الإطار العام
انها رسالة ، و عظمة الرسالة أولا تأتي من جانب مرسلها .
و الدرس الأول من هذه السورة التي يبدو انها تبين حقائق الوحي و تنسف العقبات التي تعترض طريق الايمان به ، يذكرنا بمن أرسل الكتاب ، و بالكتاب ، و بالرسول الذي أرسل معه .
أولا : الله هو الذي انزل الفرقان ، و هو رب السماوات و الارض الذي ارسل الكتاب .
انه الله الذي تبارك و تعالى . أوليس خيره عميم ثابت يغني ولا يتناقص و له وحده ملك السموات و الارض و هو الذي قدر كل شيء .
ثانيا : و من آمن بالله عرف رسالاته ، أما من اتخذ من دونه شركاء فسوف لا يحظى بالايمان بالرسالة ، لذلك تراهم يتهمون الرسالة بالافتراء ، و يزعمون : انها اساطير .
بينما الذي يعرف الله ، و انه العليم بسر الخلق يؤمن بالرسالة التي تكشف جانبا من ذلك السر .
ثالثـــا : قالوا : كيف يبعث الله بشرا رسولا . إنه يأكل و يكتسب معيشته ، و قالوا : لماذا لم ينزل معه ملك ، و لم يلق اليه كنز ، ثم قالوا : انه رجل مسحور .
و هكذا ضلوا عن السبيل بسبب ضربهم الأمثال للرسول .
وبعد ان يجيب السياق عن افتراءاتهم بانه قادر على ان يجعل للرسول ما يملأ عيونهم من الجنات و القصور ، يبين جذر الكفر بالرسالة المتثمل :
أولا : في تكذيب الساعة ، ينذرهم بها حيث تستدعيهم من بعيد بزفير و تغيظ ، فاذا اقحموا فيها تنادوا بالهلاك ، و يقارنها الذكر بالجنات التي وعد المتقون .
ثانيا : باعتمادهم على شركائهم . حيث يذكرنا الرب بان الانداد لا يغنون عنا شيئا في ذلك اليوم الذي يقفون امام المحكمة ، و يتبرأون ممن كانوا يعبدونهم .
ثالثا : ان من أسباب الكفر بالرسالة نسيان الذكر بسبب تطاول العمر و استمرار النعم ، فكان سببا لهلاكهم .
و يعود الذكر الى رد شبهاتهم التي سبقت الواحدة تلو الأخرى .
أولا : قالوا : لماذا يأكل رسولنا الطعام و يمشي في الاسواق ، فقال الرب : ان المرسلين سابقا كانوا ايضا يأكلون الطعام ، و يمشون في الاسواق ، و أن ابتلاء الناس ببعضهم سنة الله التي تمضي في الخلق لمعرفة من يصبر ، و هو البصير بهم (20) .
ثانيا : قالوا : لماذا لم ينزل معه ملك نذيرا ، يقول ربنا : انه الاستكبار و العتو .
أو لا يعلمون انه لو تنزلت الملائكة ، و انكشف الغطاء فقد لزمهم الجزاء ، و لا بشرى لهم يومئذ ، و تنتثر أعمالهم فلا تنفعهم ، و يمضي السياق في بيان اهوال الساعة التي كذبوا بها لعلهم يتذكرون .
ثالثا : من أسباب الكفر بالوحي خلـــة السوء حيث يعض الظالم - آنئذ - على يديه ، و ينادي بالويل على نفسه على ما اتخذ من اخلاء سوء اضلوه عن الذكر .
رابعا : يــــأتي الرسول يوم القيامة يشكو الى ربه من قومه الذين اتخذوا القرآن مهجــورا .
خامسا : و قالوا : لولا أنزل القرآن جملة واحدة ، و يجيب السياق بان الحكمة هي تثبيت الفؤاد ، و مقاومة امثلتهم الباطلة بالحق المبين .
و يحدث السياق عن مثل للرسالة الالهيــة حيث بعث الله موسى الى فرعون رسولا ، كما بعث نوحا الى قومه ، و ارسل الى عاد و ثمود و اصحاب الرس ، فماذا كانت عاقبة الذين كذبوا بالرسالة . ان مصير القرية التي امطرت مثلا واحدا لعاقبة اولئك المكذبين . أفلا يعتبرهؤلاء بهم و يكفون عن تكذيبهم ؟!
سادسا : و يتخذون الرسول هزوا ، و لكنهم يعترفون بمدى تأثيره فيهم ، و الواقع : ان الهدى من الله و ليس الرسول وكيلا عنهم ، ولا يهديهم الله إذ أنهم اتخذوا اهواءهم آلهتهم ، و يبين القرآن ان الله هو الذي جعل الشمس دليل الظل ، و احيـــى ميت البلاد ، و صرف الأمثال فهو الهادي و المذكر ، و لكن اكثر الناس يكفرون .
و الله سبحانه المالك المقتدر ، و قد أمر الرسول بجهادهم جهادا كبيرا ، و بين آيات قدرته البالغة ، حيث مرج البحرين ، و جعل بينهما حاجزا و قد خلق من الماء بشرا .
و لعل الآيات توحي بان من يكفر بالرسالة سوف يتعرض لمعادات المؤمنين ، ولا ينفعه الأنداد شيئا ، كما انهم لا يضرونه اذا خالفهم .
و في المقابل لا يطلب الرسول اجرا ، و لا يعتمد الا على الله .
و يأمر الله الرسول بالتوكل على الحي القيوم ، و يذكره باسمائه الحسنى ، فقد خلق السموات و الأرض في ستة ايام ، ثم استوى على عرش القدرة ، ينشر رحمته على عباده و هم ينفرون من السجود للرحمن بكفرهم !
وفي الدرس الأخير يذكرنا القرآن باسم " تبارك " الذي به جعل في السماء بروجا ، و جعل فيها سراجا منيرا ، ثم يضرب مثلا من واقع عباد الرحمن الذين صاغهم الوحي ، فهم يمشون على الارض هونا ، و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، و هم يبيتون لربهم سجدا و قياما ، و يحذرون عذاب الآخرة ، و يقتصدون في الإنفاق ، ولا يدعون مع الله الها آخر ، و لا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ، و يتوبون الى الله ، و لا يشهدون الزور ، و يمرون باللغو كراما ، و تعي افئدتهم آيات ربهم ، و يتطلعون الى ان يصبحوا اماماللمتقين ، فيجزيهم الله الغرفة بما صبروا ، و يلقون فيها تحية و سلاما .
وفي الآية الأخيرة يذكرنا السياق بدور الدعاء ، و لعل السبب يتلخص في انه رد التحية من قبل العبد لرسالات الرب .
|