من آيات الكون [61] [ تبارك الذي جعل في السماء بروجا و جعل فيها سراجا و قمرا منيرا ]
ربما تشبه كلمة البركة كلمة التكامل في منطقنا الحديث ، فالمبارك يعني واسع الخير و ثابته ، أو المتكامل الذي ينمو - و تعالى الله عن النمو لانه - " الكامل الذي لا كمال بعـــده . اذ ليس لصفته حد محدود ، و لا نعت موجود ، و لا أمد ممدود " كما قال الامام علي (ع) .
فما معنى : " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " ؟
ان الذي اعطى البركة للسماء هو الذي يعطي البركة للانسان ، و البروج هي المواقع الظاهرة و المرتفعة في نفس الوقت ، و عادة ما يكون برج المدينة رمزها ،و الشمس و القمر و سائر الكواكب و النجوم بروج للسماء ، و الذي جعل الشمس و القمر و البروج هو صاحب البركة ، فالاولى أن نتوجه اليه دون غيره لانه الرحمن ، فلماذا لا نعرف هذه الصفة الحميدة من صفات ربنا ؟
[62] [ و هو الذي جعل الليل و النهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ]لقد جعل الله كلا من الليل و النهار يخلف أحدهما الآخر ، فلو دام الليل لانعدم المعاش ، و لو دام النهار لانعدمت الراحة .
و لكن متى يتذكر الانسان ؟ في الليل .
و متى يحصل على النعم فيشكر الله ؟ في النهار .
و كم هو جميل السياق اذ يقول : جعلنا الليل لمن أراد أن يذكر !
فحينمــا تهدأ الاصوات ، و تسكن الاحياء ، فيعم الصمت حيث الناس كل آوى الى فراش نومــه ، فينبعث ضمير المؤمن حيا ليناجي ربه " أن ناشئة الليل هي أشد وطئا و اقوم قيلا " .
اما في النهار حيث ينهض الانسان من نومه طلبا للرزق و المعاش ، لا لكي يطغى و انما ليشكر ربه ، و يصل بوظائف النعم التي وفرها له ، نجد انعكاس المعرفة الايمانية على سلوك عباد الرحمن الذين يصوغون به شخصيتهم من خلال الايمان العرفاني .
|