فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


معنى الوحي
و نتساءل : كيف الوحي ؟

قبل الإجابة لنعرف معنى الكلمة ، و التي يقول عنها اللغوي الراغب : الوحي الإشارة السريعة ، و ذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز ، أو بصوت مجرد عن التركيب ، أو بإشارة و نحوها .

و قال العلامة الطباطبائي : و المحصل من موارد استعماله : أنه القاء المعنى بنحو يخفى على غير من قصد إفهامه .

1) فالالهام بالقاء المعنى في فهم الحيوان من طريق الغريزة من الوحي : " و أوحى ربك الى النحل " .

2) و كذا ورود المعنى في النفس عن طريق الرؤيا : " و أوحينا الى أم موسى القصص " (القصص / 7 ) .

3) أو ورود المعنى في النفس عن طريق الوسوسة : " ان الشياطين ليوحون الى أوليائهم " ( الانعام / 121 ) .

4) و من الوحي التكليم الإلهي لأنبيائه و رسله : " و ما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا " ( الشورى / 51 ) .


و الوحي من الله الى النحل يتناسب و جو الآيات العام ، الذي يهدينا الى آيات الله في الحياة ، ليبرز دور الالهام في العلم ، ابتداء من إنزال الكتاب إلى العلم الذي يسلبه الله عمن يبلغ أرذل العمر .

حيث ان الآية هذه تشير الى دور الإلهام المباشر من قبل الله في حياة النحل ، فكيف بالانسان ، و ان من يتعالى على الوحي المنزل من السماء فانما يتكبر على أوضح و أبسط الحقائق التي يعيشها في حياته ، و هي النور الذي يضيء له دروب الحياة ، و قد يكون ذلك سببالتسمية هذه السورة المباركة بإسم النحل .

[69] ثم أمر الله النحل بان تأكل من زهرة الأثمار ، و التي هي خلاصة مواد الثمر قبل بروزه ، متخذة السبل الإلهية ، و الأنظمة التي وضعها الله للحياة ، حتى تتحول تلك الزهرات الى شراب سائغ .

[ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ]

أي الطرق المعبدة التي هيأها الله لك ، فقد جعل الله للهواء سبلا كما للأرض ، و هي الأيسر سلوكا و الأقل مطبات هوائية ، و يتعرف عليها الطيارون بصعوبة ، بينما أوحى الله بها إلى النحل و غيره مما يطير بجناحيه .

[ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ]

و العسل يلقيه النحل من فيه ، بعد أن يتفاعل في بطنه ، و لذلك عبر ربنا عن ذلك بأنه يخرج من بطون النحل .

[ فيه شفاء للناس ]

من أمراض مختلفة ، و يعطي الجسم حيوية و مناعة عن الأمراض .


[ إن في ذلك لأية لقوم يتفكرون ]

إن النحل هذا الحيوان المستهان في الدنيا ، يأمره الله بأن يحقق هذا الهدف ، و علمه وسائل ذلك و كيف يبني بيته ؟ و كيف يتخذ لنفسه يعسوبا ، و كيف يتوالد ؟ كل هذه السنن الإلهية تستقطب اهتمامنا ، و تجعلنا نعترف خاشعين بأن للكون المهيب إلها يدبر شؤونه سبحانه ، و يبدو أن معرفة أسرار النحل بحاجة إلى بحث مثابر ، و لذلك عقب الله الآية بأن النحل آية للمتفكرين ، بينما لا تحتاج آية الثمرات إلى ذلك الجهد الفكري ، بل إلى حفظ التجارب الزراعية ، لذلك بين السياق هناك ان الثمرات آية لمن يعقلون ، واكتفى في مراقبة الأمطار بالسماع فقال : " لأية لقوم يسمعون " و هكذا تختلف أسرار الحياة فبعضها تفهم بأقل دراسة ، بينما بعضها الآخر تفهم بدارسة معمقة ، و تبقى بعضها متوسطة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس