فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
العلم دليل الحقيقة
[38] السياق القرآني يتبع عادة أكثر من خط فكري واحد خلال درس أو سورة ، لانه كتاب الله الذي لا يشغله شأن عن شأن ، و اذا تدبرنا في نهايات آيات هذا الدرس الكريم تبين لنا أن السياق يحدثنا أيضا عن العلم ، بالإضافة الى حديثه عن الإيمان بالبعث ، و عن الهجرة في الله ، و عن الرسالة ، بل يكاد العلم يكون الخط الرابط بين موضوعات الآيات هذه ، ذلـــك ان العلم مسؤولية خطيرة لأنه قرين العمل ، و يهتف به فإن وجده و إلا ارتحل ، و لولا العمل بالعلم فإن القرآن لا يسميه علما ، ذلك ان العلم - في الإسلام - ليس مجرد تراكم المعلومات في الحافظة البشرية كما تراكمها مثلا في الكمبيوتر ، بل هو انكشاف المعلومات بوضوح أمام العقل النير . و عندما تنكشف الحقائق فإن العمل وفقها نتيجة فطرية لها .
و لكن هل العمل بالعلم سهل ؟ كلا .. أولم يقل الحديث الشريف :
" حديثنا صعب مستصعب "
فإن أمام العمل عقبات نفسية و واقعية لابد من تجاوزها و التغلب عليها .
و لكي يتهرب البعض من مسؤولية العلم يجهلون ، ويحلفون الإيمان المغلظة على جهلهم .
ومن جهة أخرى فإن العلم بالآخرة يبدو كحجر الزاوية في العلم ، لأن فهم الدنيا و ما فيها من مسؤوليات و قيم و حقائق لا يمكن دون الإعتراف بالآخرة ، و إلا فكل شيء في الدنيا يبدو لغزا و سرا كبيرا .
و من هنا كان إنكار الآخرة بمثابة جهل مطبق بالحياة الدنيا ، هذه التي قد تنتهي في أية لحظة و من حكمة معروفة .
و من جهة ثالثة : العلم بالآخرة ، يجعلنا نؤمن بان هناك حقا ثابتا في هذا العالم ، و اننا سوف نعرفه و نحاسب على أساسه في يوم ما لذلك لابد أن نبحث عنه و ان نجعله هو المحور لتفكرنا و عملنا .
و فقدان محورية الحق يشبه سقوط قاعدة البناء ، كل شيء فيه ينهدم ، فاذا لم يكن هناك حق و باطل واقعيان ، و اذا لم يكن هناك حسن و قبح عقليان - حسب تعبير الفلاسفة - فلماذا ترانا نبحث في العلم ؟ و ما هو المقياس في الصراعات ؟ هل المقياس هو الأنا ، أم الأقوى ، أم ماذا ؟
و يبدو ان الآيتين توضحان هذه الحقيقة :
[ و أقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت ]القسم فيما لا يعلم الفرد دليل على تأكيده على جهله و فراره من العلم بالحق ، و إلا فلماذا التأكيد على القسم على ان الله لا يبعث الموتى ؟
[ بلى وعدا عليه حقا و لكن أكثر الناس لا يعلمون ]
إن وعد الله حق ، و قد وعد أن يبعث من يموت ، و أكثر الناس لا يعلمون ذلك .
يقول العلامة الطباطبائي : ( أي لا يعلمون انه من الوعد الذي لا يخلف ،و القضاء الذي لا يتغير لاعراضهم عن الآيات الدالة عليه ، الكاشفة عن وعده و هي خلق السماوات و الأرض ، و العدل و الإحسان ، و التكليف النازل في الشرائع الإلهية ) . (1)و قال البعض : أن المعنى لا يعلمون وجه الحكمة في البعث فلا يؤمنون به . (2)و يبدو أن القرآن ، ينفي علم أكثر الناس كعلم ، لكي لا تتخذ الأكثرية مقياسا ، بل يكون المقيــــاس هو الحق الذي يتبين في الآخرة ، و تنتهي الآية الى بيان حقيقة العلم و مقاييسه ، و الله العالم .
|