فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الأفاكون و مسؤولية المجتمع المسلم
[11] [ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ]

من الذين اتهموا زوجة الرسول ؟

ســؤال لا تهمنا الاجابة عليه بالاسماء ، بل تهمنا طبيعة هذه العصبة و هدفهم من التهمة ، فقد كان هدفها التنقيص من كرامة الرسول (ص) و العصبة هم الذين يتعصبون لبعضهم ، على أساس المصالح المادية ، لا على أساس القيم ، و لاحتمال ان يعتري المؤمنين تصور خاطئحول الامر ، فان القرآن يوجههم قائلا :

[ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ]

لان العاقبة سوف تنتهي الى خير ، باعتبارها امتحان للمجتمع المؤمن ، فاذا تغلب المؤمنون على هذا الامر و أمثاله ، فانه سيكون مجتمعهم فاضلا و قادرا على مقاومة الضغوط و المشاكل المختلفة .

[ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ]

كما يكون الانسان مسؤولا عن سلوكياته و تصرفاته ، فان مختلقي التهمة ضد الرسول (ص) سوف يتحملون مسؤولية كلامهم في الدار الدنيا ، بكشفهمم و تعرية اشاعاتهم الباطلة ، وفي الآخرة بالعذاب الأليم .

[ و الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ]

و يبدو ان السياق يشير الى امام هذه العصبة ، الذي يتحمل وزرها ، بان له عذابا عظيما ، فالعادة تقضي بوجود كبير لهذه العصبة ، يكون مصدر تلفيق التهمة ، او لا اقل يعطي الشرعية لها ، و يبدو ان كبار السن الذين تنزوي عنهم الحياة ،و يشعرون بان شمس عمرهم تجنح للافول ، هم المبادرون لبث هذه التهم ، لانهم اكثر سلبية و حسدا ، و لعل المراد منه هنا هو شيخ المنافقين في عهد الرسول (ص) .

الــى هنا يكون الامر مقتصرا على ( التهمة ) اما الحديث الآتي فانه ينتقل الى جانب آخر ، حيث يحدد الله فيه المسؤولية ، التي تقع على كاهل المجتمع ، تجاه مثل هذا الامر فيقول :

[12] [ لــولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا و قالوا هذا إفك مبيــن ]يجب على المجتمع المؤمن قبل اتخاذ اي موقف ، ان يعرف خلفيات التهمة بالإفك ، حيث انها لا تقتصر على شخص الرسول فحسب ، بل تعنيهم ايضا ، و تهدد سلامة مجتمعهم ، فهؤلاء لا يهدفون التنقيص من كرامة الرسول فحسب ، بل يريدون ايضا التنقيص من شرف الامة الاسلامية، عن طريق بث التهم الباطلة ضد قيادتها ، و عندما يتجاوب المؤمنون مع ما يصبو اليه هؤلاء ، فيظنون بزوجة الرسول (ص) سوءا ، فهل يبقى بعد ذلك شرف سليم في الامة ، لا تناله ألسنة هؤلاء المنافقين ؟!

اذن لابد للذين يستمعون هذه التهم من التعرف على طبيعتها ، و كشف الدوائر التي تقف وراءها ، و على المجتمع ان يكون رشيدا فاضلا ، يقيم الافكار و الشخصيات .

فما يدور من صراع جاد اليوم بين الاستعمار و الحركات الرسالية - التي تهدف تقويض الكيان الاستعماري الجاهلي ، و اقامة حكومة اسلامية عادلة - صورة حية لما دار بالامس بين المنافقين الذين كانوا يختلقون التهم ، و بين المجتمع المؤمن بقيادة الرسول .




اذ يسعى الاستعمار بكل ما يملك من قوى شيطانية ، للمس من كرامة الامة الاسلامية عبر بث التهم ضد الحركات الرسالية ، و واجب الامة الاسلامية اليوم هو بالذات مسؤولية المؤمنين بالامس ، بأن تعتبر نفسها طرفا في الصراع ، و ان تكشف الدوائر الاستعمارية الواقفةخلف الاباطيل و التهم المختلقة ضد البررة من ابنائهما .

فالله سبحانه و تعالى يقول : ان هذه التهم تستهدف قبل كل شيء سلامة المجتمع المعنوية ، و على المجتمع ان يظن بنفسه خير ، و يتوجه جديا لمواجهة هذه التهم " لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنان بأنفسهم خيرا و قالوا هذا إفك مبين " و يطالب المتهمين بالادلة الدامغة ، فلو أتهم شخص آخر بأنه جاسوس دون أدلة ، فان المتهم هو الجاسوس حقا ، لان الجاسوس هو الذي يخدم المصالح الاستعمارية التي تستهدف الحركات التحررية الرسالية ، و الاسلام يأمرنا بمواجهة هؤلاء الاشخاص أمرا وجوبيا معتبرا كفريضة اسلامية حيث يقول :

[13] [ لولا جاءو عليه بأربعة شهداء ]

لاثبات ما اختلقوه ضد سلامة المجتمع و قيادته .

[ فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ]لان كلامهم في الواقع عار عن أي دليل حتى ولو كانوا صادقين ، و ان نشر الفكرة التي لا دليل عليها ولو كان عن سذاجة أو حسن ظن خطأ كبير .

" وكفى بالمرء جهلا ان يقول مالا يعلم ، بل كفى به جهلا ان يقول كل ما يعلم " (1)(1) هذا محتوى حديث مأثور عن الامام الحسن بن علي عليهما السلام .


فنشر تهمة لا دليل عليها يؤدي الى نفس العاقبة التي يسعى اليها الكاذب .

ان الدوائر الاستعمارية اليوم تختلق التهم المختلفة ، و تقذف بها في المجتمع لتتلقفها الالسن ، و تنتشر كما ينتشر الوباء ، و ان المجتمع الفاضل هو الذي يتهم المتهمين ، ويعتقد انهم كاذبون و لو كانوا صادقين ، لان الكذب كله في مجمل نقل القضية ، فالحط من قيمة الانسان الفاضل - الذي خلقه الله كريما ، و أراد له العيش بكرامة ، و ان يخلف وراءه سمعة حسنة - هو الكذب بعينه .

فقد يكون الانسان صادقا فيما يقول ، و لكنه يصبح كاذبا ، حينما يخطئ في تحديد موقع الكلمة التي يلفظها ، و قد جاء في محتوى حديث مأثور :

" الكذب في الاصلاح صدق عند الله ]

و كلمة " عنـد اللــه " في الآية تدل على انهم و لو كانوا صادقين في قرارة أنفسهم ، فانهم كاذبون عند الله ينالون جزاء الكاذب ، و لعل ذلك لانهم لم يراعوا الظروف المحيطة بكلامهم .

[14] و يؤكد القرآن ضخامة هذا الخطا ، فالكلمة البسيطة التي تطلقها افواه الكثير من الناس دون علم أو تثبت تكون وراءها مخاطر كبيرة جدا ، و لو لا ان الله رحيم بهم لاخذهم بعذاب عظيم .

[ ولولا فضل الله عليكم و رحمته في الدنيا و الأخرة لمسكم في ما افضتم فيه عذاب عظيم ]بسبب ما تورطتم فيه من الكلام السيء .

[15] [ إذ تلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمو تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم ]

لان الانسان يصبح خادما و بوقا للاستعمار دونما شعور ، و كم تمسنا هذه الآية الكريمة في الصميم ، فاكثرنا يقول ما يسمع ، و لا يعلم انه ضد نفسه أو دينه أو مجتمعه أم لا ، فيجب ان يكون الانسان ناطقا عن علمه و تثبته ، لا عن نقله من الآخرين كل ما يقولون .


و اذا إتخذنا مقياس التجمع الايماني من طبيعة تعاملهم مع التهم ، فان كثيرا من المجتمعات القائمة اليوم تخرج عن حد التجمع الايماي ، لانها تتلقف التهم كما يتلقف الصبيان الكرة ، و ينشرونها بينهم ، كما ينشر المجذوم وباء المرض .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس