فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
اختلاف الشريعة و وحدة المشرع

[67] [ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ]

ذكـــر المفسرون : ان لكل امة مناسك و طقوسا خاصة ، تختلف من امة الى أخرى ، و هذه الاختلافات لا تدل على اختلاف المشرع ، أو على اختلاف الشريعة الاسلامية التي أتى بها كل الانبياء و غاية ما في الامر هو ان الله الذي أوحى بشريعة نوح قد نسخ هذه الشريعة بشريعة ابراهيم ، ثم نسخ هذه الشريعة بشريعة موسى ، ثم بشريعة عيسى ، ثم نسخها بشريعة محمد (ص) .

هذا التفسير صحيح لكنه ليس كافيا ، فهناك أحكام مختلفة بالرغم من وحدة الرسالة و وحدة النبوة ، و هناك واجبات تختلف من فرد لآخر حسب احواله و ظروفه المكانية و الزمانية و المعاشية و غيرها ، و من باب اولى ان تنسحب هذه المسألة على الشعوب و الامم ، و المقياس الوحيد لتقدير هذه الظروف المختلفة هو وحي الله سبحانه ، و ما على الانسان الا الانصياع لمن له الخلق و الامر ، و ما دام الله هو رب الشرائع جميعا ، فلماذا الاختلاف اذن ؟! لنتوجه اذن لاصلاح ما بيننا حتى يعم السلام و الامن ربوع المعمورة .

و لعل الآية توحي بأن البحث عن جزئيات المناسك العبادية لا يجدي نفعا ، بللابد ان يكون الحديث حول اصل صدق الرسالة ، فمتى ما أيقن المرء ان الرسول يدعو الى الله عبر طريق مستقيم . فلا يجوز ان يجادل في الفروع .

و انه لماذا الصلاة الى الكعبة ، و ليس الى المسجد الاقصى ، و لماذا الصوم في شهر رمضـــان ، و ليس في ايام عيد الفطر ، و لماذا لا يحرم الاسلام ما نهت عنه شريعة موسى ، و ما الى ذلك مما كان الكفار يجادلون فيه ، و يتخذونه ذريعة لجحودهم ، و مما لا يزال بعض انصاف المثقفين يتخذونه مادة للجدل العقيم ، و يبررون به فسقهم عن الدين و كفرهم به .

و أساسا كلما منعت البشر العصبية عن منهج سليم ، و لم تفلح ادلته في رده ، أخذ يناقش في الجزئيات التي لا علم له بها و التي لا يستطيع احد اقناع أحد فيها .

و لعلنا نستوحي من الآية : ان الامة الواحدة مهما اختلفت طرائق و شيعا فانها تقوم على اساس منسك واحد ، فالمنسك هو رمز مبدئية الامة و وحدتها ، فالمسلمون قد يختلفون في أي شيء الا في الصلاة الى الكعبة و الحج اليها و الصوم و .. و .. و المسيحيون يختلفون كذلك في كل شيء الا في بيت المقدس و مجموعة مناسك يتفقون عليها مثلا .

[ فلا ينازعنك في الأمر ]

انت لا تملك ايها الرسول سوى البلاغ و ليس لهولاء حق في ان ينازعوك أو يناقشوك فيما أمرك به الله ، خصوصا في المناسك ، و في هذا نهي حتمي عن الخوض في مثل هذا الجدل .

[ و ادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ]

انك على هدى ، تعرف الغاية و تعرف ايضا الطريق المستقيم اليها ، فلا تلتفتالى جدلهم و نزاعهم ، و امعن في طريقك داعيا الى الله سبحانه .

[68] [ و إن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ]

لا تحاول ان تورط نفسك في الجدال العقيم معهم ، بل اتركهم الى ربهم فهم مسؤولون امامه ، و ليسوا امامك الا بمقدار الدعوة و البلاغ .

[69] [ الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ]اذا وضع الانسان الله مقياسا له و انه رقيب عليه ، فان الخلافات سوف تتبدد و تنتهي و لعل الآية تدل ايضا على ان هناك اختلافات لا تستدعي الصراع ، بل ان الانسان هو الذي يسبغ على هذه الاختلافات الطبيعية لون العداء .

[70] [ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء و الأرض إن ذلك في كتاب ]ان الله يعلم كل ما يجري في السماء و الأرص ، و كل شيء عنده مكتوب في اللوح المحفوظ الــــذي يسميه القرآن هنا بالكتاب ، و هذان الامران - علم الله و تسجيله للاحداث - يمثلان موعظة بليغة للانسان اذا التفت اليهما جيدا ، حيث يراقب جميع اقواله و افعاله ، ومعتقداته ، فيعمل على اصلاح شؤونه ، و يبتعد عن كل انحراف يجرح فطرته .

[ إن ذلك على الله يسير ]

بالرغم من ان الاحصاء الدقيق في اللوح المحفوظ فوق تصورات البشر الا انه بالرغم من ذلك على الله سهل يسير .

ان الافعال تطبع آثارا لا تمحى في صحائف شتى ، لا يقرأها الا اصحابالعلم . و كلما زاد العلم تقدما كلما توغل في معرفة الاثار التي تخلفها الظواهر .. و أبرز مثل لذلك المرض فانه يخلف آثاره على كل جوارح الفرد . و على نظام دورته الدموية ، و شبكة غدده ، و افرازاتها ، و مختلف انسجة جسمه . الا ان علماء الطب يختلفون من عصر لعصر في قدرتهم على اكتشاف المرض من خلال تلك الاثار ، فمنهم من يكتشفها من النبض و دقات القلب ، أو من لون البشرة أو من خطوط الكف ، و منهم من يكتشفها بالموجات الكهربائية المنبعثة من حركة القلب أو الدماغ أو من تحليل الدم و الافرازات . و هكذا تجد ان التأثيرات مكتوبة على لوحة الطبيعة ، و انما الاختلاف في القدرة على قراءتها ..

و هكذا كل اعمالنا تكتب على عشرات الالواح ، و تتجلى يوم القيامة امامنا فتعقل السنتنا عن الانكار .. الا فلتستعد لذلك اليوم الرهيب الذي تبلى فيه السرائر .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس