه فينسخ ما يلقي الشيطان . ثم يحكم آياته . و علينا ان نعالج هذه التمنيات بآيات القرآن ، حتى لا تكون فتنة لنا .
و لكن القلب المريض و القاسي يستقبل ما يلقيه الشيطان فيه عند التمني فيضل عن الصراط السوي .
و الكفار يترددون في ريبهم . و لهم عذاب شديد .
و هناك عذر شيطاني آخر تعالجه آيات الذكر و هو اليأس ، حيث يتساءل المرء : ماذا ينفع القيام لله و المطالبة بالحقوق الضائعة ؟.
بلى .. الذين يهاجرون في سبيل الله ، و يدافعون عن أنفسهم ضد البغي ينصرهم الله ، و لا يعجز الله شيء في السموات و الأرض ، أوليس هو الملك الغني الحميد الرؤوف الرحيم ، و إنه يحيي و يميت ؟!
و لكي نعالج حالة اليأس لابد من النظر في آيات قدرة الله و رحمته .
و لعل ما يعوق الانسان عن العمل هو الجدل في الدين ، و الله نهى عنه ، و نبئنا بانه قد جعل لكل امة منهجا و منسكا ، و انه عليم بكل شيء .
و الشرك ملجأ المبررين حيث يزعم المشرك بأن الإعتماد على الشركاء ينجيه من المسؤوليات ، و لكن القرآن يذكرنا بان اولئك لم يخلقوا ذبابا ، و انهم لا يقدرون على مقاومته .
و في الدرس الأخير من السورة يبين الله كيف يصطفي الرسل من الملائكة و منالناس .. و انه المهيمن عليهم ، فلا يزعم البعض بأنهم انصاف آلهة .
و في ختام السورة نقرأ آية كريمة تحدد ملامح الأمة الاسلامية ، و تأمر بالجهاد كما ينبغي .
|