الإطار العام
كمـــا السور الرفيع يصون بيت الانسان ، شرفه و قيمه و شرائع الرب في المجتمع .
و الاسرة كمشكاة ، تحفظ ضياء الفطرة و نور الوحي عن عواصف الشهوة ، و ادران الهوى .
و نور الله الذي هبط من السماء استقر في بيوت رفعها الرب بذكره .
حول هذا المحور تدور موضوعات سورة النور المباركة ، و لكن كيف ؟
نقرأ في فاتحة السورة اشارة الى السورة التي فرضها الرب ، و أنزل فيها آيات بينات ، بهدف تذكر الناس و تلك السورة التي فرضها الرب ، تصون بآياتها التي تفيض حزما فطرة البشر ، و ذلك :
اولا : بفرض حد الزانية و الزاني ، و تهديد مبطن بان المؤمنة و المؤمن لا يمارسان الزنا .
ثانيا : بتحصين البيت من عبث الفاسقين ، و فرض حد القذف على من رمى محصنا بالزنا ، من دون ان يأتي باربعة شهداء .
ثالثا : بتشريع حكم اللعان بين الزوجة و الزوج ، الذي يرميها بالفاحشة ، فعليهما القسم أربعا ، ثم التلاعن في الخامسة .
و يعالج القرآن مرض الشائعة ، التي تدور تاريخيا حول قصة الافك بينما تجري في كل اشاعة باطلة .
وهكذا يزكي القرآن الاجواء ، فلا قذف و لا شائعة ( و هي قذف جماعي ) .
و يشير الى التطابق الاجتماعي ، بين الخبيثات و الخبيثين كما بين الطيبات و الطيبين (26) .
و بعد ان تزكي الدروس الاولى اجواء المجتمع من لوث الزنــا و القذف و الاشاعة ، ينتقل السياق الى تقرير " حرمة البيت " و " حرية الانسان في بيته " فينهى عن دخول البيت الا بعـــد الإستيناس و السلام على أهله ، و الرجوع عنه عند افتقادالإذن لانه الازكى ، الا البيوت العامة و غير المسكونة .
و فــي إطار صيانة الاسرة يأمر القرآن بتنظيف الطرق و المراكز العامة من سهام إبليــس ، حيث يأمــر الرجال ، بغض الأبصار ، كما يأمر النساء بذلك و أيضا بالحجاب (31) .
و حين يسد الشرع الحنيف ابواب الفساد ، يفتح باب النكاح و يشجع عليه ، و يأمر بالعفة لمن لا يجد سبيلا الى النكاح ، و يعالج وضع العبيد و الاماء فيأمر بمكاتبة من علم منه الخير من العبيد و عدم إكراه الفتيات على البغاء ان اردن تحصنا (33) .
علـــى أي أساس متين ، ترتفع قواعد البيت الطاهر ؟ أوليس على الوحي الذي يهبط اليه ، و ذكر الله الذي يصعد منه ؟! بلى . و لذلك كانت سورة القرآن هي سور الاسرة ، و من نور الوحي ضياء البيت ، و كانت الأسرة مشكاة ، فيها من نور الوحي مصباح تحيط به زجاجة شفافة ، من اولي الأبصار - الرجال الاتقياء حفظة الاسرة - يتقد شعاعا من شجرة المعرفة .. و كانت تلك البيوت التي اذن الله لها ان ترفع حصونا منيعة للوحي على مستوى الامة ، كما البيت حصن القيم على مستوى الاسرة (38) .
و الامة التي لا تكرم بيت النبوة ، كما الأسرة التي لا تابه بالقيم تتساقط اطرافها و تغدو قيمها شديدة الظلام (40) .
و نور المجتمع من بيت النبوة ، و نور الاسرة من ضياء القيم ، و يشرق هذا النور و ذاك بنور الله .
واشرقت السموات و الأرض بنور ربها ، ألم تر ان الله يسبح له من في السموات و الارض ، و لـــه الملــك ، و هو الذي يزجي السحاب و يبعث بالبرق ، و يقلب الليل و النهار ، و انه خلق كل دابة من ماء ؟! بلى . انه الرب الذي أنزل آيات مبينات ، و هو يهدي من يشاءالى صراط مستقيم (46) .
و هكذا يحيط السياق بالنواحي المعنوية للبيت الرفيع ، ثم يعالج موضوع الطاعة التي تعتبر من أهم ركائز التربية ، و يقول : لابد من التسليم لحكم الله و الرسول ، و الرضا بالحق كان له ام عليه ، و بعد ان ينعت المؤمنين بفضيلة الطاعة ، يلوم البعض ممن يدعونهاو يحلفون عليها ، و لكنهم حين يجد الجد يخشون (53) .
و يأمرهم بالطاعة لله و للرسول ، ليهتدوا . و يذكر بان الله قد وعد المؤمنين الصالحين أعمالا باستخلافهم في الارض ، و يأمرهم بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاةو طاعة الرسول ، و عدم اليأس من روح الله ، و الا يحسبوا الكفار معجزين في الارض (57) .
و يعود القرآن الى حرمة البيت ، و يأمرنا بالاحتشام امام الاطفال و الخدم ، فلا يدخلوا البيت - الذي هو عورة - اوقات الراحة الا بعد الاستئذان (59) .
و يضع عن القواعد من النساء فريضة الحجاب ، كما يرفع عن الاعمى و الاعرج و المريض الحرج ( لعله للتساهل معهم ) ، كما يرفع الحرج عن الأكل في بيوت الأقارب و الأصدقاء ، و يأمر بالسلام عند دخول البيوت . و بعد ان يبين بعض آداب المجتمع ، و عدم التسلل الى البيت عند و جود الاستنفار للحرب أو ما أشبه ، الا بعد اذن القيادة ، ينهى عن دعاء الرسول كدعاء بعضهم بعضا ، و يحذر المتسللين لواذا من فتنة او عذاب أليم . و يختم القرآن الحديث مذكرا بأن الله محيط علما بالناس و انه ينبئهم بما عملوا .
|