فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الحدود الشرعية حصانة المجتمع
[2] بالرغم من ان الاسرة تبدأ عمليا بالزواج ، الا ان القرآن لا يبدأ بذكره ، بل يذكر عقوبة الزنا أولا ، و السبب أنه من دون قانون يحصن الاسرة و يحفظها من الانحراف و الاعتداء ، تسقط كل القوانين الاخرى ، فما فائدة الحصن الذي لا يحميه جدار رفيع ؟

و ما هي فائدة الزواج في البلاد الغربية ، التي يجد فيها قطبا الاسرة الطريق مفتوحا لاشباع الغريزة الجنسية خارج البيت ؟

إذن تبدأ الاسرة في الواقع عندما تعطى لها حصانة ، بفرض العقوبة على من يخترقها .


[ الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ]الجلدة هي الضربة التي تلامس جلد الانسان ، و لان ما تلذذ به الزاني كان عن طريق جلده ، الذي لامس جلد الجنس الآخر ، فعليه ان يتذوق الالم عقابا له على هذه اللذة المحرمة . صحيح ان النفس البشرية تتألم لمنظر انسان عار يجلد مائة جلدة ولكن يجب ان لا ننسى انه انتهك حرمة دين الله . فاذا سمحنا له بالهرب من طائلة العقوبة ، فذلك يعني ان نعرض المجتمع كله للفساد ، لذا ينهانا القرآن ان نرأف بالزناة لأن التشديد عليهم يصلحهم من جهة ، و يكون رادعا للآخرين عن التورط في هذه الجريمة البشعة من جهة أخرى .

[ و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ]

و لعله لذلك أكد القرآن هذا الحكم بقوله سبحانه :

[ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ]

ان الحدود الشرعية ذات قيمة أساسية في المجتمع ، و كثير من الناس تأخذهم الرأفة حينما يعدم قاتل أمام أعينهم ، أو يجلد الزاني ، او تقطع يد السارق ، دون ان يعرفوا خلفية هذا العمل العظيم ، فاعدام القاتل - مثلا - يمنع القتل عن الكثيرين ، و بالتالي يمنح الحياة للمجتمــــع ، و هكذا جلد الزاني يحصن الاسرة ، و قطع يد السارق يحافظ على ثروات النــاس .

وهكذا اذا انتشر الزنا في المجتمع فان بيوتا و أسرا ستتدمر ، و ان اطفالا ابرياء سيضيعون ، او سوف يتربون على العقد المتراكمة ، التي تتحول الى جرائم بشعة . أوليس اكثر الذين دمروا الحضارات كانوا من ابناء البيوت الفاسدة التي لم تعرف شرفا للأسرة ؟


و لان هذا القسم من الناس لا يعرفون كل هذه الحقائق ، تأخذهم الرأفة السلبية على حساب الدين ، فقد يعطلون الحدود . و لكن من يؤمن بالله ، و يعلم بانه أرأف بعباده منه ، و انه عندما يأمر بجلد الزاني ، فان في ذلك مصلحة لكل الناس بل للزاني نفسه ، لا تأخذههذه الرأفة .

ثم يقول ربنا :

[ و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ]

لابد ان يكون الجلد في محضر من المؤمنين ، لان قيمة العقوبة لا تكمن في أثرها على الجاني فحسب ، بل لابد ان تنعكس على المجتمع . و الواقع ان حد الزنا ليس واحدا ، بل هناك ظروف مختلفة ، تختلف العقوبة بموجبها ، و فيما يلي حديث شريف يجمع بين مختلف الحدود :


جاء في تفسير علي بن ابراهيم : " انه احضر عمر بن الخطاب ، ستة نفر أخذوا بالزنا ، فأمــر ان يقام على كل واحد منهم الحد ، و كان أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - جالسا عند عمر ، فقال : يا عمر ليس هذا حكمهم ، قال : فأقم أنت عليهم الحد ، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه ، و قدم الثاني فرجمه ، و قدم الثالث فضربه الحد ، و قدم الرابع فضربه نصف الحد ، و قد الخامس فعزره ، و أطلق السادس ، فتعجب عمر و تحير الناس . فقال عمر : يا ابا الحسن ستة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم خمس عقوبات و اطلقت واحدا ليس منها حكميشبه الآخر ؟! فقال : نعم اما الاول فكان ذميا زنى بمسلمة فخرج عن ذمته فالحكم فيه بالسيف ، و اما الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه ، و اما الثالث ، فغير محصن حددناه ، واما الرابع ، فرق زنى ضربناه نصف الحد ، و اما الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشبهة فعزرناهو أدبناه ، و اما السادس مجنون مغلوب على عقله سقط


منه التكليف " . (1)


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس