فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
جزاء السكوت
[65] جــاءت نهاية ثمود التي انحدروا إليها شيئا فشيئا بسبب استكبارهم عن الحق ، و ذلك حينما عقروا الناقة الآية الآلهية التي طالبوا بها ، و التي لم تكن تضرهمشيئا ، بل كانت تنفعهم ، و لم يعقر الناقة سوى اشقاهم و هو شخص واحد ، إلا ان رضا الجميع بفعله و سكوتهم عنه جعلهم شركاء في الجريمة ، و نسبت الخطيئة اليهم جميعا .
[ فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد الله غير مكذوب ]ان السلطة السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية الفاسدة هي التي بادرت بعقر الناقة في جو من الاستسلام الساذج ، و كانت تلك النتيجة الطبيعية للجمود و التقليد و الاعتزاز بالمكاسب ، و هكذا كان شأن الديكتاتوريات عبر التاريخ ، انها تنوم الناس على انغام المكاسب الظاهرة فتسلب منهم قدرتهم على التفكير السليم بعدئذ تقوم بأستغلالهم و استثمار طاقاتهم حسب ما تشاء ، و توردهم المهالك من دون اي خوف من التمرد او المقاومة .
[66] و هكذا فعلت السلطات المستكبرة بقوم ثمو د ، و لكن ثمود هي التي فعلت بنفسها هذه الجريمة حين سكتت في أول الأمر عن تلك السلطات . ان الرضا بالديكتاتورية هي الخطوة الأولى الى المجزرة ، لان الديكتاتورية تسلب أعز شيء عند الانسان هو عقله و تفكيره .. فيكون ضررها اكبر من نفعها مهما كان نفعها كبيرا . لذلك جاء الأمر الالهي الحاسم .
[ فلما جاء أمرنا نجينا صالحا و الذين آمنوا معه برحمة منا و من خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز ]العزة هي مظهر القوة في الحقل الاجتماعي ، و الله لا يدع قيم الحق قائمة في النفوس و العقول و بين اضلع الكتب و الخطب ، بل يجسدها في ضمير الواقع فاذا بالظلم يتحول إلى ظلمات ، و الجريمة الى عقاب ، و الفساد الى خراب .
[67] و اذا بالسكوت عن الظلم ، و الرضا بالجريمة ، و الاستسلام أمام الفساد يتحول كل ذلك الى صيحة مدمرة . هي صيحة الحق الذي سكتوا عنه ، و هي عقاب الجريمة التي رضوا بها ، و هي نهاية الفساد الذي استسلموا له .
[ و أخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ]لقد كانت الصيحة في لحظة واحدة بحيث اسكتت حناجر الساكتين عن الظلم ، و اهمدت حركة المغرورين بمكاسبهم ، و جعلتهم يسقطون على وجوههم ( في حالة الجثوم ) تلك الوجوه التي استكبرت عن قبول الحق .
[68] ايــن تلك الديار التي تمتعوا بها و اقاموا دهرا فيها ؟! اين الصخب و الحركة ، و اين العمـــارة و الأثاث ؟! لقد شمل التخريب الساحق كل زاوية من زوايا ديارهم ، و كأنها كانت خالية من السكان ..
[ كأن لم يغنوا فيها ]
اي لم يقيموا فيها .
[ ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ]
لقد كفروا بعبادة الله و برسالته ، و برسول الله الذي بعث ليطاع باذنه ، و لكن كفرهم هذا كان - في الواقع - متوجها مباشرة الى ربهم جل جلاله ، و هذه هي الحقيقة الكبرى التي ينساها او يتجاهلها البشر فيفصل بين الله و رسالاته ، و يريد ان يكفر بالرسالات كفرا عمليا و يحتفظ بأيمانه بالله ، و هذا هو التناقض البعيد و المستحيل .
ان ثمود بعدت عن رحمة الله ، و عن الذكر الحسن ، و عن ثواب الآخرة بسبب محاولتها الفصل بين الله و رسوله . فهل نكرر التجربة ؟!
|