بينات من الآيات [40] بعد ان دعا احدهما ( هودا أو صالحا ) قومه ، و استكبروا عليه ، سال الله ان ينصره عليهم ، فجاء الخطاب الالهي :
[ قال عما قليل ليصبحن نادمين ]
فنهايتهم قريبة ، و سيعرفون انها نتيجة لعملهم ، و سيندمون ، و قال الله " عما قليل " لانهم استبعدوا الجزاء بقولهم " هيهات هيهات " .
[41] [ فأخذتهم الصيحة بالحق ]
كثيرا ما تتكرر كلمة " بالحق " في القرآن ، قال تعالى :
" انا ارسلنا رسلنا بالحق " .
" انا ارسلناك بالحق بشيرا و نذيرا " .
و هكذا .. و توحي كلمة " بالحق " بعدة أفكار :
1 - ان الحياة قائمة على أساس سنن ، و قوانين لا تحيد عنها ، و ان علينا ان نكيف انفسنــا معها ، و الا فان ارادة الله اقتضت ان نتكيف معها ، كالكافر الذي لا يسجد لله ، و لكن ظلاله رغما عنه يسجد له .
2 - ان هذه القوانين و الانظمة ليست عبثا ، و بلا حكمة ، و انها لن تتساهل ، فاذا خالفها الانسان هلك .
3 - ان قدرة الله و تدبيره غير محدودين ، و لكنه - تعالى - لا يعمل شيئا دون تلك القوانين و السنن التي وضعها الا في حالات خاصة لانه فوق كل ذلك ، فمن الناحية النظرية قدرة الله فوق كل قدرة ، و لكنه عمليا أبى ان يجري العدالة في الكون الا برحمته و حكمته، فاذا اراد العذاب لانسان ما أنزله بقدر ذنبه ، و بالطريقة المتناسبة معه .
فالذي كان يعبد الماء يغرقه بالنيل ، و الذي كان يفتخر بالقوة تقتلعه الرياح ، و المتكبر تأتيه الصيحة من فوقه ، و الصيحة التي يتحدث عنها هذا الدرس كانت حقا ، و جاءت لتطبق الحق .
[ فجعلناهم غثاء ]
الغثاء هو ما يجتمع حين السيول ، أو وراء حواجز الانهار . من أوساخ لا ينتفع بها الانسان ، و هكذا تكون نهاية المتكبرين ، و لن يقرر هلاكهم عطف احد ، لانهم ظالمون ، بل تلاحقهم اللعنة ليل نهار .
[ فبعدا للقوم الظالمين ]
[42] و اللــــه حين يهلك هؤلاء فانه لا يعبأ بهم ، لانهم لم يكونوا يزيدون في ملكه شيئا ، و لم يحدثوا فراغا بهلاكهم ، لأن " أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون "لذلك فقد خلق غيرهم .
[ ثم أنشأنا من بعدهم قرونا ءاخرين ]
[43] و لكل امة من هذه القرون أجل محدود .
[ ما تسبق من أمة أجلها و ما يستأخرون ]
ان يقيـن الانسان بأن فرصته في الدنيا محدودة و انه حين يأتي أجله لا يقدر على تأخيره ، يجعله يخشى ربه و يتقيه ، علما بان نهاية الأجل غير معروفة له ، فقد يعاجله العذاب في اية لحظة .
و الآيات القرآنية عادة ما تشير الى الجماعة ( الامة - الشعوب - الطائفة ، ... ) لان الانسان يتحمل مسؤولية امام الآخرين . شاء أم رفض .
[44] و سنة الله في الحياة انه يرسل الى كل امة هاديا و رسولا .
[ ثم أرسلنا رسلنا تترا ]
يؤيد بعضهم بعضا في ذات النهج ، و بالذات الهدف .
[ كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا ]كمــا ان الله يرسل الرسل واحدا بعد الآخر ، كذلك يهلك الامم المكذبة الواحدة تلو الأخرى .
[ و جعلناهم أحاديث ]
و الاحاديث جمع أحدوثة ، و ليس جمع حديث ، و الاحدوثة هي الحادثة النكراء التي تتناقلها الالسن ، و هي عبرة لهم .
[ فبعدا لقوم لا يؤمنون ]
تعسا لهم و ابعادا عن الرحمة و الحق .
[45] و من الامم التي بعث الله اليها الرسل فكذبوهم امة فرعون :
[ ثم أرسلنا موسى و أخاه هارون باياتنا و سلطان مبين ]الآيات هي التوراة ، اما سلطان الله عند موسى فهو الثعبان ، و سائر الآيات .
[46] [ إلى فرعون و ملإيه ]
و هنا مقابلة ، ففي طرف يقف موسى و هارون ، و في الطرف الآخر فرعون و ملأه ، و هكذا ارسل كل الانبياء الى طواغيت زمانهم ، و من يلف لفهم من المرتزقة و اصحاب المصالح .
و الذي يتدبر في قصة موسى و فرعون يهتدي الى ان القضية كانت كبيرة جدا . حيث يرسل الله اثنين ( موسى و هارون ) و ذلك لعظم المسؤولية . حيث انها نقلة حضارية من ذلك المستنقع الآسن الذي تردى اليه فرعون و جماعته ، الى القمة السامقة من التوحيد و الايمان ، وموســـى من اعظم انبياء الله ، و قصص موسى قريبة من واقع الامة الاسلامية ، فلا تزال البشرية تعيش ظروفا مشابهة لتلك التي عاشها قوم موسى ، حيث لا يزال المستكبرون من ملأ فراعنة الارض يستضعفون سائر الناس ، و يجعلونهم شيعا ، و يعلون في الارض بغير الحق ، فنحن بحاجة الى التدبر في هذه القصة لنزداد وعيا ، و عزما ، و جهادا حتى يأذن الله لنا بالنصر ، و لذلك يذكر القرآن هذه القصص زهاء سبعين مرة .
و لكــــن هل استجاب فرعون و ملأه لرسول الله موسى و لاخيه هارون (ع) ؟ كلا ..
[ فاستكبروا و كانوا قوما عالين ]
الانســـان ربما يستكبر و لكنه لا يملك شيئا من مقومات الاستكبار ، فنراه فقيرا ، و ذليلا .. الخ ، و حينا آخر يستكبر الانسان و هو يمتلك المقومات الظاهرية لذلك ، كفرعون الذي كانت تجري الانهار من تحت قصره ، و الذي يسيطر على شعب مصر .
[47] لذلك لما جاءهم موسى و اخوه كذبوهما :
[ فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا و قومهما لنا عابدون ]و لم يقل و هما لنا عابدان ؟
لعلــه لانهما في الواقع ما عبدوا ، و ما خضعوا للطاغوت ، و انما قومهما ( بنو اسرائيل ) هم الذين خضعوا لفرعون و ملأه .
[48] [ فكذبوهما فكانوا من المهلكين ]
بالإغراق .
[49] [ و لقد ءاتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون ]
الكتــاب الذي ارسل اليهم عبر موسى كان يهدف هدايتهم الى الصراط المستقيم ، و لكنهم لم ينتفعوا بهذا الكتاب .
ان الله لم يخلق الناس ، ليهلكهم ، بل ليرحمهم بالفلاح ، و الهدى في الدنيا ، و الجنة في الآخرة ، و لكن الناس هم الذين يرفضون ذلك .
و كل هذه الآيات دعوة لنا للتفكير فيها و تطبيقها على أنفسنا و مجتمعاتنا . فبامكاننا ان نصير موسى ، و بامكاننا ان نصير فرعون ، و ذلك اذا حملنا رسالة موسىفي الحياة ، أو سلكنا مسلك فرعون ، جاء في الحديث :
" طوبى لمن عصى فرعون هواه ، و اطاع موسى تقواه "و مهما اختلفت طرق العذاب ، و الانتقام الإلهي فان الحقيقة واحدة ، و يجب ان لا نستبعد العذاب عن أنفسنا اذا انحرفنا عن هدى الله .
|