فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
هيمنة الله
[4] [تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى]
السماوات العلى أي العالية.
قد يبدي الإنسان نوعا من الذهول عندما يقرأ الأرقام العلمية، فقد كان العلماء يقدرون عدد النجومن بالآلاف، ثم قدروها بمئات الألوف، ثم بالملايين والمليارات، وبعد ذلك عجز علمهم عن الإحصاء، وكانوا في البداية يقدرون المسافات والأبعاد التي تفصل الاجرام السماوية عن بعضها بوحدات القياس الاعتيادية، ثم اكتشفوا ان هذه الوحدات الطويلة أعجز من ان تصمد امام المسافات الكونية الرهيبة، فلجأوا إلى استخدام السنة الضوئية في القياس، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة في حين ان سرعة الضوء تبلغ حوالي (300,000) كيلومترا في الثانية.
هذه الأرقام يكاد الإنسان لا يصدقها من ضخامتها، وكثير منا لم يصدق بهبوط الإنسان على القمر، وانه للحقيقة، وكان القرآن الحكيم يشير إلى ان رسالة السماء نور منزل من خالق السماوات العلى.
[5][ الرحمن على العرش استوى]
وهو رحمن، لأنه خلق هذه السماوات وهذه النجوم وهذا الفضاء اللامتناهي وهذا الإنسان، فرحمته تتجلى في إيجاد الأشياء من بعد العدم واعطائها كيانا بعد ان لم تكن شيئا مذكورا.
ثم لم يترك السماوات بعد خلقهان عبثا، انما استوى عليها، أي يشرف عليها ويأمرها فتأتمر ويزجرها فتزدجر، وبالتالي هو المسيطر المهيمن على السماوات والأرض، فلا شيء فيها أقرب اليه من شيء، لأنه محيط بها جميعا، علما وقدرة وسلطانا وتدبيرا، جاء في حديث شريف عن عبد الرحمن بن الحجاج قال، سألت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل ((الرحمن على العرش استوى))، فقال: استوى من كل شيء، فليس شيء اقرب اليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، إستوى من كل شيء.
والعرش هنا بمعنى مركز القدرة والسلطة والتدبير، وتعالى الله عما يتصوره الجاهلون، من أن العرش مقام ربنا المادي.. كلا: ان العرش لا يتحمل الرب، انما الرب هو الذي يحمله، جاء في حديث مأثور عن الإمام علي عليه السلام قاله لوفد النصارى ورئيسهم جاثليق:
فكان فيما سأله ان قال له: أخبرني عن ربك أيتحمل؟ فقال علي (ع): ان ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل، قال النصراني: وكيف ذلك ونحن نجد في الإنجيل: ((ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)) فقال علي (ع): ان الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنهشيء محدود مخلوق مدبر وربك عزوجل مالكه، لا انه عليه ككون الشيء على الشيء، وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما اقدرهم عليه، قال النصراني: صدقت يرحمك الله.
وجاء في حديث آخر مأثور عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن العرش والكرسي فقال: ان للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة، فقوله: ((رب العرش العظيم)) قول: الملك العظيم، وقوله: ((الرحمن على العرش استوى)) يقول: على الملك احتوى: وهذا ملك الكيفوفية في الأشياء، ثم العرش في الوصول منفرد من الكرسي لانهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعا غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه يطلع البدع، ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطنالذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية، وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات، والترك وعلم العود والبداء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي، وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: ((رب العرش العظيم)) أي صفته من صفة الكرسي، وهما في ذلك مقرونان.
[6] [له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى]ولم يملك القرآن أحدا شيئا، لأن الأشياء كلها لله سبحانه، وهو الذي يحكم فيها، وإذا أعطى الإنسان شيئا، فإنما يخوله الاستفادة منه، ويكون في الواقع مستخلفا فيه لا مالكا حقيقيا له.
[7] [وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى]
اذا جهرت بكلامك وأعلنته، فإن الله سبحانه لا يعلم ما جهرت به فقط، وانما أيضا يعلم خلفيات جهرك، ان كل كلمة ينطقها الإنسان جهارا قد يكون من ورائها ألف مقصد ومقصد، وكل ذلك قد أحاط به الله علما.