الاسرة سور الفضيلة
هدى من الآيات تبدأ هذه السورة المباركة بكلمتين :
الأولى : كلمة ( سورة ) و هي ما يعبر بها ، عن المجموعة المتكاملة ، من الآيات القرآنية .
فالسورة من جهة تشبه السور الذي يحيط بالبيت ، فيجعله مستقلا عن غيره ، و من جهة أخرى تشبه السوار الذي يحيط بالمعصم فيعطيه زينة و جمالا ، و كما ان لكل مجموعـــة بشرية سورا يحيط بهم ، و هو الاسرة التي تمثل الحجر الأساس في بناء المجتمــع .
الثانية : كلمة ( فرضناها ) فالسورة القرآنية جاءت لتكون ثابتة و مستقرة و مفروضة في المجتمع البشري ، و ليكون الاخذ بها و تطبيق آياتها فرضا على جميع عباد الله .
عندما ينزل الماء من السماء تذهب كل قطرة منه ، في اتجاه يختلف عما ذهبت اليه القطرات الاخرى ، اما الآيات القرآنية فلم تتنزل لكي تتناثر هنا و هناك ، بل قدر الله لها ان تكون وحدة متراصة ، ضمن سور واحد هو القرآن الكريم ، تطبق كمجموع فلا تتبعض ، بل لا يمكن الاخذ بقسم منها و ترك الآخر جانبا . هكذا فرض الله السورة .
و كما فرض الله السورة القرآنية ، فانه فرض الاسرة التي هي بمثابة سور الانسان و حصنه ، الذي يلجأ اليه في الحياة الاجتماعية ، و هذا ما تؤكده آيات هذا الدرس من سورة النور .
و حيث انه لا يمكن فرض شيء الا بالقوة ، فقد فرض الله حرمة الاسرة بقوة العقوبات ، التي أوجبها بحق من يعتدي على نظامها في المجتمع الاسلامي ، حتى اننا لنلاحظ شدة العقوبة عليه ، اذ يجلد كل من الزانية و الزاني مائة جلدة دونما رأفة .
و كما يفرض الاسلام عقوبة صارمة على الناكح بفاحشة ، كذلك يفرض على من يزني بلسانه ، فيرمي الابرياء و البريئات بتهمة الزنا . اذ يعتبر ذلك نوعا من الاعتداء على سلامة البيت الاسري ، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بسمعته النظيفة ، فالبيت الذي تلوكه الالسنة ليس محلا آمنا للحياة المستقيمة .
و بقدر ما يؤكد القرآن الحكيم على حرمة الزنا ، فهو يؤكد على حرمة الاتهام ، إذ يطالب المتهم باثباتات كافية ، لان الاتهام ذاته قد يكون وسيلة لاشاعة الفاحشة ، و المجتمع الذي تسقط فيه قيمة الشرف العائلي يسهل عليه الهبوط الى حضيض الفواحش .
و بالرغم من الغلظة التي لابد ان نقضي بها على الانحرافات الخلقية فيالمجتمع ، يؤكد القرآن على ان للتوبة بابا و اسعا فتحه الله امام الناس كي يصلحوا ما افسدوه ، لان الله سبحانه و تعالى - و هو خالق الانسان - يعلم بما اودعه في هذا الكائن من شحنات غريزية تبرر الزلل و السقوط لديه ، فلو لا فتح ابواب التوبة له ، فانه لن يتمكنمن النهوض بعد السقوط .
|