فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
الرؤيا بصيرة المستقبل
[4] كان يوسف الثاني عشر من ابناء يعقوب ( إسرائيل ) و هو حفيد ابراهيم الخليل ، و أبن اسحاق ، و كان بالرغم من صغر سنه الأكفأ بين أخوته ، و لذلك أختاره الله ليكون وريث الرسالة إذ ان .
" الله اعلم حيث يجعل رسالته "
و قام ذات صباح مسرعا الى أبيه يقص عليه خبر رؤياه العجيبة . و هو آنئذ غلام مراهق مضى من عمره أثنى عشر ربيعا .
ماذا رأى ؟ رأى أحد عشر كوكبا كما رأى الشمس و القمر ، ثم كانت دهشته كبيرة حين رآهم كأنهم يسجدون له .
[ إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين ][5] أول نصيحة قدمها يعقوب لابنه و قبل ان يفسر رؤياه هي التحذر من أخوته الا يحسدوه .
[ قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ]أي يدبروا لك سوء ، و السبب أن نوازع الشر موجودة لدى البشر ، و الشيطان يدغدغ هذه النوازع ليثيرها .
[ إن الشيطان للانسان عدو مبين ]
ولان يوسف الأخ الأصغـر لأخوته ، ولأنه من أم أخرى يقال ان أسمها ( راهيل ) وقد توفيت ، وكان يحن عليه أبوه لتعويضه عن الحنان الأمي المفقود فكان الجو مهيأ لتنامي الحسد فيهم . لذلك حذر ، منهم يعقوب .
و جاء في حديث ان تظاهر يعقوب بحب يوسف كان السبب في إثارة أخوته عليه ، بينما المفروض ان يخفي الأب شدة حبه لأحد أولاده عن أنظار الآخرين لكي لا يحسدوه و ربما كـــان في تظاهر يعقوب في حبه لأبنه يوسف أحترامه للخصال الكريمة التي كانت عنده ، و ذلك بهدف تشجيع الآخرين على التحلي بها .
على العموم كان يعقوب يعرف مدى حسد أخوة يوسف تجاه اخيهم النابة و يتحذر من اثارة الحسد .
[6] ثم فسر يعقوب رؤيا يوسف ، و بين أنها تدل :
أولا : على ان الله سوف يصطفى يوسف ، و يرزقه علما بعواقب الأمور التي سماها بتأويل الأحاديث . أي معرفة ما يؤل اليه الأحاديث - و كيفية جريانها .
ثانيا : أنه سوف يتم نعمته عليه بنصرته على أعداؤه كما فعل بآبائه الصالحين .
[ و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الأحاديث و يتم نعمته عليك و على آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم و إسحاق إن ربك عليم حكيم ]يعلم ما يخفيه الناس و ما يظهرونه من نية و عمل . فيؤتيهم بصلاح نيـــاتهم و أعمالهم . لذلك فهو قد أجتبى يوسف بحق ، و بقية القصة تدل على ذلك .
[7] لقد كان في قصص يوسف . و قصص أخوته الذين كادوا له في البدء ثم تابوا و أصلحوا - كان للناس - فيها آيات تهديهم الى طبيعة الانسان في كبوته أمام الشهوات ، ثم تعرضه للآلام ، و أخيرا توبته و إصلاح نفسه ، و لكن هذه العبرة ليست لكل الناس بل للسائلين منهم الذين يبحثون عن الحقيقة لأحساسهم بمدى الحاجة اليها .
[ لقد كان في يوسف و إخوته آيات للسائلين ]
فما هي تلك الآيات ؟ سوف نجد نوعين من العبر التاريخية في قصة يوسف و أخوته .
الأولى : ان العاقبة للمتقين ، و هذا النوع يتبين لنا في نهاية القصة فقط .
الثانية : آيات تكشف نفسية البشر ، و طبيعة القوى المتناقضة في ذاته ، و كيف يعين الله عباده في الأوقات الحرجة ، و ما أشبه من العبر التي تستوحى من اللحظات الحساسة في القصة . لذلك علينا ان نلاحظ في تدبرنا لقصة يوسف هذين النوعين من الآيات المفيدة للسائلين .
المؤامرة :
[8] جلس أخوة يوسف يتآمرون و قالوا : ان يوسف و اخاه من أمه أحب الى قلب أبينا منا ، بينما نحن أكثر عددا منهم ، و ينبغي ان نكون نحن الوارثين لأمجاد أبينا ، فابونا إذا في ضلال مبين .
[ إذ قالوا ليوسف و أخوه أحب إلى أبينا منا و نحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين ]قال بعض المفسرين ما يلي : أي في ذهاب عن طريق الصواب الذي هو العدل بيننا في المحبة ، و قيل معناه : أنه في خطأ من الــرأي فــي أمور الأولاد و التدبير الدنيوي ، و نحن أقوم بأمور مواشيه و أمواله و سائر أعماله ، و لم يريدوا به الضلال عن الدين لأنهم لوارادوا ذلك لكانوا كفارا ، و ذلك خلاف الاجماع . (1)و يبدو ان الضلال المقصود انما هو الضلال عن الطريق القويم في معاملة أبنائه .
[9] و اذا كان الأب في ضلال فلابد أن يعارضوه و يقاطعوه ، و لكنهم كادوا ليـــوسف - أخيهم البريء - و تآمروا على أن يقتلوه ، أو ينفوه في ارض بعيدة يموت فيها .
و السبب : ان منطلقهم الفكري كان ( العنصرية ) التي اوحت اليهم بأنهم ما داموا عصبة فهم أفضل من غيرهم ، و هذا هو منطق القوة الذي يتكلم به كل الطغاة ، و اذا كان اخوة يوسف يقيمون أنفسهم وفق المقاييس الرسالية لعرفوا بأن صفات يوسف الرسالية أحسن من صفاتهم، فهو أحق بحب والدهم منهم لذلك قالوا :
[ اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم و تكونوا من بعده قوما صالحين ]ان اخوة يوسف حاولوا الجمع بين الدين و الدنيا ، بين الحق و الباطل ، فمن جهة أثارهم حسدهم و نظرتهم العنصرية الى أنفسهم . نحو قتل أخيهم البريء ، و من جهة(1) مجمع البيان الجزء الخامس / ص 212
ثانية فكروا في أن يصبحوا صالحين في يوم من الأيام .
[10] و ادرك احدهم حنان الأخوة .
[ قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف و ألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ]غيابت الجب شبه طاق فوق ماء البئر ، و يقال : ان قائل هذا القول هو ( لاوي ) من أخوة يوسف ، و يقال : انه كبيرهم الذي رفض مواجهة ابيه عندما أخذ اخاهم منهم عندما اتهمه يوسف بالسرقة خدعة ، و هكذا انصرفوا عن قتل يوسف . و اجمعوا على أن يجعلوه قريبا من البئر في الصحراء ليأخذه بعض المارة لقيطا .
وهؤلاء اخوة يوسف الذين تآمروا عليه حرموا النبوة ، بالرغم من توبتهم اخيرا ، و أنهم الأسباط الذين أنحدرت من نسلهم الأنبياء ذلك لان النبوة لا تعطى لمثل هؤلاء الذين يقومون بمعاصي كبيرة في حياتهم ، فالله أعلم حيث يجعل رسالته .
|