فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

النداء المقدس
هدى من الآيات

في اطار موضوع سورة طه التي تتحدث عن علاقات البشر بالدنيا وزينتها من جهة ، و رسالات الله و قيمتها من جهة ثانية ، يتساءل السياق هنا : هل سمعت قصة موسى حينما حار بأهله في الصحراء فرأى نارا فذهب اليها ليأتي منها بقبس ، أو يجد هدى ، ليعرف كيف يخرج من ازمته ؟

وحين و صل إليها ناداه الرب : اني أنا ربك ، وأمره بأن يخلع نعليه لأنه في مكان مقدس ، و أخبره بأنه اختاره لرسالاته ، و عليه أن يستمع اليها ، وهي عبادته ، و إقامة الصلاة لذكره ، و الايمان بالساعة التي لا ريب فيها ، و حينها تجزى كل نفس بما تسعى ، و التحصن ضد من يصدون عن الساعة لأنهم لا يؤمنون بها و يتبعون أهواءهم ، و هم يريدون هلاكه .

كما ان الانسان يفيق في الصحراء من الغفلة و الضلالة فتحيط به الظلمات ، و تلاحقه عوامل الخوف ، فيبحث عن مشعل يستضيء به ، و عن دفء يأوي إليه ...

كذلك موسى كان في تلك الليلة المظلمة الشاتية يسير في صحراء سيناء يبحث عن دفء و عن نور ، يبحث عن دفء يعالج به البرد القارص و عن هدى و نور يضيء به طريقه ، فحينما رأى نارا من بعيد ، كانت تلك النار بالنسبة اليه " أنسا " فأقترب اليها فاذا بهاخير من النار و من النور ، انها ( الرسالة ) التي تعالج مشكلة الانسان ، معالجة جذرية ، فتسير سفينة عقله و تذكره بربه و تخط له خطا مستقيما الى الله .

إن تصور موسى في تلك الليلة ، في تلك الصحراء الى جانب وادي طوى ، و هو يكلم الله ، و الله يكلمه و يناجيه ، تصور هذا المنظر يبعث الينا مشاعر مختلطة من السرور و الرهبة .

فمن جهة نشعر بأننا حينما نضيع في صحراء الحياة فلا بد أن نجد ربا ياخذ بأيدينا ، ربا رحيما ودودا الى درجة أنه يحدثنا . ترى أن الله يناجي موسى بعبارات قصيــرة ، و لكن موســى يتحدث حديثا طويلا ، حديث موسى مع ربه يكون بنفس طويل ، لأنه وجد في حديث ربه أنسا ، كان يريد أن يبقى طويلا مع ربه ، برغم انه كان قد ترك أهله ينتظرونه ليرجع اليهم بالدفء و الهدى ، و هذا هو دائما منظر الانسان و حالته و علاقته مع ربه في الحياة ، وهي علاقة الأخذ من دون تكلف ، و الاهتداء به من دون خشية أو رهبة .

و يبعــث فيــنا هذا التصور بالرهبة ، حيث نخشى بأن يتركنا الرب اذا تركنا هداه .

ففي نفس الوقت الذي ترانا نحتاج الى الله حاجة ملحة فهو رحيم بنا ، ودود معنا ، مع ذلك شديد العقاب ، هذه هي علاقة الانسان بالله سبحانه و تعالى .

و الآيات هذه توحي الينا بفكرة أخرى ، تلك هي فكرة ارتفاع الانسان الى هذا المستوى ، حيث يكلمه الله سبحانه و تعالى تكليما .

نحتفظ بهذه الصورة لنقارنها بعدئذ بصورة آتية ، و هي صورة ( فرعون ) ، فمرة يكون الانسان في صورة ( موسى ) و مرة يكون في صورة ( فرعون ) ، و كل واحد من أبناء آدم في قلبه إنسانان ، موسى و فرعون ، فخذ لنفسك ما تشاء .

و هناك أفكار أخرى تستلهم من هذه الآيات سوف نتعرض لها عبر حديثنا التفصيلي .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس