فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


تبارك الذي نزل الفرقان
[1] ان مـــن أبرز مميزات القرآن الكريم ان الحكمة تتجلى فيه ، لأنه من لدن حكيم خبير ، فلا تجد لفظة من ألفاظه على صيغة معينة الا لحمة .

و لعل سبب تسمية هذه السورة بسورة " الفرقان " هو التالي :

اولا : لاشتمالها على هذه الكلمة في بدايتها .

ثانيا : بما ان الانسان خلق للبقاء في حياة أخرى لا تفنى ، و إنما جيء به الى الدنيا لتتكامل نفسه ، و يعد لتلك الحياة و طريق التكامل الوحي ، و سورة الفرقان تحدثنا عن الوحي ، و ضرورة الايمان به ، و كيفية تجاوز العقبــات التي تعترض طريق الايمان به ، ونقرأ في نهاية السورة عرضا لأبرز صفات المؤمنين به ، و التي تبين - في ذات الوقت - صورة عن الانسان المتكامل الذي يعده الفرقان للجنة ، و من هنا سمي الوحي هنا بالفرقان لأنه يميز الانسان المتكامل المعد للجنة عن البشر الناقص الذي يلقى في النار ، فالفرقان هوالقرآن الذي يعمل به ، و تصاغ عبره شخصية اصحاب الجنة .


فبالقرآن يعرف الحق من الباطل ، و الخير من الشر ، و من اهتدى به أوتي الفرقان ، و ارتفع إلى درجة الولاية على الناس تشريعيا ، اذ يستخلفه الله على ارضه ، لا لميزة ذاتية ، بل لأنه يجسد - اكثر من غيره - رسالة الله في سلوكه و تصرفاته ، كما أنه يسمو لمستوى الولاية التكوينية ، لأنه قد طبق بنود الرسالة على نفسه مما يعطيه القدرة على تسخير الأرض و ما فيها .

و عنــــدما تبدأ آيات هذه السورة المباركة بكلمة " تبارك " و التي تعني التكامل في الحياة ، فلكي تشير الى حقيقة عظيمة تهم الانسان كمسؤول عن حياته و مصيره ، فلو طمح يوما الى التكامل ، فلابد له من ادراك هذه الحقيقة ، و إلا فانه سيظل عاجزا عنبلوغ الهدف الكبير .

تلك الحقيقة هي ان الانسان لا يمتلك القدرة الذاتية على التكامل ، و لا سبيل له الى ذلك الا بالارتباط بينبوع التكامل و البركة و هو رحمة الله - جل شأنه - عبر التمسك بحبله المدود من السماء الى الارض ، و هو القرآن ، حيث يسمو بالانسان نحو مدارج الكمال ،و يفجر طاقاته الخيرة التي اودعها ربنا فيه .

لذا نجد هذه الكلمة تتكرر ثلاث مرات أو أكثر بعبارات مختلفة في هذه السورة ، التي يستوقف الانسان سياقها في الآية الاولى ليبين ان الهدف الأساسي من الوحي هو الانذار لأن الانسان اقرب الى دفع الشر عن نفسه منه عن جلب الخير ، فلو علم بعدو يريد اقتحام البيتتراه يتحرك استعدادا للدفاع بنشاط اكبر مما لو علم بوجود فرصة امامه للكسب ، و لربما كان هذا السبب الذي يجعل الانذار يسبق التبشير .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس