فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[ 105] يبشــــر الله عباده الصالحين ، بانهم هم الذين يرثون الأرض وما عليها ، ثم يقول : إن هذا بلاغ لأولئك الذين عبدوا الله و سلموا أمورهم لربهم ، ما هي العلاقة بين الآيتين ؟
الواقع ليست الحقيقة غامضة ، بل لها دلائل و شواهد عدة ، و لكن الانسان عادة يصاب بعقدة أو عقيدة فاسدة ، أو غفلة مطبقة ، و عليه أن يبذل المزيد من الجهد لإصلاح نفسه من عقدها و عقائدها الفاسدة ، و كذلك من غفلتها .
إنك مــتى ما خلصت نفسك من عقدها و عقائدها الفاسدة ، و أيقظتها من غفلتها ، آنئذ يمكننا أن نحكم بانك فهمت الحقيقة ، و ليس ذلك فحسب ، بل إن الحقيقة صارت بالغة الوضوح في نفسك .
و يسمي الله سبحانه قوله : " إن الأرض يرثها عبادي الصالحون " بلاغا ، لأن الانســان بعد ما يصفي نفسه من رواسب العقد و العقائد الفاسدة ، و يوقظها من غفلتها ، يكون مستعدا لتلقي هذه الحقيقة و هي وراثة الصالحين الأرض جميعا ، كيف ؟
لأن الحياة مبنية على أساس الصلاح ، و ليس على أساس الفساد ، فلو كان الكون فاسدا لتحطم و زال .
ثم نتساءل ما هي علاقة هذا الأمر بحديثنا في قوله : " عبادي الصالحون " ؟
الانسان الصالح هو الذي يسير وفق سنن الله ، ولابد أن يسير منسجما مع مسيرة الكون ، ولابد أن يلتقيها في يوم من الأيام ، أما الانسان الفاسد الذي لا يسير وفق سننه ، فانه من الطبيعي أن يفترق مع مسيرة الكون ، و تكون بينهما هوة تتسع مع الزمن ، و الذي يسيروفق برامج الحق لابد أن يلتقي مع الكون ، أما الذي يسير وفق أهوائه فانه سوف يكون إما وبالا على الكون فينشر فيه فسادا ، أو يكون الكون وبالا عليه فيهلكه أو يدمره .
إن سنن الله في الكون تطبق شئنا أم أبينا ، و إن من يسير وفقها لابد أن يلتقي معــها ، بيــنما الذي يسير ضدها لابد أن ينتهي ، و عنوان هذه السنن هو الصلاح ، و قد بني الكون على الصلاح ، و الصالحون من عباد الله هم الذين يرثون الأرض ، لأنهم يطبقون سنن الله فيها .
[ و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يريثها عبادى الصالحون ]ما هو الزبور و الذكر ، و لماذا خصهما الرب بالذكر ، أو ليست هذه سنة إلهية نوهت بها رسالات الله جميعا ؟
بلى ، ولذلك احتمل بعض المفسرين أن يكون الذكر هنا هو القرآن بينما الزبور كل كـــتاب هبط قبله ، فيكون إذا معنى ( من بعد ) الذكر ما يساوي قولنا بالاضافة الى القرآن .
و لكننا نستظهر من لفظة الزبور نفس معناها عندما استخدمت في موردين ، و أيد بها كتاب داود .
بينما نستوحي من آية سبقة في هذه السورة : إن الذكر يطلق على التوراة ، و يبقى السؤال إذا بماذا اختص داود (ع) من بعد موسى (ع) بهذه البشرى ؟
و الجواب - كما يبدو لي - :
إن الله أنقذ بني إسرائيل ، ذلك القوم المستضعف من سلطة فرعون ، و على يد النبي موسى (ع) ، و أورثهم أرض الظالمين .
كما أعطى لداود حكما و هيأ له أسباب القدرة ، فكان من المناسب أن يذكرهما ، بأن وراثة كل الأرض تكون للصالحين : اولا لكي يكون ما تحقق فعلا على عهدهما شاهدا على ما يتحقق في المستقبل جريا على نهج القرآن في الارتقاء بالقارىء من الحقائق المشهودة الحاضرة ،الى الغيب الأوسع مدى ، و ثانيا و ليعلم كل مؤمن بأن الله سوف يورث الأرض للصالحين من عباده كما فعل في عهد داود و موسى ، فيكون ذلك أملا يبعثه الى المزيد من النشاط ، و بصيرة كونية لمعرفة حركة الكائنات التي تنتهي الى وراثة الأرض جميعا .