فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
النداء المقدس
[ 11] [ فلما أتاها نودى يا موسى ]
جاء موسى ليقتبس النار و ليهتدي بهدى أصحابها ، فاذا بنداء يتناهى الى سمعه لا يعرف مصدره ، و لذلك عبر القرآن بكلمة " نودي " ، فيأتيه النداء في البدء و ليست المناجاة لماذا ؟
لأن الانــسان الغافل يحتاج الى نداء حتى يستيقظ من غفلته ، ثم يناجى من قريب .
من هذا الذي يناديني باسمي ؟ من الذي يعرفني في هذه الصحراء ..؟
[ 12] [ إني أنا ربك ]
فجاءه الجواب واضحا بأن : الذي يكلمك هو رب العزة .
[ فاخلع نعليك ]
أول أمر هو أن يخلع موسى نعليه إحتراما لمن يكلم ..
[ إنك بالواد المقدس طوى ]
لماذا يخلع نعليه ؟ و ما هي العلاقة بين خلع النعلين و بين وجود الانسان في مكان مقدس ؟ و لماذا يقدس المكان ..؟
الجواب : إن خلع النعلين - كما أتصور - إنما هو رمز يشير الى تجرد الانسان من إرتباطاته و علاقاته ، و هذا التجرد ضرورة تمهيدية لاستقبال نور السماء ، نور الرسالة ، فاذا كانت عندك علاقة بأهلك ، بأولادك ، بسلطانك ، فانك لن تفهم الرسالة ، ولن تتمكن من استيعابها .
إنما تفهم الرسالة ، اذا انفصلت عن علاقاتك ، و اتجهت الى الله ؛ لذلك نحن في الحج ، نؤمر بأن نخلع ملابسنا العادية و نلبس ملابس بسيطة ، يعني تجردنا عن علاقاتنا الأرضية ، و قيمنا المادية ، و توجهنا الى الله سبحانه و تعالى ، لذلك أمر موسى بخلع نعليه ،و بذلك جاءت النصوص الإسلامية التي نفت في ذات الوقت أن تكون نعلا موسى - آنئذ - من جلد حمار ميت و لذلك أمر بنزعهما نقرأ معا النص التالي المأثور عن الامام الحجة القائم عجل الله تعالى فرجه :
في كتاب كمال الدين و تمام النعمة باسناده الى سعد بن عبد الله القمي عن الحجة القائم عليه السلام حديث طويل و فيه : قلت فاخبرني يابن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى : " فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى " ، فان فقهاء الفريقين يزعمون انها كانت من إهاب الميتة ؟ قال صلوات الله عليه : " من قال ذلك فقد افترى على موسى فيها ، و استجهله في نبوته ، لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين :
أما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة ، فان كانت صلاته جائزة ، جاز له لبسها في تلك البقعة اذا لم تكن مقدسة ، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست باقدس و أطهر من الصلاة ، و إن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب على موسى عليه السلام : أنه لم يعرف الحلالمن الحرام ، و علم ما جاز فيه الصلاة ، و ما لم يجز ، وهذا كفر ، قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها : قال صلوات الله عليه : ان موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال : يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني ، و غسلت قلبي عمن سواك ، و كان شديد الحب لأهله ، فقالالله تعالى : " فاخلع نعليك " أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، و قلبك من الميل الى من سواي مغسول " (1)و السؤال الآخر : ما هي العلاقة بين خلع النعلين و بين الوادي المقدس طوى ؟
العلاقة ان الانسان في الأماكن المقدسة و المشرفة ، يجب أن لا يكتفي بخشوع قلبه ، و انما يجعل مظهره بشكل يدل على انه خاشع لله سبحانه .
لذلك يستحب في بعض الأماكن المقدسة أن يتحرك الانسان إليها بخطى وئيدة ، لكي تدل طريقة مشيه على انه خاشع ، و هكذا أمر الله موسى بأن يخلع نعليه في ذلك المكان المقــدس الذي لم يقــدس لذاته ، و انما لأنه ينتسب الى من هو متصف بالقدسية ، أو ليس أوحى اللهسبحانه في هذا المكان ، أو ليس الوحي مقدسا ؟
الوادي المقدس " طوى " هو في جانب طور سيناء ، و سبب قداسته حسب حديث الرسول (ًص) لأنه قدست فيه الأرواح ، و اصطفيت فيه الملائكة ، و كلم الله عز وجل موسى تكليما . (2)(1) نور الثقلين / ج 3 / ص 373 - 374 .
(2) نور الثقلين / ج 3 / ص 374.
[ 13] [ وأنا اخترتك فاسمع لما يوحى ]
الاختيار هو تفضيل شيء لصفة مميزة فيه ، وانما اختار ربنا الحكيم موسى ( عليه السلام ) لما وجد فيه من الصفات المثلى لحمل الرسالة ، و أهمها - فيما يبدو لي - صفة : الخروج عن الذات ، و الاهتمام بالآخرين .
و هذه الصفة كانت متوفرة في كل الأنبياء و في موسى - عليه السلام - بالذات ، فأنت ترى انه نسي أهله ، و جلس يتحدث مع الله حديثا مفصلا ، لم يقل : إأذن لــي يا الهــي حتى أذهب و احضر أهلي ثم أكمل الحديث ، كلا بل ظل يواصل الكلام ، كذلك يقول الله عن يوسف: " ولما بلغ أشده آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين " ، إن الله يجزي اولئك الذين يحسنون الى الناس و يحبونهم و يعملون من أجلهم ، و يخرجون عن ذواتهم من أجل المصلحة العامة ، هؤلاء يهديهم الله باعطائهم الرسالة ، و الحكم ( الرسالة ) .
خلاصة الوحي :
[ 14] [ إنني أنا الله لا إله إلا انا فاعبدني ]
إن خلاصة الوحي هي هذه الكلمات : الايمان بالله إلها واحدا و عبادته .
[ و أقم الصلاة لذكرى ]
و إقامة الصلاة ليست فقط بهذه الحركات الشكلية التي يؤديها المصلي ، و انما هي رمز لخضوع الانسان لأمر الله عز وجل ، و استعداده لتطبيق كل أوامره و شرائعه على نفسه و على أسرته و على مجتمعه و أمته . و لذلك فهي عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها ، وإن ردت رد ما سواها ، ومن هنا وجب إقامة الصلاة متى ما ذكرها الفرد في وقتها أو بعده ، كما روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله :
" من نسي صلاة ، فليصلها اذا ذكرها ، لا كفارة لها غير ذلك ، و قرأ : وأقم الصلاة لذكري " (1)لماذا قال الله لذكري ؟
ان العبادة الشعائرية و حدها لا تكفي ، لأن تلك العبادة بمرور الزمن تتعرض للآنحراف و التشويه ، لذلك فان الانسان بحاجة الى ذكر دائم لله كي تبقى عبوديته لله سبحانه و تعالى في مأمن من التحول - بسبب ضغوط الحياة و و سوسة الشيطان - الى عبودية غير الله فيشتى صورها.
لذلك - أتصور - إن كلمة " ذكري " تعني : ان ذكر الله سبحانه إنما هو في الواقع الهدف الأسمى من الصلاة ، حيث جاء في آية أخرى " و لذكر الله أكبر " ، فالصلاة تهدف الى ذكر الله و الارتباط المباشر به سبحانه .
و هذه الآية تدل على أن في الصلاة وجوبين :
الوجوب الأول : هو الصلاة في وقتها .
و الوجوب الثاني : هو أن الصلاة واجبة بعد وقتها ، فاذا نسيت الصلاة و فات وقتها ، فعليــك أن تقضيها في غير وقتها ، لماذا ؟ لأن وجوب الصلاة إنما هو لذكر الله ، و ذكر الله هو سر السعادة و الفلاح في الدنيا و الاخرة ، لانه سبحانه مصدر الخير الحقيقــي فيهذا الوجود ، ولا يمكن للعبد المخلوق أن يحصل من الله على الخير ، في حين أنه منصرف عن ذكره و التوجه إليه .
كمــا تــدل الآية أيضا على أن الصلاة يجب أن تكون بخشوع و من أجل ذكر الله ،(1) المصدر / ص 375 .
فأساس الصلاة هو تحيتك مع الله ، فحينما تركع و تقول : " سبحان ربي العظيم و بحمده " أو تسجد و تقول : " سبحان ربي الأعلى و بحمده " فان هذا هو نوع من التحية لربك تحييه بتنزيهه و تعظيمه .