معايشة الساعة سبيل الإصلاح
هدى من الآيات في الآيات الاولى من هذه السورة يهز السياق القرآني ضمير الانسان هزا عنيفا بتصوير اللحظات الحرجة الاولى لوقوع الساعة ، حيث يذهل الانسان و يبتعد ذهنيا عن كل العوامل التي كانت تضله في الحياة .
و نسأل : لماذا يضل الانسان ؟
لانه يحب المال و الجاه و الولد و ما اشبه ، فاذا به في تلك اللحظات يذهل عن ماله و ولده .. ، لان الساعة ادهى و أمر ، و أكبر و أعظم من كل تلك الأمور ، فالمرأة تذهل عمن ترضعه ، و الحامل تضع ما تحمله ، و كل انسان يكون كالسكران و لكن ليس بنشوة الخمر وانما هو سكر العذاب ، و هيبة الساعة .
بعد ان يهز القرآن ضمير الانسان بهذا الهول الرهيب يقول له : أتعرف لماذا تتورط في مثل هذا الهول ؟ و كيف تخلص نفسك منه ؟!
انما تتورط لانك اتبعت إلها غير الله من دون علم ، و كذلك لانك غفلت و لهوت حينما يريـــد الانسان ان يختار فراشا لبيته أو لونا لغرفته أو ساعة يلبسها أو أي شيء آخر ، تراه يفكر و يخطط و يسأل و يستشير ، و لكن حينما يريد ان يعبد إلها غير الله ، فانه يعبده من دون تفكير او بحث ، و بالتالي يتورط في ذلك الموقف العظيم بالاسترسال .
امـا كيف يتخلص الانسان من هذا الهول ؟ فهو لا يكون إلا عبر الايمان بالله وحده ، و الايمان بالبعث و النشور .
ان كل انسان مفطور على الايمان بالبعث ، و بما انه معرض لوساوس الشيطان الذي يزرع الشك في قلبه ، فهو يكفر ان لم يحاول قمع تلك الوساوس ، و يقمع القرآن هذا الشك بقوله : " كما بدأنا اول خلق نعيده " .
ان النظر الى سلسلة الحياة الماضية يهدينا الى المستقبل ، لأن السنة واحدة تنطبق على الماضي و الحاضر و المستقبل ، فاذا أردت ان تعرف المستقبل فارجع قليلا الى الوراء و انظر اليه كيف كان ؟
خلق الانسان من تراب ثم من نطفة ، فعلقة فمضغة ، و بعد الولادة كان في حالة تطور ، فمن الطفولة الى الشباب الى الهرم الى الوفاة ، و هذا التطور يسير حسب قانون و تدبير رشيدين ، من لدن إله قدير مبدع ، فلكي تعرف مستقبلك انظر الى بداية خلقك ، فبعد ما كنت ضعيفا في رحم أمك قويت و سوف تعاد كذلك في ارذل العمر ، أوليس الذي أنشأك في ظلمات الارحام ، و في الحياة خلقا بعد خلق بقادر على انشائك من بعد موتك ؟!
ورد في بعض الاحاديث عن يوم القيامة : ان الارض تصبح كرحم الأم ينشأ الانسان فيها كما ينشأ في رحم أمه ، و اذا كان الانسان يولد من بطن أمه ولادة ،فانه في ذلك اليوم ينبت من الأرض نباتا . و الفارق : ان الناس في الدنيا يولدون بالتدرج اجيالا الا انهم يوم القيامة يولدون جميعا .
و قدرة الله في الأرض تتجلى في شيء يأمرنا ربنا بالتدبر فيه و هو ان الله يصنع الاشياء بمختلف الصور ، فهو لم يخلق نوعا واحدا من الحيوانات و انما خلق كل شيء بمختلف الاحجام و الالوان ، كل هذه الحيوانات و الكائنات خلقها و دبر أمرها و صورها حتى أننا لا نتصور شيئا الا وقد خلقه الرب ، أوليس الذي استطاع ان يخلق كل شيء بقادر على ان يبعث الانسان في الآخرة مرة أخرى ، كما خلقه اولا في رحم أمه ؟!
و في نهاية الآيات يذكرنا الله بأمرين :
الاول : ضرورة الايمان بقدرة الله .
الثاني : ضرورة الايمان بيوم القيامة .
ذلك ان الايمان بقدرة الله هو الطريق للايمان بالبعث ، فكلما شككنا في البعث لابد ان ننظر الى آيات قدرة الله ، لان الشك في البعث ناتج من الشك في الله ، و الذي يعرف الله حقا لا يشك في البعث .
|