فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

هكذا نستوحي من الآية فكرتين
أولا : إن كل مجمـــوعة مؤمنة تعبد الله بحق ، و تكون صالحة ، تستحق أن ترث أرضها .

ثانيا : إن كل الأرض سوف تسعد بحكومة عادلة ، إلهية ، و هذه هي التي نجدها فيمــا يسمى بـ ( مزامير داود ) و الذي بالرغم من وجود تحريفات في كتب العهدين حفظــت لنا الكثير من حقائق الوحي و وصايا الانبياء ، فاننا نقرأ في بعضها ما ترجمته :

" إن الله يعلم أيام الصالحين ، و سيكون ميراثهم أبديا " . (1)و لذلك جاءت النصوص الإسلامية عن الرسول صلى الله عليه وآله تترى و تبشر بانه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل البيت بملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا .

و جاء في حديث ماثور عن الامام أبو جعفر (ع) في تفسير هذه الآية : " هم أصحاب المهدي في آخر الزمان " . (2)الصلاح بين تخلفنا و تقدم الغرب :

الصــلاح مطية التقدم ، ذلك لانه يعني التوافق بين عمل الانسان و سنن الخلائق ، و نتساءل : إذا لماذا تخلفنا و تقدم الغرب الكافر ، هل هم صالحون فعلا ؟

نقول بلى إنهم قد اكتشفوا بعض سنن الله و عملوا بها مثل ( السعي - النظام - التخطيط - العطاء ) فتقدموا علينا .

إلا إنهم لا يملكون خلفية عقائدية صحيحة و بالتالي إطارا سليما لنشاطهم ،(1) هناك نصوص كثيرة نقلت في تفسير ( نمونه ) في هذا الحقل راجع / ج 13 / ص 521 ، و هــذا النــص نقله الكتاب المزبور من الترجمة الفارسية لكتاب العهد القديم ، الذي ترجم في عام 1878 تحت إشراف مراجع الكنيسة .

(2) تجـــد هذيــن النصيــن و نصــوص أخــرى فــي نــور الثقلــين / ج 3 / ص 464 - 465 .


ولم يهتدوا الى الصراط القويم ، فكانوا كمن يجد السير على غير الطريق الصحيح فتراه يركض ، و يملك من العزيمة على السير ، و وسائل التحرك ما يساعده على الوصول الى الهدف ، إلا إنه أضل الطريق فلا يغنيه السعي و النظام و التخطيط و العطاء شيئا .

هؤلاء ( الغرب ) حققوا جزء من الشرط الثاني دون الشرط الأول و الأ هم لوراثة الأرض و هو عبادة الله ، فلذلك لن يكونوا المبشرين بوراثة الارض ، لانهم ليسوا عباد الله الصالحين ، بلى انهم يملكون من الصلاح نسبة يجزيهم الله عليها بتقدمهم المحدود و الموقت فيالدنيا ، و عندنا - نحن المسلمين - نسبة من الفساد نتخلف بسببها في الدنيا .

إذا لابد من تطبيق كل الدين حتى نكون صالحين ، و كل الدين هو الذي يجعلنا نتعايش مع سنن الكون و نبشر بوراثة الأرض بقدر تسخيرها في سبيل الله .

[ 106] [ إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ]

إذا لم يكن الانسان عابدا فإنه لن يصل إلى الحقيقة .

[ 107] [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ]

إن الصيغــة العامــة لرسالات الله جميعا ، و رسالة الإسلام بالذات ، هي الرحمة ، لانها تهدي الناس الى نعم الله ، و الطريق القويم الى الانتفاع بها ، و النهج السليم لبلوغ الأهــداف الســاميــة ، ولذلك جــاء في الحــديث عن الرسول إنه قال : " إنماأنا رحمة مهداة " . (1)


(1) نور الثقلين / ج 3 / ص 466 .


و تتميز رسالة نبينا الأكرم (ص) بانها رحمة للعالمين جميعا سواء الأبيض أو الأسود ، العربي و الأعجمي ، و الفقير و الغني ، و الرجال و النساء ، وأنها - كما السحب الهطول ، كما أشعة الشمس ، كما سائر نعم الله - تشمل الجميع بلا استثناء .

يكونوا المبشرين بوراثة الارض ، لانهم ليسوا عباد الله الصالحين ، بلى انهم يملكون من الصلاح نسبة يجزيهم الله عليها بتقدمهم المحدود و الموقت في الدنيا ، و عندنا - نحن المسلمين - نسبة من الفساد نتخلف بسببها في الدنيا .

إذا لابد من تطبيق كل الدين حتى نكون صالحين ، و كل الدين هو الذي يجعلنا نتعايش مع سنن الكون و نبشر بوراثة الأرض بقدر تسخيرها في سبيل الله .

[ 106] [ إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ]

إذا لم يكن الانسان عابدا فإنه لن يصل إلى الحقيقة .

[ 107] [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ]

إن الصيغــة العامــة لرسالات الله جميعا ، و رسالة الإسلام بالذات ، هي الرحمة ، لانها تهدي الناس الى نعم الله ، و الطريق القويم الى الانتفاع بها ، و النهج السليم لبلوغ الأهــداف الســاميــة ، ولذلك جــاء في الحــديث عن الرسول إنه قال : " إنماأنا رحمة مهداة " . (1)


(1) نور الثقلين / ج 3 / ص 466 .


و تتميز رسالة نبينا الأكرم (ص) بانها رحمة للعالمين جميعا سواء الأبيض أو الأسود ، العربي و الأعجمي ، و الفقير و الغني ، و الرجال و النساء ، وأنها - كما السحب الهطول ، كما أشعة الشمس ، كما سائر نعم الله - تشمل الجميع بلا استثناء .

ولانها رحمة للعالمين ، فان الله سبحانه و تعالى يريدها تسود العالم جميعا حتى تكون وراثة الأرض كل الأرض للصالحين التابعين لهذه الرحمة .. و هذه بشرى لابد أن يسعى كل مؤمن لتحقيقها .

وهناك تفسير آخر لهذه الآية جاء به الأثر الشريف و هو : إن الرسل من قبل سيدنا محمد (ص) بعثوا بالتصريح فاذا كذب الواحد منهم أنزل الله على قومه العذاب ، بينما بعث نبينا بالتعريض فلا يأخذ الله أهل الأرض في عهده بالبلاء الماحق ، و يدل على ذلك ما جاء فيحديث عن أمير المؤمنين (ع) و جهه الى بعض الزنادقة : " وأما قوله لنبيه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وانك ترى أهل المال المخالفة للايمان و من يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم الى هذه الغاية ، و انه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا و نجوا من عذاب السعير ، قال : فان الله تبارك اسمه إنما عنى بذلك انه جعله سبيلا لإنظار أهل هذه الدار ، لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض ، و كان النبي (ص) منهم إذا صدع بأمر الله و أجابه قومه سلموا و سلم أهل دارهم من سائر الخليقة ، و ان خالفوه هلكواو هلك أهل دارهم بالآفة التي كانت بينهم يتوعدهم بها و يتخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم ، من خسف او قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة و غير ذلك من أصناف العذاب الذي هلكت به الأمم الخالية ، إن الله علم من نبينا و من الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم منالأنبياء الصبر على مثله ، فبعثه الله

بالتعريض لا بالتصريح ، و أثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا . (1)[ 108] لماذا كانت رسالات الله رحمة ، و ما هو جوهر هذه الرحمة الالهية ؟

إن جوهر الرحمة الدعوة الى توحيد الله ، و نبذ الشركاء من دونه ، ذلك لأن تحرر الانسان من عبادة الهوى ، و تمرده على الضغوط ، و خلاصه من نير الطغاة و المستكبرين ، و ارتفاعه الى مستوى ( عبادة الله و حده ) هو قمة الاستقلال و الحرية و الكرامة .

إن حب الاستقلال و الحرية و الكرامة غريزة فطرية عجنت بها طينة البشر ، و لكن لم يتخلص الناس عمليا من الظلم و الاستعباد ، لماذا ؟

لأن البشر بحاجة الى من يوقظ هذه الفطرة و يثيرها و يبعثها و يعطيه عزمة إرادة و منهج عمل و ضياء أمل ، و ليس ذلك إلا عند الرسل ، فهم و من سار على نهجهم من عبــاد الله الصالحين يحررون - باذن الله - البشر من القهر و الاستعمار و سيطرة الاقوياء .

[ قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ]إنها دعوة بالغة الصراحة الى الاستقلال و الحرية و الكرامة ، و انها لعهد بين الرسول ومن أرسل اليهم بانه لا يريد استعبادهم ، بل تحريرهم ، و لكنه يطالبهم بالتسليم للحق لكي ينجيهم من عبودية الباطل .

[ 109] ولا يطالبهم الرسول بأجر ، ولا يدعوهم لمصلحة عنده انما يمن الله عليهم إذ ينذرهم بعذاب عظيم هم غافلون عنه و يقطع عذرهم بالجهد لهم بالانذار ، و هو سواء معهم في انه مخاطب أيضا بالانذار كما ان القريب و البعيد منهم شرع سواء .


(1) المصدر / ص 446 .


[ فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ]إيذان شامل لكل الناس و انذار مبين من الله رب العالمين لا دخل للرسول بتفاصيله ، فهو أيضا لا يدري متى يأمر الله بالعذاب ، و اذا لم يكن رسول الله حامل الانذار يدري فمن - يا ترى - يدري ؟ لا أحد ، و لقد قرانا في سورة طه قوله : " إن الساعة آتية أكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " ، فجاءت الرواية تفسر الآية : أكاد اخفيها من نفسي لان الله لم يحدد للساعة و قتا .

ياهول المفاجأة ، الساعة آتية بما فيها من فظائع الهول ، و عظائم الأحداث ، و لا يعرف أحد متى !!

إن إخفاء علم الساعة أبلغ أثرا لكي تحسس الانسان بالمسؤولية ، فلو حدد الله ميقات الساعة أو ميقات الموت ، لتكاسل الانسان عن واجبه متعللا بأنه سيتوب قبيل موته ، مثلما قال عمر بن سعد عندما أراد قتل الحسين عليه السلام ، و بعد أن عرضت عليه السلطة الأموية: ( ملك الري ) إن هو قتل الحسين (ع) ، قال وهو يناجي نفسه و يحاول تبرير قراره الاجرامي :

و والله لا أدري و إني لحائر أفكر في أمري على خطرينأأترك ملك الري و الري منيتي أم أرجع مأثوما بقتل حسينحسين ابن عمي و الحوادث جمة ولي في الري قرة عينيقولون : إن الله خالق جنة ونار و تعذيب وغل يدينفإن صدقوا فيما يقولون إنني أتوب إلى الرحمن من سنتينوإن إله الكون يغفر زلتي وإن كنت فيها أرذل الثقلينوإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة وملك عظيم دائم الحجلينإن الله سبحانه ينسف هذه الفكرة باخفاء الساعة ، فمن يقول إنك تعيش الى سنتين حتى تتقرب فيها الى الله .

و هكذا نقرأ في وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لابنه الحسن (عليهما السلام ) :

" ... واعلم يا بني إنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا و للفناء لا للبقاء ، و للموت لا للحياة و انك في منزل قلعة - أي لا يدري ساكنه متى ينتقل عنه - ودار بلغه - أي يؤخذ منه الكفاية للآخرة - و طريق الى الآخرة ، و انك طريد الموت الذي لا ينجو هاربه ،ولا يفوته طالبه ، ولابد انه مدركه ، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حالة سيئة ، قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة ، فيحول بينك و بين ذلك ، فاذا أنت قد أهلكت نفسك " . (1)إن وفاة الانسان كما وفاة المجتمعات غير معلومة ، وهكذا الساعة .

[ 110] و بإزاء جهلنا نحن البشر بيوم الحسرة و ساعة قيام الناس للحساب يعلم الله ما ظهر منا و ما بطن .

[ إنه يعلم الجهر من القول و يعلم ما تكتمون ]

و لعل الانسان يخفي غير ما يقول ، و يبرر جرائمه بشتى الاساليب ، فالله محيط علما بما يكتمه و لذلك عليه ألا يظن انه يخدع ربه أو يلتف على قوانينه و يتهرب من(1) 31 / وصايا أمير المؤمنين (ع) نهج البلاغة 400 .


مسؤولياته الشرعية إنما عليه أن يطهر قلبه من الأفكار الباطلة ، و وساوس الشيطان و تسولات النفس الأمارة بالسوء .

[ 111] أما نعم الحياة التي يرفل بها الظالمون المستكبرون اليوم ، و يحسبون انها تخلدهم ، بل يزعم بعضهم انها دليل رضا الله عنهم ، فانها قد تكون فتنة و بلاء و لعل متاعها قليل و الى أمد قريب .

[ وإن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين ]

[ 112] الحق محور خلق الكائنات و قد أمهل الرب برحمته عباده ، فلا ياخذهم بما يكسبون اليوم ، ولو أخذهم لما ترك على ظهر الأرض من دابة .

بيد ان الحق بالتالي مقياس أعمال الناس و ميزان جزائهم ، إليه يعودون آجلا أم عاجلا .

[ قال رب احكم بالحق و ربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ]بالله الرحمن يستعين الرسول و من يسير على نهجه على الأقاويل الباطلة ، و التبريرات الزائفة و الحجج الواهية .

ونستوحي من الآية فكرتين :

1 - إن الله يحكم بالحق ، إستجابة لدعاء الرسول ، حيث جاء في الأثر إنه (ص) كان يدعو بهذا الدعاء كلما خاض معركة ضد المشركين ، مما يدل بأن على الانسان ألا يتكاسل عن الجد و الجهاد ثم يكتفي بالدعاء .. و العكس غير صحيح أيضا فلا يصح أن يعتمد الانسان على عمله فلا يدعو ربه .

2 - وهو الذي يرزق عباده الصالحين - إذا دعوه - نورا يمشون به بين الناس ، و يميزون به الحق عن الأباطيل التي يصفها الكفار ، و يعطيهم قوة لردها ، و مقاومة الاعلام المضلل الذي يدعم الطغاة و الكفرة .

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس