فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ بسم الله الرحمن الرحيم ]

تشير بسم الله الى ان الحياة و ما فيها مخلوقة من قبل الله سبحــانـه ، و قائمة به ، لذلك فاننا كلما بسملنا على أمر فان توجه هذه البسملة يكون نحو ذلك الأمر ، فاذا قلت بسم الله اقوم يعني ان قيامك بالله ، و اذا قلت : بسم الله انام ، يعني ان نومكبالله ، و هكذا .

و تختلف سور القرآن الحكيم في معانيها العامة ، لذلك فان كل ( بسملة ) في بداية كل سورة تشير الى ان كل شيء هو قائم بالله ، فعندما نحج فانه باسم الله ، و هدف الحج هو تقوى الله ، و التقوى بدورها من الله و بالله ، و عندما نصوم فإن صيامنا باسم الله ، و هدف الصيام هو تقوى الله ، و التقوى بدورها من الله و بالله .. و هكذا عندما نصلي و نقوم بأي واجب آخر .

[1] [ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ]الهدف من سورة الحج هو تكريس التقوى التي هي اعلى درجات الايمان بالمسؤولية . ففي سورة الانبياء - التي سبقت سورة الحج - كـان الحديــث عن المسؤولية ، اما هذه السورة ، فالحديث فيها عن التقوى باعتبارها مرحلة متقدمة من الايمان .

من الصعب على الانسان ان يؤمن بمسلمات ، و يظن انها قواعد راسخة يستطيع ان يقيم عليها بناء افكاره ، من الصعب عليه ان يؤمن بغيرها ، حتى ولو كانت أقوى ، و هنا - بالضبط - يكمن خطأ الانسان اذا تأسره مسلمات فكرية توجه كل حياته و يزعم انه ضعيف امامها ، كلاان الانسان اقوى من مسلماته ، و علم الانسان أنفذ من سابقياته الذهنية ، و مما يعتقد به مجتمعه و اباؤه ، و ان الايمان بالساعة و زلزالها و اهوالها يحطم المسلمات ، و السابقيات الذهنية ، و يعطي البشر قدرة هائلة للتفكير من جديد . عبر جسر الشك المنهجي فيمايزعم انه من الحقائق المسلمة .

[2] [ يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ]

فلا تستطيع المرضعة ان تفكر آنئذ - لهول الساعة - برضيعها .


[ و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد ]ان الحامل تجهض و يسقط جنينها ، و المرأة لا تجهض الا اذا كانت تمر بهول عظيم ، و ترى كل انسان كالسكران ، لا يستطيع ان يستوعب ما يجري حوله ، قد شغلته نفسه عن الآخرين ، و اسكره العذاب حتى صار فاقدا لقدراته الفكرية .

ان تصور هذه الأهوال المروعة كفيل بايقاظ القلب الغافل . و هكذا كان السلف الصالح فقد جاء في قصة نزول هاتين الآيتين من سورة الحج ما يلي :

نزلت الآيات من اول السورة ليلا في غزاة بني المصطلق و هم حي من خزاعة ، و الناس يسيرون ، فنادى رسول الله (ص) فحثوا المطى حتى كانوا حول رسول الله (ص) فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ، فلما اصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام و الناس بين باك أو جالس حزين متفكر ، فقال لهم رسول الله (ص) : أتدرون أي يوم ذاك ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم ، قال : ذلك يوم يقول الله لآدم : ابعث بعث النار من ولدك ، فيقول آدم : من كم كم ؟ فيقول عز وجل : من كل ألف ، تسعمائة و تسعة و تسعين الى النارو واحدا الى الجنة ، فكبر ذلك على المسلمين و بكوا فقالوا : فمن ينجونا يا رسول الله ؟ فقال (ص) : ابشروا فان معكم خليقتين : يأجوج و مأجوج ما كانتا في شيء الا كثـــرتاه ، ما أنتم في الناس الا كشعرة بيضاء في الثور الأسود ، او كرقم في ذراع البكر ، او كشامةفي جنب البعير ، ثم قال : اني لأرجو ان تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ، ثم قال : اني لأرجو ان تكونوا ثلث أهل الجنة ، ثم قال : اني لأرجو ان تكونوا ثلثي أهل الجنة فان أهل الجنة مائة و عشرون صفا ثمانون منها امتي ، ثم قال : و يدخل من امتى سبعون الفا الجنة بغير حساب .


[3] [ و من الناس من يجادل في الله بغير علم ]

و قوله " يجادل في الله بغير علم " اي من دون تفكير في ذلك الالهة الذي يجب عليه ان يطيعه .

ان الجدال بالباطل لشاهد على حالة الاستقرار الكاذب ، الذي لا يرضى صاحبه التحول عنه ، حيث يزعم انه يهدم اساس حياته ، او يخالف عزته الشخصية ، بينما الاحساس بزلزال يوم القيامة ، يجعل المؤمنين قادرين على مراجعة افكارهم في ضوء العقل و الوحي و استقبال الحقائق الجديدة بلا حمية و لا اعتزاز بالإثم ، و الباطل .

و يزعم الكفار انهم يحافظون على كرامتهم ، حين يعتزون بافكارهم الباطلة بينما يفقدون استقلالهم و كرامتهم بذلك ، اذ انهم يتبعون شيطانا مريدا .

[ و يتبع كل شيطان مريد ]

متجردا عن كل خير متمحضا في الفساد و الافساد .

[4] [ كتب عليه أنه من تولاه ]

بارادته و جعله واليا عليه .

[ فإنه يضله و يهديه إلى عذاب السعير ]

من المستحيل ان يكون ذلك الشيطان المريد هاديا لاتباعه ، لان الله قدر ان يكون مضلا لمن اتبعه ، و ان نهايتهما هي السعير .

[5] [ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم منتراب ثم من نطفة ثم من علقة ]

ان كنتم في ريب من البعث فانظروا الى ماضيكم هل باستطاعتكم ان تقولوا : ان الله لا يقدر على خلقنا من جديد ؟ فكيف استطاع اذا ان يخلقكم اطوارا ، بعد ان لم تكونوا شيئا ؟!

و جاء في القرآن و السنة ان الانسان قد خلــق مــرتين ، مــرة فـي عالم الذر حيث خلق كل الناس من تراب ، و مرة أخرى حينما اودعهم الاصــلاب ، ثــم الارحام . فبعد ان تقذف النطفة في رحم الام ، نجدها تتحول بعد فترة الى قطعة دم ، تعلق برحم الام ( علقة ) ثمالى ما يشبه اللحمة الممضوغة ( مضغة ) .

[ مخلقة و غير مخلقة ]

قد تحددت معالمها كالعينين و الرأس و الاطراف ، أو غير مخلقة لا تلبث ان تسقط من الرحم قبل ان تتحدد معالمها .

[ لنبين لكم ]

ليفهم الانسان بأن التطورات التي تحكم وجوده ، دليل على أنه مدبر و ان الله هو المدبر الحكيم له و للخلق .

[ و نقر في الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ]

ان المضغة تستمر في الرحم الى ان يشاء الله و يأذن للجنين بالولادة ، و بقاء الجنين في الرحم ليس محدودا بمدة تسعة أشهر ، فقد يولد قبل هذا لذلك قال : ( و نقر في الارحام ما نشاء الى أجل مسمى ) . و من معاني ( و نقر ) اي نكتب ، لانه كما ورد في الاحاديث ان سعادة الانسان و شقاءه يكتبان عليه و هو في بطن امه .


[ ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ]

كانت بداية الآية تبين تطور الجنين في الرحم ، اما هنا فتبين تطوره بعد ان يولد طفلا ، حيث يتحول بعدئذ الى شاب يافع قد بلغ اوج قوته ( اشده ) .

[ و منكم من يتوفى ]

كأن يموت بمرض أو بحادث أو بقتل ، و ليست له حيلة في وفاته ، انما تكون بأمر الله و تقديره . و قد يبقى طويلا في الحياة ليعود ضعيفا كما بدأ .

و الواقع ان الزمن ليس دائما في مصلحة الانسان ، و ان الانسان ليس أبدا في تكامل ذاتي ، كيف و هو اذا بلغ ارذل العمر يعود كالطفل فلو كان تكامله ذاتيا ، كان لابد ان يعلو دائما ولا ينتكس .

حقا : ان أهم ما يفقده البشر بكبر سنه هو علمه . العلم - في ذات الوقت - اعظم نعمة يسعى البشر نحوها و يحاول المحافظة عليها ، لأن العلم يميزه عن سائر الخليقة ، و حين يفقد علمه لا يعود ذا كرامة في أهله و ولده و مجتمعه ، أو لا يكون ذلك شاهدا على ان تكامل البشر ليس من ذاته ؟!

[ و منكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ][ و ترى الأرض هامدة ]

كأنها موات .

[ فإذا أنزلنا عليها المآء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج ]ان تلك الارض الميتة عندما تستقبل الامطار فانها تزيد و تنمو عليها النباتات .


و النباتات ليست ذات شكل واحد ، و لو كانت الطبيعة هي التي تحكم الحياة اذن لكانت عمياء و لكــان كل شيء على صورة واحدة ، و لكن تلك المواد الواحدة - التراب - الاملاح - الماء - النور - تتحول الى عدة انواع من النباتات ، بل ان الله يخلق من كل نوع زوجين لضمان استمرار كل فصيل و نوع - ثم ان متانة الصنع لا تمنع جماله .

[6] [ ذلك بإن الله هو الحق ]

اذ لا حق لسواه ، و انه حق لا ريب فيه و في قدرته ، و بما انه الحق - كل الحق - فهو احق ان يتبع .

[ و أنه يحي الموتى و أنه على كل شيء قدير ]

[7] [ و أن الساعة ءاتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور ]اولئك الذين كانوا في القبور يبعثون للحساب بقدرة الله سبحانه ، تلك القدرة التي تتجلى اليوم في بعث البذور - الكامنة في جوف الارض - بالنسبة للبذور كالقبر للميت ؟ و لكن فكما يحيي ربنا بالماء البذرة و كذلك يحيي سبحانه الأنسان و هو في قبره .

من هنا جاء في الحديث :

" اذا اراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض اربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم " .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس