فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ضمان حرية الانسان في الحرم
و قبل ان يسوق القرآن الحديث حول بيت الله و مناهج الحج اليه ، يفرض احترام المسجد الحرام ، و يتوعد الذين يظلمون فيه ، و يعتدون على حرمات الناس ، و يصادرون حرياتهم ، بالعذاب الاليم .

و الحرية هنالك تعني كل شيء ، اذ من دونها تكاد تتفرغ مناهج الحج من محتوياتها ، فكيف يشهد الحجاج منافع لهم و سيف الظلم مسلط عليهم . و كيف يتفكرون في شؤون الامة ، و اجهزة القمع المتسلطة تلاحقهم ، و كيف يخلعون ثياب الشرك ، و يتحررون من خوف الجبابرة ليعبدوا الله وحده ، و شياطين السلطة يحيطون بهم .


و هكذا نفهم ان اي انحراف يتم بالظلم تشمله الآية ، حتى و لو لم يكن من قبل الدولة ، بل من اصحاب السلطة الصغار كالزوج و المالك و المدير ، و .. و .. جاء في حديث مأثور عن الامام الصادق - عليه السلام - :

" كل ظالم يظلم الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد او شيء من الظلم فاني أراه الحادا . و لذلك كان ينهى ان يسكن الحرم " . (1)اي كانت الاقامة الدائمة بمكة مكروهة شرعا ، لان الانسان لا يخلو من ظلم نفسه بواحدة من هذه المحرمات فاذا سكن البيت اعتبرت معاصيه هذه الحادا ، و ضاعف الله عليها العقاب .

[ الذي جعلناه للناس ]

فالمسجد الحرام ليس ملكـــا لاحد ، لا لعائلة معينة ولا لدولة خاصة انما هو للناس جميعا ، و قد جعله الله كذلك .

[ سواء العاكف فيه و الباد ]

أي يتســاوى فيـه المقيم المعتكف بمكة ، مع ذلك الذي يأتيه من البدو أي الصحراء ، ثم يؤكد الله هذه الحقيقة ، مرة أخرى ، قائلا :

[ و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ]

ان اصحاب السلطات الظالمة التي تتخذ المسجد الحرام و حاجة الناس اليها سببا لتحريف الناس و تضليلهم ، او التي تفرض على الآخرين منهجا معينا في التفكير .. سوف يذوقون عذابا اليما . و معنى ( بالحاد ) بانحراف .


(1) تفسير نمونه / ج 14 - ص 65


و لكي يمرر الجاهليون ظلمهم و تسلطهم و افسادهم في الحرم تراهم يحرفون الكلم عن مواضعه و هذه هي مشكلة الانسان الرئيسية . حيث ان اصحاب السلطة قادرون على تحريف المناهج التي وضعت لانقاذه منهم ، بحيث لا تنفع او تكون اداة لتسلطهم عليه من جديد . و يبدوا انالآية هنا تحذر من هذه الحالة لكي لا يتحول المسجد الحرام الى مكان للظلم و الالحاد باسم جديد !

[26] [ و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا ]لقد حدد الله سبحانه و تعالى مكان البيت الحرام ، لابراهيم عليه السلام لكي يرفع قواعده عالية شامخة ، و لهدف معين هو : ان يكون البيت القاعدة الرئيسية لنسف فكرة الشرك اولا . و لاقامة منهج التوحيد الصحيح ثانيا . و الواقع ان الكعبة المشرفة كانت موجودة من قبل ابراهيم (ع) و لكنها مع مرور الزمان ، اندرست آثارها ، و لم يبق لها رسم يدل عليها ، و لم يكن ابراهيم (ع) ليعلم حدود البيت . كما انه لم يكن باستطاعته ان يختار بيتا حسب رأيه الخاص ، لان هذا الامر يختص بالخالق العظيم ، جل شأنه - الذي له الامر و الخلق .. فحدد الله مكانها له ثم أمره قائلا :

[ و طهر بيتي للطائفين و القآئمين و الركع السجود ]اي طهر بيتي من الادران المادية و الارجاس الوثنية . و قد ذكرت هذه الآية الحالات الاربع للعبادة عند المسجد الحرام ، و هي : الطواف و القيام .. ( الاقامة أو الدعاء و الذكر ) و الركوع و السجود و هما يرمزان الى الصلاة و يعبران عن الكثرة ، و هذه العباداتترمز الى التوجه الخالص لله ، و الخضوع له و التسليم لامره ، و اتخاذ شريعته محورا للحياة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس